العدد 3951 - الإثنين 01 يوليو 2013م الموافق 22 شعبان 1434هـ

حتى لا تتكرر مأساة حسن شحاته

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

الدرس البليغ والمباشر الذي تقدّمه مجزرة زاوية أبو مسلم بمنطقة الهرم بمحافظة الجيزة المصرية، والتي راح ضحيتها رجل الدين المصري الشيخ حسن شحاتة (67 عاماً) هو أن تراخي السلطة عن محاصرة خطابات الكراهية والتكفير، والسماح بازدراء الأديان يؤدّي إلى هذه النتيجة الطبيعية... القتل والسحل والتمثيل بالجثث.

سيُعدّ يوم الأحد (23 يونيو/حزيران 2013) نقطة سوداء في تاريخ مصر الأزهر الشريف، وجريمة نكراء يفتتح بها حكم الأخوان عهدهم الميمون. مصر التي حكمها الفاطميون الشيعة ولم يسفكوا على أراضيها قطرة دم واحدة، ولم يُكرِهوا المصريين على تغيير مذهبهم، ولم يفرضوا التشيّع وهم أهل حكم وسلطان، ويأتي اليوم من يحدّثك بوقاحةٍ وسذاجةٍ أن السائح الشيعي قد يهدّد التسنن في مصر!

ويفاخر مشايخ السلفية بأن الرئيس الإخواني وعد باستئصال شأفة التشيّع من مصر، ومحاصرتهم وتضييق الخناق عليهم. وهناك أرقامٌ للطوارئ لتلقي الشكاوى من المواطنين الكرام عن أي تجمع شيعي!

من هنا ليس بمستغرب ما حدث للشيخ شحاته ورفاقه الثلاثة عندما قام المهاجمون بقتلهم، وإضرام النار بالمنزل الذي كانوا فيه وهم يحيون احتفالاً دينياً. والسيناريو البشع هذا مرشح للتكرار، ففي ظل تنامي الأحقاد المذهبية في المنطقة، وتراخي السلطات التي من أوجب مسئوليتها حفظ النسيج الاجتماعي، والضرب بيد من حديد على كل من يتجاسر على العبث بالسلم الأهلي وبث سموم الكراهية وازدراء الأديان وتكفير طائفةٍ من المسلمين وإخراجهم من الملة، وعدّهم «أرجاس» و«أخطر من اليهود» وينبغي «تطهير البلاد» منهم، وذلك بمحضرٍ من أعلى سلطة سياسية في البلد، وهو ما يعدّ تشجيعاً ورعايةً مباشرةً لثقافة التكفير والتكريه والقتل وسحل الجثث والتمثيل بها. وهي خطاباتٌ نجد لها نظائر كثيرة في البحرين مع الأسف في ظلّ تجاهل رسمي مريب يجعله في مستوى «الرعاية» و«التبني».

الخشية أن ما حدث في مصر الكنانة قابلٌ للتكرار والاستنساخ، إذا لم تستعد السلطات الأمنية في البلدان العربية والإسلامية زمام المبادرة وتتحمل واجبها المفترض في محاصرة هذه الخطابات المنفلتة، وتحاسب أبواق الفتنة ومنابر التكفير التي تردد أقذع الكلمات في أقدس الأماكن، وتخاطب أحط الغرائز في الإنسان، في مكانٍ يفترض فيه أن يخاطب الروح والعقل والضمير.

المؤسف أن ما يجري اليوم، يتعارض وتاريخ مصر المضيء كمصدر إشعاع إصلاحي وثقافي في العالم العربي والاسلامي. فالأغلبية الساحقة من المصريين يتبعون المذهب الشافعي، أقرب المذاهب إلى المذهب الشيعي الاثني عشري، ما يجعل الشعب المصري يتمتع بوحدةٍ مذهبيةٍ رائعة. فهو بعيدٌ عن كل الخلافات المذهبية السائدة بين الفرق، واحترام المصريين الشديد لأئمة أهل البيت النبوي الشريف وتكريمهم لذكرى ولادات وشهادات أئمة الشيعة معروفٌ كجزء من تراث شعبي عريق، وهو ما ينعكس على أبيات الشعر والأقاصيص والأغاني التي تتردد بطريقة تلقائية على ألسنة المصريين.

السلطات المصرية كانت طوال عقود تعلن حالة الطوارئ في كل عام لمناسبة عيد المولد النبوي لضبط احتشاد ما بين المليونين والثلاثة ملايين محتفظ في مقام الحسين. وهو ما جعل الزعيم اللبناني المغيّب موسى الصدر يقول وهو يتحدّث عن حبّ المصريين لأهل البيت ويعتبرهم «نصف شيعة» بالفطرة والسجية. ويذكر الشيخ محمد أبو زهرة قوله «نشأ الشيعة ابتداءً في مصر، وكان ذلك في عهد عثمان، إذ وجد الدعاة فيها أرضاً خصبة، ثم عمت بعد ذلك أرض العراق» (الإمام زيد حياته وعصره).

في العام 1946 شكّلت تجربة «دار التقريب بين المذاهب الاسلامية» في مصر حدثاً تاريخياً عظيماً، وانطلاقة قوية في إنهاض مشروع الوحدة الإسلامية عندما اجتمع على تأسيس هذه التجربة من الشيعة والسنة من علماء مصر والعراق ولبنان واليمن والهند، وكان من ثمارها إصدار مجلة «رسالة الإسلام»، التي نهضت بفكرة الوحدة نهضة ثقافية وعلمية وإعلامية خلال فترة صدورها على مدى 16 عاماً من سنة 1948 حتى سنة توقفها العام 1964، وكانت هذه المجلة صفحة مشرقة من تراث المشرق.

وفي العام 1948، خلال فترة الحج التقى الزعيم الإيراني السابق للحركة الإسلامية في الأربعينيات والخمسينيات السيد أبو القاسم الكاشاني (ت 1962) بمؤسس جماعة الأخوان المسلمين الشيخ حسن البنا (اغتيل 1949)، وحدث بينهم تفاهمٌ في وجهات النظر حول التقارب والوحدة بين المسلمين على أمل أن يكون هذا اللقاء بداية مسار على طريق الوحدة الإسلامية، لولا أن عوجل البنا بالاغتيال. وقد زار زعيم حركة «فدانيان إسلام» السيد نواب صفوي (أعدم 1956) القاهرة في العام 1954 واستُقبل باهتمام كبير، وكانت بداية علاقات واتصالات وثيقة بين الجماعتين، فقد كانت لجماعة «فدائيان إسلام» علاقات تعليمية وعقائدية بل وتنظيمية مع حركة الأخوان.

وخلال النصف الثاني من القرن العشرين ترجمت كثير من مؤلفات سيد قطب ومحمد الغزالي ومصطفى السباعي إلى الفارسية على أيدي زعماء ونشطاء الحركة الإسلامية في إيران، منهم مرشد الثورة علي خامنئي نفسه الذي قام بترجمة بعض كتب سيد قطب مثل «المستقبل لهذا الدين» و»خصائص التصور الإسلامي».

مجزرة زاوية أبو مسلم الشنيعة، ناهيك عن كونها نشازاً يتخطى تاريخاً توافقياً ضخماً شهده المصريون عبر تاريخهم الطويل، فإنها أيضاً قابلةٌ للتكرار في أكثر من بلد، ومسئولية الأنظمة السياسية والمؤسسة الدينية، والفعاليات الاجتماعية وأصحاب الرأي أن يساهموا -كل حسب موقعه- في درء هذا الخطر الداهم، وإيقاف هذه التعبئة الشيطانية.

إن أولى الواجبات اللازمة تتمثل في تقديم كلّ من يثبت تورّطه في أعمال تحرّض على كراهية أية فئةٍ من فئات المجتمع إلى العدالة، ليأخذ القانون مجراه، قبل استفحال ظاهرة الاقتتال المذهبي والعبث بأرواح الناس وأمن الأوطان.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 3951 - الإثنين 01 يوليو 2013م الموافق 22 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 9:23 م

      سعيد

      لقد صدق محمد البرادعي عندنا قال. بهذا الحرف .قال ان لهذا الرجل كرامات عند الله عز وجل فبعده قتله مباشرة صقطت هذه الحكومة المتآمرة . والرئيس مرسي صقط الى غير رجعة. وهي كذلك نثل ماقال البرادعي.

    • زائر 12 | 6:38 ص

      مع هذا

      ومع كل هذا الحقد فان مقتده الدليمي يتحالف مع قائمة البعثيين النواصب كي يبعد اخوته واهله من دولة القانون !! للاسف ان الشيعة ضد بعضهم البعض . اما سبب هذا الحقد فهو ان تلك الكلاب المسعورة تدعو الى القتل والسحل امام الحكام دون اي رادع من الحكام وقد كان مرسي يبتسم وهو يستمع الى تلك الكلاب المسعورة تدعو الى قتل الشيعة في مصر .

    • زائر 9 | 4:13 ص

      بلد العجائب

      مقال جميل ينبئ عن مستقبل الكراهية التي هي الى زوال ويبقى الحب يبقى دين الرسول في سماحته واخائه مع الاخر لان الاخ عيال الله وان جحدو مالم يعتدو هذا هو الدين المحمدي الاصيل لا كما نرى

    • زائر 8 | 4:13 ص

      بلد العجائب

      مقال جميل ينبئ عن مستقبل الكراهية التي هي الى زوال ويبقى الحب يبقى دين الرسول في سماحته واخائه مع الاخر لان الاخ عيال الله وان جحدو مالم يعتدو هذا هو الدين المحمدي الاصيل لا كما نرى

    • زائر 7 | 2:58 ص

      مجاهد في ارض الكنانة

      دعوة لابراز التراث القيم لأعمال ومؤلفات هذا العالم المجاهد الورع الذى قضى شهيدا صابرا محتسبا على يد التخلف والجهالة والحقد لدرجة ان المشهد الفوضوي لأغتياله وهو في هذا العمر قد راق للموتورين فصفقوا وتوعدوا بتكرار ذلك لتطهير البلاد من الارجاس كما يدعون والي عندنا ما قصروا هللوا وزغردوا وباركوا ما حدث _ فحسبنا اله ونعم الوكيل ، وشكرا ل أستاذ وسام

    • زائر 6 | 2:48 ص

      المذهب السلفي واستهتاره بالدماء سوف لن يقف عند حد معين

      المذهب السلفي اعطى لنفسه واجاز لأتباعه بأن يعطوا مفاتيح الجنان ومفاتيح جهنم الى اتباعه فلهم الحقّ في أن يكفروا هذا ويقتلوا ذلك لأنه يخالفهم في طريقة الاعتقاد.

    • زائر 5 | 2:41 ص

      فرق تسد...!!

      مقال رائع ولكني أختلف معك في التحليل! وبلحاظ صحة تحميلك المسئولية للأنظمة السياسية والمؤسسة الدينية الخ، في درء ذلك الخطر الداهم، فإن المسئول الحقيقي عن هذا الخطر هي الأنظمة نفسها، نعم اتفق معك في دعوة المؤسسات الدينية، والفعاليات الاجتماعية وأصحاب الرأي أن يساهموا -كل حسب موقعه- في درء هذا الخطر الداهم، ولكن لا يمكن دعوة الأنظمة السياسية في أي دولة لتحمل هذه المسؤولية لأنها هي من تعمل على زيادة وتيرته من خلال تطبيق قاعدة "فرق تسد" الإستعمارية، وفي البحرين ..مثال!!

    • زائر 14 زائر 5 | 9:11 ص

      هذا ما يفترض

      قصدت ان تقوم الانظمة بواجبها في التصدي لدعاة الفتنة ومزدي الاديان وهو امر منصوص عليه دستوريا.. اما التوعية وترشيد الخطاب الديني فهي مسئولية علماء الدين واهل الرأي

    • زائر 4 | 2:36 ص

      كلا للفتنه

      بعض الاخبار حين تتلقاها تجعلك تنفجر ضحكا فمسألة ان السياح الشيعة سيحولون سنة مصر الى التشيع وما الى ذلك
      نقول لهم من يثق في معتقده لايمكن ان يتزحزح بسياح او محاضرة من يؤمن انه على حق لايخشى هذه الامور نحن الشيعه في البحرين والخليج طوال فترة الدراسة ندرس المذهب السني الكريم فقط ومع ذلك لم يتاثر معتقدنا في مذهبنا
      ان احترام الآخر هو السبيل الوحيد للتعايش الكريم بين جميع الطوائف

    • زائر 3 | 1:09 ص

      ان المشاريع العملاقة تحتاج الى قرابين

      بنوا مروان أحرقوا جثة زيد بن علي (ع)، وبلغ الخبر للإمام الصادق (ع)، فقال:"أذن الله بزوال دولة بني مروان"،
      فاستشهاد المجاهد الكبير الشيخ حسن شحاته الذي ضمخت دماؤه أرض الكنانة لتطهرها من دنس النواصب، ومدى البشاعة في قتله تنبىء بفرج قريب.
      ان المشاريع العملاقة تحتاج الى قرابين.

    • زائر 10 زائر 3 | 4:37 ص

      خزي على الجاني .. وشرف وكرامة على المجني عليه

      خزي على الجاني .. وشرف وكرامة على المجني عليه
      لايضر الشيعة كثرت القرابين.. فعلى مدى التاريخ... الشهادة كانت مفتاح الانتصارات الكبرى

    • زائر 2 | 12:15 ص

      شكرا

      جزاك الله خيرا

اقرأ ايضاً