العدد 4036 - الثلثاء 24 سبتمبر 2013م الموافق 19 ذي القعدة 1434هـ

الثقافة الأمنية: القوانين لا تكفي وحدها!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

كثر الحديث في الآونة الأخيرة في كواليس الاجهزة الامنية في دول مجلس التعاون عن أهمية الاتفاقيات الأمنية بكل تفاصيلها، كما كثرت الأحاديث عن أهمية التعاون في مجالات الأمن الفكري، وكذلك محاصرة الاستخدامات السيئة لكل شبكات التواصل الاجتماعي، فضلا عن الاصرار على مراقبة مستخدميها ومحاربة الشركات التي تصر على حماية مستخدميها من المراقبة الامنية! دول الخليج - بحسب علمي - لم تتفق حتى الآن على صيغة موحدة للاتفاقيات الامنية، فلكل دولة ظروفها ومخاوفها الامنية التي قد تختلف قليلا أو كثيرا عن بقية الدول الخليجية الاخرى كما أن هذه الدول تختلف أنظمتها وكذلك الوسائل التي لابد أن تسلكها لكي توافق على أي صيغة أمنية؛ ولكن جميع دول المجلس في المجمل تشعر بأن التعاون في هذا المجال سيكون في صالحها رغم المخاوف التي قد تطرأ من هنا أو هناك.

ومن نافلة القول ان الأمن بمعناه الواسع مطلب مهم لكل الدول والافراد، ولكنه قد يصبح مصطلحا بغيضا إذا توسعت دولة من الدول في استغلاله لقمع شعبها أو طائفة منه بحجة المحافظة على الأمن، ولذلك لابد أن يكون تطبيق الانظمة الامنية دقيقا وعادلا وعلى الجميع مهما علت رتبهم أو مكانتهم الاجتماعية لكي تحظى تلك الانظمة بالقبول والاحترام، وفوق ذلك كله لابد أن تكون القوانين المنظمة لقضايا الأمن والعقوبات المترتبة على الاخلال بها دقيقة جدا وغير قابلة للاجتهاد في تفسيرها لكي لا تستغل في الاساءة للبعض لتحقيق مصالح خاصة لا علاقة لها بالأمن من قريب أو بعيد، وذلك مثل تهم الارهاب والعنف والاساءة للاشخاص وما شابه ذلك من الاتهامات العريضة غير المحددة بمعنى يفهمه بدقة كل من يرتكب عملا مخلا بالامن بحسب قوانين بلاده.

ولكي تتضح الفكرة أضرب مثلا بما نشر في الصحافة البحرينية تحت عنوان (الثقافة الامنية) حيث ذكر في المقال أن قانون العقوبات في البحرين وفي مادتيه: 168، 364، يعاقب على استغلال شبكات التواصل الاجتماعي في بث الاخبار الكاذبة والاساءة للآخرين وكذلك المساس بالنسيج الوطني ووحدة الشعب ونقل صور وأخبار مضرة بالدولة والتحريض على كراهية النظام، وازدراء طائفة من الشعب، واهانة دولة اجنبية أو منظمة دولية أو إهانة شخص معتبر وهو موضع تمجيد من أهل ملته بالقذف والسب.

كثير من هذه التهم الموجبة للعقاب - وهذا للعلم ليس في البحرين وحدها - ليست دقيقة وغير قابلة للتأويل وكثرة التفسيرات، إذ يمكن لكل واحد أن يفهمها بصورة مغايرة لفهم الآخر ومغايرة أيضا - ربما - للذي وضعها ووضع قانون العقوبات المستحق على ارتكابها، بل ومن الممكن في بعض الحالات أن يقوم شخص بعمل يحسبه خدمة لأمن بلاده في الوقت الذي يعاقبه القانون عليه بحسب طريقة فهم القانون عند واضعيه، وإذا كان الأمر كذلك فمن المخول بتحديد المفهوم الصحيح لقانون العقوبات ولماذا هو بالذات؟! ولكي تتضح الصورة على ما أشرت اليه فسأذكر مثالا على ذلك وهو مسألة التحريض واشاعة الفوضى، سأفترض أن شخصا كتب عن بعض جوانب الفساد في وزارات الدولة وهو محق فيما كتب، وطالب المواطنين بالانكار بكل السبل المتاحة وبحسب قوانين الدولة فهل يعتبر في هذه الحالة محرضا أم يعد مواطنا صالحا لأنه أنكر الفساد وحارب المفسدين؟!

ومثله اذا انتقد مواطن وعبر الوسائل الاعلامية عملا قامت به الدولة لكنه لا يرى صحته فأبدى وجهة نظره فيه فهل يعد محرضا على الدولة أم يقال انه عبر بحرية وصدق واخلاص عما رأى أنه عمل لا يليق بدولته وهذا من حقه باعتبار أن حرية التعبير مصانة؟!

وكذلك قضية إهانة دولة اجنبية او منظمة دولية هل هو فعل مجرم بالمطلق أم أن هناك ضوابط لهذا الفعل؟ القانون بحسب المصدر لم يتطرق الى التفاصيل ونقلت الصحافة نقدا شديدا من الشيخ جاسم السعيدي لرئيس ايران لانها تدخلت في الشئون الداخلية للبحرين كما انتقدها ايضا لسوء معاملتها للاحوازيين! فهل يكون الشيخ في هذه الحالة مدانا يستحق العقوبة بموجب المواد المشار اليها أم أن هناك استثناءات لابد منها؟ شخصيا اتفق معه في إنكار المعاملة القاسية للاحوازيين التي تصل الى قتل العشرات منهم ظلما ولكني هنا اتحدث عن قانون قابل لعدة تفسيرات يصعب الاتفاق عليها، ومثل السعيدي الشيخ ناجي العربي الذي هاجم أقوى دولة في العالم - اميركا -! بل وصل به الحال الى تحريض البحرين عليها! وسبب ذلك أنها تدخلت في شئون البحرين الداخلية! ومرة أخرى اتفق معه في أنه ليس من حق اميركا ولا سواها أن تتدخل في البحرين ولا في أي دولة خليجية أخرى ولكني أعود الى القانون ذاته فلو أريد تطبيقه بدقة لعوقب الشيخ بتهمة اهانة دولة اجنبية وهذا غير صحيح على الاطلاق فهو يدافع عن مكانة بلاده ووجوب احترام هذه المكانة! أما اهانة المنظمات الدولية فكثير وجوده في البحرين وخاصة إهانة بعض منظمات حقوق الانسان لمواقفها من بعض ما يجري في البحرين تجاه نشطاء حقوق الانسان ولم أسمع أن أحدا عوقب على انتقاده لتلك المنظمات لأن واضع القانون لم يعد ذلك تجاوزا على الانظمة، وفي السياق ذاته فالحديث عن اهانة شخص معتبر في دولته أو طائفته وانه مخالف للقانون لم أره مطبقا في معظم الاحوال؛ ففي مرات كثيرة أهين أشخاص معتبرون في بلادهم وعند طوائفهم ومع هذا لم تعاقب البحرين التي وضعت مواد خاصة لمثل هذه الحالات من قام بتلك الاساءات التي عدتها جرائم مخالفة للقانون!

كل وسائل الاعلام بما فيها الحكومية تهين الاسد وحكومته - وهو يستحق كل أنواع الاهانة وما اكبر من ذلك - فهل يدخل ذلك في قانون المعاقبة والمساءلة أم أنه خارج عن ذلك القانون؟ وقبلها كانت هناك حملات على القذافي وأخرى على مخلوع تونس وكذلك معزول مصر واليمن فهل كل ذلك مما يسمح به القانون أم يحاسب عليه؟

الذي أراه أن هذه القوانين لم تخضع لدراسات دقيقة، ما جعلها قابلة للتفسير والتكييف بحسب أمزجة الجهات الامنية وحدها فإذا أريد معاقبة شخص على فعل معين قيل: هذا فعل فيه تحريض أو إهانة أو خروج على الدولة ونظامها، وإذا قام شخص آخر بالفعل نفسه وهو مرضي عنه تم التغاضي عنه بحجة أنه لم يرتكب ما يخل بأمن الدولة! وهكذا يصبح التفسير وحده من حق أجهزة التحقيق فهم في مثل هذه الحالات الخصم والحكم في آن واحد! وهذا فيما اعتقد ليس في مصلحة أي دولة من دولنا لأنه يوجد الأحقاد ويشجع على الخروج على الدولة لأن العدالة اذا فقدت انهزت اركان الدولة وتصدع بنيانها وهذا لا يحقق الأمن لا للحاكم ولا للمواطن.

من حق الدولة ان تحمي مواطنيها وكيانها وهذا لا يتأتى الا بالقوانين العادلة، والقوانين كلها ما تعلق منها بالأمن أو سواه يجب ان تكون شديدة الوضوح والدقة لكي لا يظلم المواطن، وإذا حصل اختلاف في تفسير القانون فيجب ان يكون الأصلح للمواطن وهذا ما تطالب به الشريعة الإسلامية، ولأن دولنا اسلامية فيجب أن تطبق هذه القاعدة تحقيقا للأمن المجتمعي وحماية للافراد من الانجرار للعنف والارهاب.

حمى الله البحرين واهلها، وحمى الله بلادنا الخليجية والعربية والاسلامية من كل سوء...

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 4036 - الثلثاء 24 سبتمبر 2013م الموافق 19 ذي القعدة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 9:37 ص

      مجلس التعاون الخليجي هو مجلس التعاون الأمني ونقطة في نهاية السطر.

      القانون هو مطية امتطاها كل من بيده السلطة.....يطوعها بحسب مزاجه.

    • زائر 5 | 5:28 ص

      مهتم

      كنت أتمنى أن تشير في الامثلة المذكورة في مقالك يا أخ محمد الى من افتى بسحق افراد الشرطة كذلك لتكون أكثر واقعية .

    • زائر 4 | 3:45 ص

      شوف يا حضرة الكاتب هذا الموجود ويش نسوي

      هذا الموجود عندنا وغير الحلّ الامني ماكو واللي يخالف نعتبره ارهابي وحتى لو كان شعب البحرين كله ارهابي مو مشكلة

    • زائر 3 | 3:11 ص

      مكان وزمان لكن كراسي في كان يا ما كان من قديم الزمان

      الحرب على الفساد والحرب على الإرهاب والحرب ليس الناس بعضهم البعض وإنما ضد الشيطان وليس مع الشيطان. محاور الشر منتشرة وتنشر السلاح وتنشر التلوث كما أضرت بالبيئة تحت مسميات عديدة منها التجارة الحرة وتدمير البنى التحتية وإعادة بنائها كما في لبنان. أي عقل يستوعب أن من أجل تدوير المال تحتاج البشرية إلى الحروب. هذا يعني وجود إسرائيل خلق أو صنع مشكلة وأدى الى مشاكل منها إغتصاب ألأرض من الفلسطينين كما سرقة البترول من العراق والسودان. هنا قد يسأل سؤال ما قدمه الحكام للتنازل عن حقوق الإنسان في أي مكان؟

    • زائر 2 | 2:35 ص

      أكثر من 20 قضية تشهير في وسائل التواصل الاجتماعي يتم تطنيشها

      القوانين تشهر وتوضح الآن لتطبق على فئة معينه فقط والباقي الذي ذكرته تنتهي تجاوزته بحب الخشوم فقط

    • زائر 1 | 1:00 ص

      !!!

      القانون يطبق عند الحاجة الية فقط .... !!!

اقرأ ايضاً