قالت دراسة حديثة إن المجتمعات الاستهلاكية ومنها الخليجية معرضة للأضرار بسبب ثقافتها الاستهلاكية التي تعكس عدم الصبر.

فقد استنتجت الورقة البحثية الحديثة التي أعدّها الباحث الاقتصادي بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة (دراسات)، عمر العبيدلي أن عامل «الصبر» هو الأهم في نجاح المشاريع التي تتطلب التعاون بين مجموعة من الأشخاص.

وبحثت الورقة التي شارك في إعدادها الباحثَان الاقتصاديان جاريت جونز من جامعة جورج ميسون، وياب فيل من شركة فيسبوك، في العوامل التي تؤثر على إمكانات المجموعات في التعاون لتحقيق أهداف أعضائها المشاركين في المشروع؛ إذ ركّز الباحثون على مدى صبر أعضاء مجموعة معينة وعن مدى قوتهم الإدراكية ورغبتهم في المخاطرة ومميزاتهم الشخصية في تحديد احتمال التعاون الناجح بين الأعضاء.

ونُشرت الدراسة بعنوان « الصبر وقوة الإدراك والتنسيق في لعبة صيد الأيل المتكررة (Patience, Cognitive Skills, and Coordination in the Repeated Stag Hunt)، بالدورية الدولية المحكّمة «دورية العلوم العصبية والنفسية والاقتصاديةJournal of Neuroscience, Psychology and Economics» في يونيو/ حزيران 2013.

وتوصّل الباحثون إلى أن الصبر هو العامل الأبرز في التمييز بين المجموعات الناجحة والفاشلة في التعاون لإنجاز المشاريع.

يُذكر أن البحث قد أقيم على تقنيات الاقتصاد التجريبي؛ إذ درس الباحثون العلاقة بين العوامل المذكورة ومستوى التعاون فيما بين أعضاء مجموعات أخرى مشاركة في تجارب اقتصادية.

وتذكر الورقة أن أهمية الصبر شيء منطقي لأن عملية التعاون تتطلب جهوداً مستدامة وذات إصرار. ومن لا يمتلك القدرة في التحكّم بنفسه سيغضب بسرعة إن لم يظهر مفعول التعاون، وسيتصرف بأنانية وضد مصلحة المجموعة وسيستسلم. أما إن تكونت مجموعة ما من أفراد يتحلون بالصبر فسيُقدّرون أن النجاح الجماعي يعتمد على الصبر والمواصلة. وأظهرت التجارب أهمية الصبر؛ وخصوصاً في الأوضاع التي تتميز بقلة فرص التفاهم الشفهي بين المتعاونين والتي تستدعي ثقة بينهما.

وعلى رغم نشر العديد من الأوراق والكتب حول الموضوع، فإن دراسة العبيدلي وزملائه تعتبَر أول دراسة تبحث في مميزات شخصيات الراغبين في التعاون وتحلل تأثير تلك المميزات على احتمال نجاح أي مشروع للتعاون. ولإنجاز الدراسة، دعا الباحثون طلبة من جامعة جورج ميسون بالولايات المتحدة للمشاركة في تجربة اقتصادية تفتح للمشاركين مجالاً لاكتساب مبلغ من المال إن نجحوا في التعاون.

وقُسّم المشاركون في مجموعات صغيرة وقاس الباحثون مميزات شخصية للمشاركين منها: الصبر والذكاء والجرأة وغيرها عبر اختبارات واستبيانات. ثم حلل الباحثون العلاقة بين تلك العوامل ومستوى التعاون بين أعضاء المجموعات بالاستفادة من تقنيات الإحصاء الحديثة.

يذكر معدّو الدراسة أنها قد تقدم نظرية تفسر الامتياز الاقتصادي في دول شرق آسيا. مثلاً يتميز الشعب الياباني بصبره الشديد، الذي انعكس في معدل التوفير العالي بعد الحرب العالمية الثانية (في طفرة الثمانينات، كان معدل التوفير في اليابان تقريباً 16 في المئة مقارنة بـ 6 في المئة في الولايات المتحدة). وخلال كارثة المفاعل النووي فوكوشيما في 2011، امتنع اليابانيون من النهب حتى لو كانت قوات الأمن منشغلة بإدارة الأزمة وغير قادرة على حماية ممتلكات الشعب. وتساعَدَ اليابانيون واحترموا الآخرين أثناء عملية توزيع المساعدات.

قياساً على ما سبق، رأى معدو الدراسة أن المجتمعات الاستهلاكية ومنها المجتمعات الخليجية قد تكون معرضة للأضرار بسبب ثقافتها الاستهلاكية التي تعكس عدم الصبر. وربما فقد المجتمع الخليجي بعض صفات تحلى بها المشاركون في اقتصاد ما قبل النفط مثل العمل الجماعي والصبر على المصاعب، نتيجة اكتشاف النفط وانهيار دعائم الاقتصاد السابق وإن كان قاسياً.