العدد 4040 - السبت 28 سبتمبر 2013م الموافق 23 ذي القعدة 1434هـ

عمل المرأة عز وكرامة

عباس المغني abbas.almughanni [at] alwasatnews.com

«الدرة المصونة»، شعار أطلقه جابر في سماء إمبراطورية العكر العظيمة، ضمن حملة تدعو المجتمع إلى رفض فكرة عمل المرأة، لتعيش عزيزة مكرمة مدللة في أحضان أهلها.

جابر يؤمن بأن المرأة هي جمال الحياة وزينتها، وبها يتدفق الحب في قلب المجتمع، وبها يصل الإنسان إلى السعادة الأبدية.

ونتيجة لهذا الإيمان والحب العميق، رأى جابر أن أفضل ما يمكن أن تكرم به المرأة هو أن تجلس في البيت مدللة في أحضان أهلها، ويكون العمل مسئولية الرجل.

نجحت حملة «الدرة المصونة»، فكانت النتائج مذهلة، إذ رفض السواد الأعظم من المجتمع فكرة عمل المرأة.

وبعد عشر سنوات، دخل جابر منزله، وهو في حالة أشبه بالانهيار النفسي، والدموع تنزل على خديه، ونادى على زوجته مريم، ونظر في عينيها نظرة طويلة. وهي في حالة استغراب من النظرات الغريبة لزوجها؟!

خرجت الكلمات من فم جابر بصوت خافت: «زوجتي، أريدك أن تعملي، فعمل المرأة عز وكرامة».

وقفت مريم مذهولة مما سمعته من زوجها الذي يعتبر أشرس محارب لعمل المرأة، وقالت: «زوجي ما بك؟! جسمك يرتعش، وحالتك النفسية على غير طبيعتها، هل بك شيء؟!».

فرد جابر: «لقد رأيت ما...».

فسألته زوجته: «ماذا رأيت؟».

فحكى جابر قائلاً: شاهدت امرأة واقفة أمام خرابة مهجورة، حركاتها غريبة، تلتفت يميناً وشمالاً وهي في حالة إرباك شديد. فراقبتها من بعيد. وعندما خلى المكان من المارة، وظنت أنه لا أحد يراها، تسللت إلى الخرابة وسارت إلى غرفة مظلمة وهي ترتجف، وعندما وصلت للزاوية رفعت ما يستر وجهها ونظرت نظرة تقشعر لها الأبدان.

ورفعت بيدها دجاجة ميتة، وأخفتها بين ملابسها، وتوجهت إلى منزل، وما ان فتحت الباب، حتى اندفع أبناؤها الصغار بصياح يسألونها: «أماه نحن جوعى، هل سنجد ما نأكله اليوم؟». فأجابتاهم: «سأطبخ لكم دجاجة»؟.

انصدم جابر مما رأى وسمع، وقال: «بحق السماء، ماذا تريد أن تفعل هذه المرأة بأبنائها، سوف أمنعها».

طرق جابر الباب، وعندما خرجت المرأة قال لها: «ألا تعلمين أن الدجاجة ميتة؟! لماذا تريدين أن تطبيخها لأبنائك؟».

فردت المرأة والدموع تتقاطر على خدها بصوت كله ألم: «لدي ثلاثة صغار أعمارهم بين سنة وخمس سنوات، ينامون جوعى، ولا أتحمل أن أسمع بكاءهم وآلامهم من الجوع».

فسألها عن زوجها؟ فقالت: «إن زوجي كان رجلاً غنياً عشنا معه في كنف العز والرفاهية، كنت مدللة يوفر لي كل ما أحتاجه، ولكن بعد أن توفي منذ سنتين، تحولت حياتنا إلى جحيم لا يطاق، فقر وجوع مؤلم، وأنا امرأة لا استطيع العمل، لأن المجتمع لم يؤهلنا لعمل أو مهنة كي نستطيع من خلالها توفير لقمة العيش، فكانت النتيجة أن أصبحت أرملة أتجرع مرارة الذلة والهوان كلما سمعت أيتامي الصغار يصيحون من ألم الجوع».

فأخرج جابر كل ما يملك من نقود، وأعطاها المرأة، لتشتري به الطعام لأبنائها.

وهذه الحادثة جعلت جابر يراجع موقفه من عمل المرأة، ويدرك النتائج والعواقب التي تدمي القلوب.

وقال جابر لزوجته مريم: «الحب أعمى، أعمانا عن الحقيقة التي بها تصان كرامة المرأة... الآن أدركت أن عمل المرأة عز وكرامة، يؤمّن مستقبلها ويقيها من الفقر والذل».

بعد تفكير عميق، اشترى جابر أدوات خياطة، لتكون بداية مشروع صغير بين زوجته، وتلك المرأة الأرملة. وبمرور الأيام حقق مشروع الخياطة نجاحاً كبيراً.

وتمكنت الأرملة بيدها من توفير لقمة العيش لأيتامها، وحفظ كرامتهم، في كل ما يحتاجونه، وتهيئتهم إلى مستقبل أكثر إشراقاً. وقالت «يا ليت ان زوجي علمني حرفة قبل أن يغادر الدنيا، فحقاً ان حرفة في اليد أمان من الفقر».

وبعد 20 سنة، عندما كان جابر على فراش المرض، قال: «الآن يمكن أن أموت وأنا مطمئن مرتاح البال، فزوجتي من خلال عملها في مشروع الخياطة يمكنها أن تعيش حرة مستقلة بعد وفاتي، وتحفظ كرامتها وكرامة الأسرة».

وأدرك جابر أن الجميع يؤمن بأن المرأة هي «الدرة المصونة»، لكنهم يختلفون في كيفية رعايتها وحمايتها والمحافظة عليها، هل بجعلها تجلس في البيت؟! أم بتهيئتها وتنمية قدراتها إلى المستوى الذي يؤمّن مستقبلها ويحميها من الضياع في أحلك الظروف؟!

إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"

العدد 4040 - السبت 28 سبتمبر 2013م الموافق 23 ذي القعدة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 7:10 ص

      لكل موضوع حكم

      الشرع حبب للمرأة البقاء في بيتها، لأن عزتها وكرامتها في بيتها إذا كان لها معيل، أما إذا عاشت في مجتمعات أنانية كما هي اليوم نفسي نفسي، فقد تضطر للخروج من أجل العمل مع وجود الضوابط الشرعية، العمل مع الضوابط الشرعية.
      والحالة التي ذكرها الكاتب هي من باب المثال لا الحصر، وقد تفاقمت هذه الحالات في مجتمعنا.

    • زائر 6 | 6:03 ص

      عمل المرأة عزة من وجه ومذلة من أوجه

      قوانين العمل ظالمة في بلدنا فالعاملات في القطاع الخاص لا يتمتعن بنفس الحقوق لدى نظيراتهن في القطاع العام. فقارن بين اجازة الوضع وساعات الرضاعة.
      وأما الرواتب فنستطيع أن نقول أن المرأة العاملة بالنسبة للراتب الممنوح في القطاع الخاص خصوصا اشبه "بكوليه".
      وتعال لبئية العمل اللي يحطونهم وي اجانب، ويشغلونهم في كل شي حتى في المصانع.
      نحن مع عمل المرأة لكن بضوابط وشروط، وأهمها أن تستطيع أن توفق بين العمل والبيت.
      فاذا كان عز من وجه فهو قمة المذلة من عدة اوجه.

    • زائر 5 | 5:54 ص

      معلمة مكروفة

      أصبحت الزوجة العاملة تتحمل من الأعباء والمسؤوليات مايفوق طاقتها بكثير وخصوصاً مع تخلي الكثير من الأزواج عن مسؤولياتهم الأسرية .. لقد أصبح عمل المرأة سبباً في ظلمها لاسيما في حالة عدم تقدير الزوج لما تبذله من جهد وما تنفقه من مال وماتتحمله من قروض ... الزوجة اليوم هي من تبني البيت وتوفر الغذاء والكساء ونفقات المدارس والأعياد وراتب الخادمة وووووووو ..

    • زائر 4 | 4:37 ص

      ضرورة

      يوجد في مجتمعنا فئة من الازواج عندما يتزوج من امراة عاملة فأنة يترك مسؤولياتة من صرف على البيت والابناء، مع ان الزوج مطالب بالصرف شرعاً، والزوجة هي من يتخذ قرار المساهمة من عدمة،

    • زائر 2 | 2:02 ص

      حادثة استثنائية يجب ان لا تعمم

      الشرع يقول افضل جهاد للمرأة في بيت زوجها لصونها وصون ابنائها كما ان الشرع لا يمنع المراة من العمل بل يؤكد على ضرورة عملها في يعض الاعمال مثل التدريس والطب حتى لا يباشر تدريسهااو معالجتها الرجل او المراة الغير مسلمة الغير ملمة بالقواعد الشرعية ولكن ان تأتي بمثال لقصة استثنائية لتعمم ان العمل لعزة وكرامة المرأة والجلوس في البيت يؤدي الى تشريدها وذلها فهذا لا يصدقه عاقل لكل حالة تقييم بل ان بعض الاعمال وخصوصا المختلطة تؤدي الى اهانة المرأة والحط من كرامتها بل وفقدانها حيائها فأي عزة وكرامة هذه

    • زائر 7 زائر 2 | 7:06 ص

      إذا تبدل المضوع تبدل الحكم

      ردي على زائر2... في عدة نقاط:
      الأولى: يقول حالة استثنائية يجب أن لا تعمم، جوابي له: أن هذه الحالة موجودة حتى في حصور الخلفاء الراشدين، ومنهم في عصر علي بن أبي طالب.
      النقطة الثانية: صحيح أن الآسلام حبب للمرأة الجلوس في بيتها، لكن أوجب على الزوج وعلى الأب وعلى الولد بل حتى على المجتمع رعايتها، فمن الذي يقوم بمسؤولياته اليوم تجاه المرأة وإعالتها سواء كانت زوجة أو أما أو بنتا خصوصا مع فقر المعيل... فأبوها لديه ربما عشرة أطفال، وولدها ربما عاطل عن العمل وهكذا..

    • زائر 1 | 12:34 ص

      احسن

      القصة مؤثرة جدا .. و ممكن تطور تفكير القراء

اقرأ ايضاً