العدد 2466 - الأحد 07 يونيو 2009م الموافق 13 جمادى الآخرة 1430هـ

«إسرائيل» ما بين أيزنهاور وأوباما

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

منذ عهد الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور لم تشهد العلاقات بين واشنطن وتل أبيب هذا المستوى من التوتر. فالرئيس أيزنهاور القوي أنذر «إسرائيل» آنذاك بالانسحاب من سيناء في أسرع وقت وهدد بريطانيا وفرنسا وطالبهما بالتراجع عن احتلال قناة السويس.

شكل موقف أيزنهاور من العدوان الثلاثي (أزمة السويس) في خمسينات القرن الماضي بداية للتحول في الموازين الدولية التي تزعزعت في نهاية الحرب العالمية الثانية. ووجه الموقف الأميركي الصارم من العدوان الثلاثي (فرنسا، بريطانيا، و«إسرائيل») إشارة قوية لظهور دولة كبرى على مسرح «الشرق الأوسط» بدأت تنافس الاتحاد السوفياتي وطموحه بالعبور إلى المياه الدافئة.

انتهى عهد أيزنهاور بظهور متغيرات على الساحة الدولية لمصلحة الولايات المتحدة وعلى حساب تراجع النفوذ الفرنسي- البريطاني. وكان من نتائج هذا الانقلاب نمو العلاقات الأميركية- الإسرائيلية مقابل تراجع العلاقات الأوروبية مع «إسرائيل». آنذاك كانت تل أبيب هي الطفل المدلل لأوروبا تعويضا عن تلك المذابح التي ارتكبتها النازية (ألمانيا الهتلرية) للأقليات اليهودية وغير اليهودية في القارة.

انتقال «إسرائيل» في نهاية خمسينات القرن الماضي من الرعاية الأوروبية إلى الرعاية الأميركية أعاد تشكيل خريطة التحالفات الدولية الأمر الذي ترك تأثيره السلبي على العلاقات العربية مع الولايات المتحدة. وترافق هذا المتغير الدولي في التحالفات الإقليمية في مسرح «الشرق الأوسط» مع تطورين: الأول نمو نفوذ مؤسسات التصنيع الحربي في توجيه الإدارة الأميركية وهو موضوع حذر منه أيزنهاور في خطابه الأخير قبل مغادرته البيت الأبيض. والثاني نمو نفوذ اللوبيات وارتفاع منسوب تأثيرها على صوغ السياسة الخارجية وتحديدا موضوع أمن «إسرائيل» وحقها في التسلح لمواجهة المخاطر العربية المحيطة بها.

انتقال «إسرائيل» من الرعاية الأوروبية إلى الحماية الأميركية شكل نقطة توتر دائمة بين المجموعة العربية والولايات المتحدة وأدى إلى تأثر العلاقات ومنعها من التطور الطبيعي. واستمر هذا التوتر يتصاعد ويتكيف حتى في عهد الرئيس بيل كلينتون الذي فشل في الضغط على حكومة تل أبيب في إعطاء الشعب الفلسطيني حق تأسيس دولة مستقلة قابلة للحياة.

فشل كلينتون جاء ليؤكد على مسألتين: الأولى قوة نفوذ اللوبيات المتعاطفة مع «إسرائيل» وقدرتها على تعطيل أي محاولة للضغط باتجاه الانسحاب مع الأراضي المحتلة ووقف التوطين وتفكيك المستوطنات. والثانية نمو قوة مؤسسات التصنيع الحربي ورفضها التجاوب مع أي مسار تفاوضي باتجاه التسوية والسلام العادل.

ارتباط اللوبيات مع مؤسسات التصنيع الحربي وصل إلى ذروته في عهد «تيار المحافظين الجدد» حين نجح في تجميد المفاوضات وتعطيل مشروعات التسوية وتشجيع تل أبيب على استئناف بناء الوحدات السكنية في القدس وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة. وترافق التحالف الأميركي- الإسرائيلي مع تطور عدائي في العلاقات العربية مع الولايات المتحدة. وشكلت فترة جورج بوش الابن أسوأ محطة حين تذرعت مؤسسات التصنيع واللوبيات بهجمات 11 سبتمبر/ أيلول لإعلان الحرب على العرب والعالم الإسلامي، ما أعطى «إسرائيل» فرصة زمنية للقيام بعدوانين ضد لبنان (صيف 2006) وقطاع عزة (شتاء 2008 و2009) وتوقيع اتفاق أمني بين واشنطن وتل أبيب قبل أيام من خروج بوش من البيت الأبيض.

تبدل ألوان الصورة

الآن أخذت ألوان الصورة تتغير منذ دخول الرئيس باراك أوباما ذاك البيت. فالصورة أخذت تهتز بسبب وجود رئيس قوي ويتمتع بشعبية وصدقية تذكر العالم بالرئيس أيزنهاور. فأوباما كان واضحا منذ استلامه موقعه الرئاسي بأنه يطمح إلى حل سلمي يقوم على «قاعدة الدولتين» بشرط أن تبادر «إسرائيل» إلى وقف المستوطنات وتمددها أفقيا وعموديا.

صراحة أوباما تؤكد التزامه بتعهداته التي ترتكز على ثقة بالنفس وعدم خوف من لوبيات الكونغرس ومؤسسات التصنيع الحربي. وهذا الوضوح في الرؤية يشكل بحد ذاته إشارة إلى وجود نوع من التوتر لم تعرفه العلاقات الأميركية- الإسرائيلية من عهد أيزنهاور.

معركة أوباما ليست في تل أبيب وإنما في واشنطن، فإذا نجح في تذليل نفوذ مؤسسات التصنيع الحربي وتطويع اللوبيات ومنعها من تجاوز صلاحياته الرئاسية يستطيع أن يعيد تشكيل رؤية عادلة ومتوازنة ومتسامحة في إطار خطة سلمية يطمح إلى إطلاقها في الأسابيع المقبلة. فهل ينجح أوباما في معركته الداخلية أم يتراجع أمام ضغوط اللوبيات ومؤسسات التصنيع الحربي كما حصل مع بوش الأب وكلينتون؟

هناك صعوبات ميدانية تحدث عنها أوباما مواربة في خطابه التاريخي الذي أطلقه من منبر جامعة القاهرة. فالخطاب حدد شروط التسوية بنقطتين من جانب «إسرائيل» مقابل نقطتين من جانب الشعب الفلسطيني إذ طالب تل أبيب بوقف الاستيطان والقبول بحل الدولتين وطالب السلطة الفلسطينية بضمان أمن «إسرائيل» وتطبيع العلاقات العربية مع تل أبيب.

أوباما الآن في صراع مع الوقت. الجانب الفلسطيني- العربي لا مشكلة لديه ولا يعترض على الشرطين الأميركيين. مشكلة أوباما مع الجانب الإسرائيلي الذي شن ضده حملة منظمة وبالتنسيق مع اللوبيات و«تيار المحافظين الجدد» ومؤسسات التصنيع الحربي تتهمه بالانحياز للعرب والتعاطف مع الفلسطينيين.

الحملة الإسرائيلية خطيرة في إشاراتها اللونية ورموزها الدينية. فهي أطلقت على أوباما لقب «فرعون مصر» للتذكير بطرد اليهود من أرض الكنانة في عهد النبي موسى وهي سارعت إلى بناء مستوطنات عشوائية جديدة في الضفة الغربية تحت عنوان «كوخ أوباما» للدلالة على أصوله الاجتماعية المتواضعة.

الحملة العنصرية (اللونية) والدينية (العداء للإسلام والعرب) بدأت بالارتفاع وهي مرشحة للتصعيد العرقي (الأصول الأفريقية للرئيس) ما ينذر بوجود مؤشرات تخطط للانقضاض على إدارة قررت إعادة هيكلة مصالح أميركا في ضوء متطلبات الدولة القومية وأهدافها العليا وبعيدا عن رغبات لوبيات تضع مصلحة «إسرائيل» فوق كل مصلحة.

حتى الآن يبدو أوباما غير آبه بالحملة ولا يكترث بمدى تأثيرها على شعبيته وسمعته وصورته. وعدم انتباه أوباما يشير إلى أنه بدأ ينجح في تخطي الحرب النفسية (الإعلامية) بدليل أنه يريد إرسال مبعوثه إلى المنطقة لاستكمال رسم خريطة طريق للسلام. وفي حال استطاع تجاوز تلك العقدة النفسية فإنه يكون قد أعاد عقارب الساعة إلى أيام عهد أيزنهاور (قائد الإنزال البحري في نورماندي) الذي تحدى أوروبا وفرض عليها الانسحاب من السويس ما أجبر «إسرائيل» على التراجع عن احتلال سيناء.

معركة أوباما كبيرة وخطيرة وتعتبر أصعب بكثير من مرحلة أيزنهاور. فعهد الرئيس السابق كان يشهد بدايات نمو قوة اللوبيات ونفوذ مؤسسات التصنيع الحربي أما الرئيس الحالي فإنه ربما يشهد بداية نهايات جبروت اللوبيات التي استفحلت في التأثير على الإدارة الأميركية وإرهاب الرؤساء وإخضاع قراراتهم لسياسات لا تخدم مصالح الولايات المتحدة.

اللوبيات حتى الآن تبدو قوية وجريئة في وقاحتها وهي تخوض معركة عنيفة للدفاع عن مواقعها ودورها في إدارة سياسة واشنطن. وبسبب هذه المعادلة الخاطئة فإن معركة أوباما ليست مع تل أبيب فقط وإنما أيضا وأولا تقع في دائرة البيت الأبيض ومحيطه

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2466 - الأحد 07 يونيو 2009م الموافق 13 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً