العدد 4040 - السبت 28 سبتمبر 2013م الموافق 23 ذي القعدة 1434هـ

الطائفية والحوار العقيم

علي محسن الورقاء comments [at] alwasatnews.com

محامٍ بحريني

للطائفية درجات أصغرها «التعصب الطائفي» ثم تليها «الفتنة الطائفية» و «التفرقة الطائفية»، وقد تصل إلى درجة «العنف الطائفي». بيد أن التعصب الطائفي (أو العصبية الطائفية) وإن تكن هي أصغر درجات الطائفية إلاّ أنها أساس الطائفية ونواتها والتي عن طريقها تتحرك الطائفية وتدور، وبهذا التحرك والدوران تنشأ الفتنة الطائفية، وعندما تنشأ الفتنة الطائفية وتتقبلها النفوس تَعُم ثقافة التفرقة الطائفية، وبتطبيقها على الطبيعة يبدأ العنف.

فلو تصورنا مثلاً أن «الطائفية» شجرة خبيثة فإنَّ «العصبية» تربتها وغذاؤها، و «الفتنة»ثمرتها، و «التفرقة والعنف الطائفي» هما أرباح صاحب الثمار. بمعنى أن العصبية هي الأصل كما قلنا، ولهذا قِيل إنْ «لا طائفية دون تعصب». ولذلك نجد الدول الاستعمارية إبان الاستعمار الصليبي للشعوب العربية والإسلامية، وكذلك الأنظمة المستكبرة اليوم، تهتم بخلق عقول متعصبة (بأجر أو بدون أجر) تدعو للعصبية وقادرة على إثارتها، والتي عن طريقها تصل إلى غايتها في إثارة النعرة الطائفية وتفتيت الشعوب وتقاتل أفرادها على أساس القاعدة المعروفة وهي «إنْ أردت أن تهزم أمة أو يسود حكمك فيها فرِّق بين أهلها».

وقد سبق أن وقفنا على أرضية هذا الموضوع (أي الطائفية) في مقال سابق بعنوان «أيهما أشد إيلاماً الفتنة الطائفية أم التفرقة الطائفية» قد سبق نشره في صحيفة «الوسط» في العدد رقم 2956 بتاريخ 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2010 مع توضيح معنى كل منهما، ما لا يستدعي شرح ذلك مرة أخرى منعاً للتكرار.

إنما وحيث إننا نتكلم في هذا المقام عن «الطائفية» بوجه عام من حيث ممارستها أو اتصالها بالشعوب نجد أنها بدرجاتها الأربع سابقة الذكر تحمل في ثناياها صفة خاصة بها، كما تحمل أثراً خاصاً (أو نتيجة خاصة) تنبثق عنها، كما أن لها خاصية خاصة تتصل بها.

فالصفة الخاصة هي «الكراهية والعداوة والبغضاء والحقد» وكلها أسماء مترادفة تحمل بذور الحرب الأهلية. أما الأثر الخاص (أو النتيجة الخاصة) فهي تعني «التقاتل وعدم قبول التعايش ورفض الآخرين». وأما الخاصية الخاصة فهذه تعني «أن المجني عليه (وهو الشعب) هو من يقتل نفسه بنفسه عن عمد وإصرار وسبق ترصد».

فإذا ما تأملنا إلى تلك الصفة، وذلك الأثر، وتلك الخاصية، فإنها بمجموعها وتراكمها نجد أنها تمثل بؤرة فساد الأوطان وأساس تخلف الشعوب، ومن لا يؤمن بذلك فهو إما جاهل أو خبيث مرابٍ.

فإذا كان الأمر كذلك؛ ألاَ يجب علينا إذن أن نتأمل إلى ما يحيط حولنا من مستنقعات الطائفية الآسنة، وأنه يلزم أن يكون لدينا قدر من الوعي والفطنة بحجم ومساحة هذه المستنقعات؟

ثم أليس من الواقعية أن نُسخِّر الجهود لهدم هذه المستنقعات بدلاً من أن نبحث عن طريق آخر يجنبنا عنها؟

ثم أخيراً وليس بآخر أليس من الحكمة أن نضع في الاعتبار أن ما يدعون إليه من حوار وطني لوضع الأسس الكفيلة لإرساء التعايش المجتمعي والسلم والأمن الاجتماعي والعدالة الاجتماعية بينما نلحظ أتون الطائفية وهي تسمم جسد هذا الوطن، والتي أخال أنها تحركها آلة (بل آلات) ذات قوة دفع تفوق إرادة الأفراد (المجني عليهم) لا تتوقف ولا ينوون الجناة توقيفها، ما يجعل هذا الحوار بلا جدوى وبلا قيمة، إلاَّ أن نرفع أولاً أصبع الاتهام في وجه صناع هذه «الطائفية» بكل صراحة وشفافية أياً يكن هذا الصانع، وأن ندق جرس الإنذار ونبدأ المشوار للإطاحة بهذه الطائفية بما أمكن لدينا من سبل بدلاً من أن نلهو في حوار عقيم لا نراه إلاّ وجهاً أبقع أثبتت الأيام فشله فأمسى كلهو الحديث، وهو بحق ليس إلاّ ثرثرةً دعائية وبهرجةً إعلامية.

نحن ممن يؤمن بمحاسن الحوار باعتباره وجهاً من وجوه الحضارة ووسيلة من وسائل الحلول السلمية، ولكن بشرط أن يكون الحوار حضارياً، ولن يكون حضارياً إلاّ إذا كان ندِّياً دون استعلاء طرف على آخر، وأن تكون أجواؤه مهيأة لنجاحه لا أن تكون موبوءة بوباء كوباء الطائفية على نحو ما تقدم.

والغريب في هذا المقام أن بعض المتحاورين يقرّون بأن هناك وحلاً، أو مستنقعاً، اسمه «الطائفية» وأنهم يأملون ردم هذا المستنقع بالحوار، ولكن كيف يتأتى لهم ذلك عندما نعلم أن الطرف الآخر، وهو الأثقل في الميزان، لا يعترف بوجود هذا المستنقع ولا يفكر (بمجرد تفكير) في الحديث عنه. فمثل هؤلاء كمثل المريض النفسي لا تستطيع أن تشفيه أو أن تأخذه إلى دار المصحة للعلاج طالما أنه لا يعترف بمرضه وغير مستعد للعلاج.

فحيث هم كذلك... كيف نصدق أنهم ينوون أن يسقوننا العسل المصفى عبر هذا الحوار بينما هم يضعون في الأواني سموم الطائفية، وكيف نصدق أنهم بالحوار يسعون لبناء جسور الوطن وهم بالطائفية يهدمون الوطن. وكيف نصدق أيضاً أنهم بالحوار يبحثون عن السلم والسلام والأمن الاجتماعي وهم ينثرون عن طريق الطائفية بدور العداوة والبغضاء والكراهية بين أفراد المجتمع.

فما لم يَقُر هؤلاء بمستنقع الطائفية أولاً، وما لم تبدُ منهم الرغبة في هدمه والبدء في اتخاذ الإجراءات الكفيلة إلى تحقيق ذلك قبل الولوج في الحوار فإن حوارهم هذا يبقى حواراً عقيماً قائماً على التضليل وشراء الوقت بآمال معلقة على وهم.

إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"

العدد 4040 - السبت 28 سبتمبر 2013م الموافق 23 ذي القعدة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 6:29 ص

      اقوى

      اقوى سلاح استخدمته امريكا الشيطان الاكبر هو سلاح الطائفيه الى دمر شعوب الاسلام تسوى عليكم ايها المسلمون هديتون خط الرسول الاعظم ومشيتون ورى الشيطان اتحدو يامسلمون وقلنا لكم عيسى بدينه وموسى بدينه كل واحد اعيش بطقوس دينه وتركو عنكم القتل وسفك الدماء امريكا هى الربحانه لقتلكم بعضكم بعض لله المشتكى

    • زائر 1 | 1:24 ص

      حجا والمحامية والقضاة أو القاضي من تها وليس من تهامه بسبب تهمة يسجن المتهم!

      قيل المُلك عقيم كما يقال اليوم الحوار والمفاوضات عقيمة. لما العقم ليس عند النساء فقط؟ فقد يكون الرجل عقيم أيضا لكن حوار ولد ميتاً وخلل أو عطل أو القانون في البحرين معطل – يقال من المشاكل التي لا يحلها إلا أهل القانون المؤهلون والمعدون والمتخصصون – ممتهنين ها المهنة يعني يدافعون عن الناس ولا يظلمون الناس وذوي إختصاص دقيق. إما حق أو قانون وما يتفرع من حقلي القانون وحقل الحق أو قد تكون حقوق. فكم عدد حقوق الناس المضيعه بسبب قضاء لا يقال عنه صالح لكن أقرب إلى أن يقال عنه طالح. اليس كذلك؟

اقرأ ايضاً