في شهر رمضان انتصر المسلمون في غزوة بدر لأنهم كانوا متحدين متناصرين، لم تفرقهم الأحزاب ولا الإذاعات والمحطات الفضائية، وتلك الطروحات المذهبية الفئوية... لذلك انتصروا وهزموا المشركين.
لم تكن في ذلك الزمان قناة إعلامية، ولكن الشعراء كانوا يمارسون الدور ذاته، لكن المسلمين تمسكوا بالوحدة واللقاء، إذ اعتصموا بحبل الله جميعاً ولم يتفرقوا، في حين اعتصم آخرون بحزب قريش، وآخرون بحزب عتبة، وهكذا، بيد أن المسلمين الحقيقيين كان يجمعهم حب رسول الله (ص)، ولذلك حققوا المعجزات، لإيمانهم أن المعجزات وليدة الرجال المتحدين، وكما يقول الشاعر العرفاني سعدي الشيرازي: «النمل إذا اجتمع، انتصر على السبع».
وهذه هي الحقيقة: انتصار المسلمين كان بسبب تمسكهم بالقواسم المشتركة بينهم، فلو أنهم انشغلوا بالقضايا الجزئية، لما وصل الإسلام إلى شرق آسيا، وإلى الصين وإلى الأندلس، وغيرها من بلاد الله.
لهذا ينبغي أن نتخذ من اتحاد المسلمين في معركة بدر منطلقاً لنا لترسيخ الوحدة التي بدأت تُضرب - وبطريقة علنية - عبر بعض من مواقع الإعلام العربي.
إن كثرة الجدل في القضايا الجزئية له مساوئه الكبرى، فهو محبط لآمال تلاقي الأمة.
والآيات القرآنية لا تزال تنادي المسلمين بألا يشغلوا أنفسهم بهذه التوافه ((ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات)) (آل عمران:105).
فشهر رمضان يجب استغلاله، واستغلال لياليه في القضايا التي تجمع قلوب المسلمين على الخير، لا أن نعمل على تجريح بعضنا البعض في جدالات هزلية مقرفة، ومثل هذه الخطوات المشينة تصب - بلا شك - في خانة خدمة كل مترصدٍ للمسلمين، الذي تستهويه كثيراً تلك الأصوات الداعية إلى التقسيم الطائفي والتكفيري البغيض.
العالم اليوم له دراسات استشرافية للمستقبل، ونحن ـ عرباً ومسلمين ـ ما زلنا متوحلين في الماضي.
أعتقد ـ شخصياً ـ أن المشاركين في هذا البرنامج المشهور، على مختلف مشاربهم، أخطأوا في انجرارهم إلى هذا البرنامج، ولستُ هنا في مقام محاكمة النيات، ولكني أعتقد أن المشاركة في مثل هذه البرامج ـ تحت أي ذريعة ـ ليست مبررة، وتعكس هذه المشاركات ضعف الوعي الذي نعيشه، وأعتقد أننا بذلك سجلنا موقفاً يخدم كل المتآمرين على إسلامنا ودولنا العربية والإسلامية.
لقد أفرحنا بمثل هذه البرامج «إسرائيل»، وأحزنّا رسول الله (ص)... ومتى؟ وأين؟ في شهر رمضان، في هذا الوقت الاستثنائي التآمري العصيب الذي تمر به كل الأمة الإسلامية من دون استثناء.
العدد 87 - الأحد 01 ديسمبر 2002م الموافق 26 رمضان 1423هـ