العدد 2466 - الأحد 07 يونيو 2009م الموافق 13 جمادى الآخرة 1430هـ

أوراق الحل بيد أوباما

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في تقريرين منفصلين صدرا مؤخرا عن وكالة الطاقة الدولية، جاء ذكر سورية وإيران كدولتين مخالفتين لاتفاقات حظر انتشار الأسلحة النووية.

بالنسبة لسورية ورد في أحد التقريرين ما يشير إلى العثور على «آثار يورانيوم من صنع بشري، ولم يُعلن عنها من قبل، في موقعٍ ثانٍ في منشأة في العاصمة السورية دمشق». وكما يبدو فإن الوكالة كانت تحقق «في مزاعم أميركية تقول إن المنشأة السورية التي دمَّرتها (إسرائيل) في غارة جوية في العام 2007 كانت عبارة عن مفاعل نووي لم يكن قد جرى تشغليه بعد». أما بالنسبة لتقرير إيران، ترى الوكالة أن طهران تمتلك اليوم «نحو 7 آلاف جهاز طرد مركزي تُستخدم لتخصيب اليورانيوم، وبأن طهران تقوم بتشغيل نحو 5 آلاف منها».

من يتابع تقارير الوكالة الدولية، وعلى وجه الخصوص تلك المتعلقة بإيران وسورية يكتشف الكثير من التناقضات التي تشوبها. ففي خضم الحديث عن تجاوز الدوليتن للاتفاقات الدولية المتعلقة بحظر الأسلحة النووية، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية (أ ف ب) تصريح مسئول قريب من الوكالة يؤكد فيه «أن الوكالة لم تحقق أي تقدم في تحقيقاتها بشأن وجود نشاطات نووية غير شرعية في ايران وسورية». لكن المسئول ذاته يعود كي يتراجع عن ذلك، مشيرا إلى أنه «بشأن إيران، هناك تقدم طفيف جدا. والأمر نفسه ينطبق على سورية». تقرير آخر تقول وكالة الصحافة الفرنسية، إنها حصلت على نسخة منه، وأنه سيوزع الأسبوع المقبل على الدول الأعضاء، يذهب إلى القول «إن إيران ما زالت تتحدى مجلس الامن الدولي وتمكنت من جمع 1339 كلغ من هكسافلورايد اليورانيوم (سداسي فلورايد اليورانيوم) (يو اف 6) القليل التخصيب».

ليست هناك حاجة للخوض في مناقشة تفاصيل ما جاء في تقارير الوكالة، فقد يحتاج الأمر إلى الكثير من أدوات الفحص والتدقيق المتعذر توافرها لدى دول نامية كثيرة من بينها سورية وإيران. لكن ما ينبغي من التأكيد عليه، وهو حقيقة مهمة، تلك هي استحالة حيادية هذه الوكالات عند معالجتها قضايا دولية من مستوى «الأسلحة النووية وانتشارها». ذلك أنه مهما حاولت مثل هذه الهيئات الدولية الالتزام بالموضوعية والعلمية، والابتعاد، قدر المستطاع، عن التحيز السياسي، لكن تبقى قراراتها، في نهاية المطاف رهينة، إلى حد بعيد، لموازين القوى الدولية واتجاهات وموازين الصراع القائم بين تلك القوى. فليست هناك موضوعية مطلقة بالمعنى الأفلاطوني المثالي لمفهوم الموضوعية. وأقرب مثال حي قريب من أذهاننا نحن العرب، قرارات مجلس الأمن، فيما يتعلق بقضايا الصراع العربي - الإسرائيلي.

لذا يكتسب تصريح الوكالة الدولية أهميته الخاصة اليوم لعدة أسباب من بين أهمها وأكثرها تأثيرا:

1. خطاب أوباما الذي ألقاه في جامعة القاهرة قبل عدة أيام مخاطبا الدول الإسلامية، والتي من بينها سورية وإيران، وما حمله ذلك الخطاب، من تلميحات إيجابية، حملت دعوات، نأمل أن تكون صادقة، من واشنطن لدول الكتلة الإسلامية، التي يفترض أن تكون سورية وإيران من بينها. ومن الطبيعي أن تشم العاصمتان: دمشق وطهران، رائحة الضغوط الأميركية، إن لم نقل الإسرائيلية، تفوح من بين صفحات ذينك التقريرين. ومن هنا فإن ممارسة المزيد من الضغوط عليهما، وفي هذه المرحلة بالذات، قد يشكل بعض التراجع عن الدعوات «الأوبامية». وبالتالي يعيد الحلول السلمية المطروحة على بساط البحث إلى خاناتها الأولى.

2. الانتخابات اللبنانية، واحتمالات فوز مرشحي، أو حلفاء حزب الله على سواهم، الأمر الذي يهدد، في حال توتر العلاقات بين أي من العاصمتين وواشنطن، بإقدام الحزب على ممارسات من شأنها إرغام الجميع على إعادة خلط الأوراق، ومعها خريطة الاصطفافات السياسية، مما يعيد تنشيط الألغام القابلة للانفجار، وهي حالة تضع الاستراتيجية الأميركية برمتها على كف عفريت.

قد تبدو العلاقة بعيدة بعض الشيء، لكن لدى حزب الله الكثير من الأوراق اللبنانية والشرق أوسطية التي بإمكانه أن يلعبها في حالة وصول أي من الدولتين: إيران وسورية إلى طريق مسدود في خريطة العلاقات الدولية الخاصة بالشرق الأوسط، جراء ممارسة ضغوط عليها من خلال مؤسسات دولية من نمط وكالة الطاقة الدولية.

3. الحالة الإسرائيلية المنهكة عسكريا، والمحاصرة سياسيا، والتي تجعل من «إسرائيل»، في المرحلة الراهنة، دولة ثانوية في خريطة التحالفات الدولية في المنطقة، غير قادرة على الاحتفاظ بمواقع المحظية الأميركية الأولى كما كانت عليه حتى ولاية بوش الأخيرة.

هذا الأمر قد يدفع بـ «إسرائيل» إلى استخدام كل أوراق الضغط التي تملكها من أجل دفع الوكالة الدولية إلى حصر إيران ودمشق في زاوية مطوقة، تضطر، حينها، إحداهما أو كلتاهما، إلى الإقدام على خطوة مغامرة تفتح أمام «إسرائيل» الأبواب الواسعة التي تدخل منها لاستعادة مواقعها المتقدمة في قائمة دول الصراع الشرق أوسطي.

منطق الأمور يقول: إن الكثير من أوراق النفوذ في الوكالة الدولية للطاقة لاتزال بحوزة الولايات المتحدة، وهي الدول الأكثر قدرة في هذه المرحلة على تأجيج، أو تخفيف، حدة الصراع. وبالتالي فسوف يجد الرئيس الأميركي باراك أوباما نفسه أمام خيارين سيحدد كل منهما مسار العلاقات الدولية في منطقة الشرق الأوسط: الأول ذلك النهج الذي سارت عليه الإدارة الأميركية أبان الحقبة «البوشية»، والقائمة على تأجيج الصراع، تلبية لاحتياجات دول مثل “إسرائيل”، ونزولا عند مصالح احتكارات معينة، من فئة احتكارات الصناعة الحربية. وهذا الأمر سيواصل وضع واشنطن في خانة القوى المنحازة لـ ”إسرائيل” والمعادية لدول المنطقة. الخيار الثاني، والذي بدأ السير فيه أوباما، والقائم على امتصاص أسباب الصراع، وتهدئة عناصر تصعيده، وصولا إلى حلول سلمية بشأنها.

المواطن في الشرق الأوسط، يأمل أن يواصل أوباما مسيرته «المهدئة»، من أجل تحويل منطقة الشرق الأوسط إلى منطقة خالية من كل أشكال النزاعات، وحينها فقط ستنتفي الحاجة والمبررات لتطوير أي شكل من أشكال التسلح بما فيها السلاح النووي.

فهل يحسن أوباما استخدام الأوراق التي بين يديه بالمهارة التي يحتاجها نزع فتيل الصراعات في المنطقة؟

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2466 - الأحد 07 يونيو 2009م الموافق 13 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً