العدد 4006 - الأحد 25 أغسطس 2013م الموافق 18 شوال 1434هـ

«بعض الظن إثم» من جهة وحصانة من جهة أخرى!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

بعض الظن إثم؛ ويتبادر هنا معنيان، أن القليل من الظن إثم من جهة، وأن ليس كل ظن إثماً بل بعضه من جهة أخرى.

كأنّ الظن في جانب منه وقاية وحصانة؛ وخصوصاً الظن في من ليس أهلاً للثقة وجُبِل على الغدر والكذب والطعْن. مثل ذلك الظن منجاة، وحضوره وقاية وفطنة.

عدم الظن في من عُرف بالغدر والطعن غباء، وخدمة بالمجّان، وتسليم له وضوْء أخضر له كي يمارس عُقَده وأمراضه. بعض الظن؛ بل أغلبه رجاحة عقل ودرء وتحصين لصاحبه.

على الجانب الآخر، ثمة بعض ظن يفتّت من الأواصر، ويستدعي الوحشة، ويقيم حاجزاً من غلظة في النفس، به لا استقامة في علاقات؛ ولا ترسّخ في وشائج؛ ولا قيمة للأرحام حين يصلها مثل ذلك البعض من الظن.

***

في هذا الزمن الردئ بامتياز. في زمن شراء الذمم والضمائر. في زمن التمصْلح، وزمن البيع والشراء للمواقف. في زمن بلغت فيه أطماع بعض البشر حدّاً تخجل منه الحيوانات؛ لو قُدّر لها وخُيّرتْ في ذلك. في زمن يبيعك فيه جارك وزميلك في العمل، وذلك الذي قدّر لك أن تكون معه على سفر أو مقعد دراسي أو أن تكون جاراً له في غرفة مشفى، من العُتْه والخبَل والجنون في الحد النهائي أن تلقي بنفسك إلى التهلكة بتأجيل مثل ذلك البعض من الظن.

غياب مثل ذلك البعض من الظن دعوة صريحة لاستباحتك؛ وجعلك عرضةً لاكتشاف مواهب نفوس مريضة متحفزّة للانقضاض على من يتعامل معها بطِيبة وبساطة وبراءة. لحظتها ستكون سذاجةً وهبلاً وتسليماً للقياد.

***

من ضمن السياسات التي تكشف عن عجز وإفلاس وخروج على أبسط المنظومات الأخلاقية؛ هو ضرب الناس في ثقتهم بعضهم بعضاً. خلْق خنادق من الشك والارتياب ليس بين المكونات وحدها فحسب؛ بل يطول ذلك ما هو أبعد من ذلك بالبدء بالمكونات نفسها من الداخل؛ امتداداً إلى البيئات الصغيرة: البيت، العائلة وما يتفرّع منهما. خلق حال من الارتياب والظن في محاولة لإيهام كل مكون أن تلك السياسات حامية وحراسة له؛ وإن لم يخلُ ذلك الإيهام من تمييزه؛ وأحياناً كذبه الصُراح الذي لا يمكن أن ينطلي على أحد؛ لذا يكون استئناف وتعميق حال الارتياب تلك هي ما تتوهّم تلك السياسات المبتذلة والتي لا تخلو من صراحة في عنصريتها، من أنها واحدة من أدوات حمايتها وتأبيد سياساتها، وتركها تعيث فساداً في الأرض وتمييزاً واحتقاراً للذين لا تراهم مؤهلين للتنفس أساساً.

***

الظن... الارتياب... الشك؛ سمّهِ ما شئت، أصبح اليوم في عالم مُنتهب ومُستولى عليه من قبل قلّة، أداة من أدوات حماية الوجود. وجود المغلوبين على أمرهم، أولئك الذين تلقّوا جرعات فائضة من كذب إعلام ظل لعقود يستهزئ بوعيهم ويحتقره، ويمارس التضليل والدجل كما يُمارس التسوير وردم البحار وشراء الذمم من خارج الحدود لفرط ظنه وارتيابه وشكوكه، وفي الوقت نفسه، تعاملت تلك القلّة المهيمِنة مع المُهَيمَن عليهم بأضعاف مضاعفة من ذلكمُ الظن والارتياب والشك. طبيعة تلك السياسات هي التي توهم أصحابها بتحصين أنفسهم بسوء الظن والارتياب والشكوك.

***

وهناك من يستقيم لديه الظن من عدمه بحسب المنافع وبحسب «العلَف»، وبحسب عطايا تنتظم وتستقر في الرصيد المصرفي. لا يرى مدعاةً للظن والشك والارتياب في من أداؤه على الأرض وتعاطيه مع الخلق يكشف من دون مواربة أو كثير عناء والحاجة إلى عظيم ذكاء وفطنة، عن خروج على أبسط مدلولات وشواهد الفطرة، ولا يستقيم مثل ذلك الأداء حتى مع البهائم التي لم تخلق بهائم كي يمارس من استند إلى تكريم الله له «خلْقاً» كل عقده وأمراضه وذئبيته ووحشيته في الصور والشواهد التي نرى ونعاين. مثل ذلك وأولئك يمكن احتواء كل نظر وسمع وشمّ ولمس وضمير لديهم بفعل سحر العطايا والمُنَح.

ومن يستقم ويثبت ويرسخ لديه مثل ذلك الظن والشك والارتياب، لا يستدعي عُقداً وفواجع وطعنات واستهداف من أم توهماته، بقدر ما يرى أن الوقت والزمن يراكمانها تنفّساً تنفّساً، وليس لحظة لحظة فحسب. مثل ذلكمُ الظن والشك والارتياب ما لم يترسّخ؛ يكن الإنسان دالاً ومُستدرجاً وجوده لمثل ذلك الاستهداف الذي لن يعرف طريقه إلى النهاية؛ حتى لو سلّم الجمل بما حمل للذين يستهدفونه.

***

هل يدرأ «بعض الظن» ذلك التوحّش في الاستهداف والاقتلاع والتذويب والإقصاء؟ إذا كان الظن كل الظن يعجز في أحايين كثيرة عن وقف تلك الشهوة فكيف بالـ «بعض» منه؟!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4006 - الأحد 25 أغسطس 2013م الموافق 18 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:17 ص

      الطن السيئ

      اليس مجرد الظن السيئ بهؤلاء المظلومين تم تشريدهم وسجنهم وقطع رزقهم وقتلهم اليس الظن السيئ من جعل برمي الغازات السام على الابرياء سواء بالبحرين او سوريه وقتل الانفس المحرمه شرعا وانسانيا المشتكى لله

اقرأ ايضاً