العدد 4024 - الخميس 12 سبتمبر 2013م الموافق 07 ذي القعدة 1434هـ

العناصر الخمسة في الطبيعة وعلاقتها بالإنسان في «اليوغا» (14)

عدنان الموسوي comments [at] alwasatnews.com

صحافي بحريني

عطفاً على المقالة السابقة السمادهي، ها نحن الآن أمام تناغم وتجناس أكبر فالعناصر الخمسة في الطبيعة، وهي: الأرض، والماء، والنار، والهواء والفضاء لا تقف مجتمعة في تكوين العالم المادي فقط بل تمتد إلى عالم النبات والحيوان وعلى رأس القائمة الإنسان وصولا وبتوافق شديد مع الحواس الخمس والعقول المدركة، فالأرض الصلبة يقابلها في الجوارح الأنف، بينما يلتقي الإثنان مع عامل الأنا (الآيجو) في العقل (انظر الجدول أدناه) أما الماء في مظهره السائل فله في الوعاء الرطب الفم الذي يحتضن من أعضاء الحواس اللسان، لذا فليس من الغريب أن يتوافق مع العوالق والأفكار السائبة في العقل، أما العنصر الثالث وهو النار فتلتقي مع العين المبصرة التي تقتنص كل ما يقع في محيطها ثم تنوط بترجمة تلك التلقيات البصرية الهائلة الكم إلى جوهر العقل، الذكاء.

أما الهواء والذي يشغل الحيز الأكبر في فضاء الكرة الأرضية فيقابله في أعضاء الحواس الجلد وهو أكبر عضو في جسم الإنسان وأكثره عرضة لمتغيرات الطقس والمناخ الخارجي، لذا فقد قرن بطبيعة المتغيرات المتقلبة فى العقل.

أما العنصر الخامس وهو الحيز أو الفراغ فهو يلتقي مع الإذن السامعة من أعضاء الحواس والذي فى غيابه لا تستطيع الإذن عبر الهواء أن تقتنص الأصوات، وحيث أن الفراغ هو الحيز الأكبر في غلاف الجو الخارجي فلا عجب أن يقابله في العقل عامل المعرفة التي لا تحدها بداية ولا نهاية.

وهذا ملخص للعناصر الخمسة فى الطبيعة وعلاقتها بالانسان ووظائف حواسة وطبيعة عقله:

وعليه، فالعوالق (الأفكار والمشاعر) ذات الصلة بأفعالنا تنتج وتشكل ما يعرف في حياتنا الاجتماعية بالعادات، أما السوائل (الماء) والتي تذيب وتمتص المعادن الأخرى فيقابلها في العقل عامل السيولة الذي يبدأ بالانتشار ثم يعمل لاحقا على امتصاص كل الأفكار نتاج تلقياتنا المختلفة التي تغزو واحة العقل دون تحيز أو تمييز ما لم نوظف عامل النار (الذكاء) المنوط بالتمييز وتأسيس العادات.

كذلك تدخل العناصر الخمسة في علاقتها بالإنسان وأفعالة الديناميكية الخمسة. على النحو التالي:

فالتغوط ويمثل الجزء الصلب يقابله عامل الأرض، بينما التبول السائل فيقابله عامل الماء، أما الأرجل ووظيفتها المشي فتلتقي مع عامل النار في حين تلتقي الأيدى المنوطة برفع الأشياء مع عامل الهواء، وأخيرا لن يجد التحدث ووسيلته اللسان طريق لآذان السامعين سوى الحيز أو الفضاء.

كذلك تلتقى الجكرات او التشكرات على طول العمود الفقري بالعناصر الخمسة على النحو التالي:

التشكرة الاولى (مولادهارا) وهي في العجز وهي معنية بالجهاز الهضمي وخلفيتها الأرض.

التشكرة الثانية (سوادهيستانا) أعلى العجز بقليل وهي معنية بالجهاز البولى والخلفية الماء.

التشكرة الثالثة (مانيبرا) على العمود الفقري مقابل السرة وهي معنية بالجهاز الدوري والخلفية النار.

التشكرة الرابعة (اناهاتا) أعلى العمود الفقري خلف القلب وهي معنية بالجهاز التنفسي والخلفية الهواء.

التشكرة الخامسة (فسيهودى) في العنق وهي مسئولة عن النمو ورمزها قطرات ماء الحياة المثلجة.

التشكرة السادسة (أجنا) بين العينين وهي معنية بالتخاطر وخلفيتها الأثير.

التشكرة السابعة (ساهيسرارا) وتسمى التاج أعلى الرأس في اليافوخ وهي معنية بالحكمة.

وعليه، نجد أن العناصر الخمسة في الطبيعة وقريناتها في الحواس والعقل والتشكرات رباعي متجانس ما بعدي حدود، بمعنى أن ما نراه في الطبيعة من تداخل هذه العناصر وتشكيل الكون بكل ما فيه من روعة وجمال لهو دليل قاطع على أن هذا الكون ما هو إلا الطيف أو المرآة للعالم الداخلي الجميل، اذ كيف بمقدورنا أن نستمتع بجمال وعظمة هذا الكون ما لم تكن مكونات العالم الخارجي متحدة ومتناغمة بسلاسة شديدة مع رموزومكونات العالم الداخلي ( وتحسب نفسك جرماً صغيرا وفيك انطوى العالم الاكبر) الإمام علي (ع) إلا أننا نرفض القبح المادي أو المعنوى، وإن كان من نسيج تلك العناصر؟! لم؟ أو ليس القبح لبوسا شاذا أو متنكرا لا ينسجم مع روح الداخل العفوي الذي جبل على الفطرة السليمة وإن تنكر في حلة جميلة في أغلب الاحيان؟ إن أجمل ما خصت به أعضاء الحواس هي مهمة وصل العالمين وترجمة كل تلقياتنا الحسية المختلفة ومشاعرنا على النحو الذي تعجز فيه أبلغ الكلمات عن الوصف في أغلب الأحيان ولنا في كلمات الشاعر إيليا أبو ماضي في وصف الوردة وتغريد البلبل خير دليل عندما انشد : من ذا يكافيء زهرة فواحة / أومن يثيب البلبل المترنما؟. ترى على أي نحو نكافيء الوردة العذرية على ما تتحف به الناظرين من جمال ورائحة زكية؟ وكأنما وقف أبو ماضي عند حافة القول: من يكافيء من عند النظر الى الزهرة المرآة؟ الشاهدِ (الإنسان ) أم المشاهَد (الزهرة) ؟! وكيف حاز القمر القابع في صحراء قاحلة لا ماء فيها ولا نبات كما وصفها نيل ارمسترونج، هذا التغني من الشعراء والأدباء والعشاق؟ أليست عذريته الفطرية المبهرة التي تنسجم مع روح الداخل العفوي؟ وبالمثل الغابات الإستوائية والجبال الجليدية الموحشة، ألم تكن الصحراء موضع إلهام للشعراء العرب في الجاهلية والاسلام؟ وغيرها من الأمثلة الكثيرة، أليس هذا دليلا على أن الأمر أكبر بكثير جدا من مجرد تلقيات حسية خص بها الإنسان؟ إذ كيف نفسر استدامة تدفق الحيسات المرئية والسمعية وغيرها من الخارج إلى الداخل وبدون توقف ما لم يكن العالمين في دورات تجاذب وتواصل بدون انقطاع أشبه بماء النافورة المتدفق فى رحلته بين الداخل والخارج ( هذا التشبية التقريبى للتوضيح لا أكثر).

إذاً كيف يتم هذا الأمر؟ تنتقل الحسيات (الصوت، والشكل، والرائحة، والتذوق والحس) تحت حُمى الرغبات من عالم المادة عن طريق أعضاء الحواس إلى عالم آخر هو العقل حيث تختزل المعرفة إلى شيء أصغر (الفكرة) ثم إلى المطلق العظيم (خمس روافد تصب في بحر المطلق العظيم مرورا بالعقل) ولكن بسبب اختلاف وظيفة تلك الأعضاء الخمسة وضعت مسميات التلقي المنوطة بها حسب موقعها فنقول يطربنا الغناء، ويبهرنا جميل المظهر، وناعم الملمس، وعطر الرائحة، ولذيذ الطعام، وننسى أن هذه المفردات الحسية ماهي إلا تعابير وأوصاف مختلفة لشيء واحد وهو السعادة، القاسم المشترك نتاج تلك التلقيات هذه الأسماء وأسماء أخرى كالمعرفة والوجود.. رغم اختلافها لفظاً ومضمونا أو هكذا يبدو إلا أنها أسماء مختلفة لذات الشيء (المطلق العظيم) القاسم المشترك عند النظر إليه من زوايا مختلفة... هكذا هو الأمر تنتقل المعرفة الحسية من حقل المكان إلى حقل الفكرة (منشأ الوقت) ومن حقل الفكرة إلى بحر المطلق العظيم بمعنى أشمل. المكان يصب في الزمان والزمان يصب في المطلق العظيم ....ها قد وضعنا خطوة كبيرة على طريق الحقيقة.

والآن: السؤال الذي يطرح نفسه : أين يقع العالم الحقيقي في الداخل أم في الخارج؟ فإذا سلمنا بأنه في الخارج لم ينتفي وجوده في غياب الإنسان؟.. بمعنى آخر هل يعي الإنسان وجود هذا العالم من عدمه عند الغيبوبة أو الموت؟ بالطبع لا.. أليس هذا دليلا على أن المطلق العظيم هذا المستقبل غير المتغير لكل التلقيات المتغيرة ليظهر لنا العالم في أبهى صورة؟ أليس هذا دليلا آخر على أن هذا الشيء العظيم الذي حوى الكون بأكمله كما وصفه دالإمام علي ابن طالب (ع) وفيك انطوى العالم الاكبر؟ أليس هو نفسه الجامع الأكبر لكل الأجناس؟ وهو الذي أشار إليه الباري (جل وعلا) في قوله : (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) (الذاريات/21) صدق الله العظيم.

إقرأ أيضا لـ "عدنان الموسوي"

العدد 4024 - الخميس 12 سبتمبر 2013م الموافق 07 ذي القعدة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً