العدد 4056 - الإثنين 14 أكتوبر 2013م الموافق 09 ذي الحجة 1434هـ

في الحمرا ورد أحمر

مريم أبو إدريس comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

على امتداد شارع الحمرا ببيروت، حيث صخب الحياة وضجيجها، رفاهيتها الطاغية ولامبالاتها الدائمة، ينتشر بائعو الورد، أطفال صغار لا تتجاوز أعمارهم التاسعة، على طول الشارع التجاري ومفترقاته المتشعبة. هناك في كل زاوية من يبيع الورد بإلحاح مؤلم، لا يعرف المرء وهو يشتري الورد هل كانوا يبيعونه حلمه أم يبيعون أحلامهم.

من باع السوريين أحلام الحرية اغتال منهم الأمان، ما عادت الملايين التي غادرت منازلها على عجل تتحدث عن الحرية، فلا حرية لمن لا أمان له. ما عادوا يطلبون الكرامة، فليس أكثر مهانةً من أن تشحذ رغيفك، من باع السوريين الأوهام واعداً بالمساعدة والدعم تخلّى عن وعوده سريعاً مع طول المدة وعدم تحقق الهدف. لم يعد أحدٌ يعبأ لهذه الملايين التي لا يهمها الغد، بقدر ما ينهكها أن تقاوم كي تعيش يومها فقط.

في هذا الشارع المتعطش لمتعة الحياة، لا مكان للأنين المرّ، ذلك أنه يفسد جوقة الفرح. ونحن نعبر فوق أجساد المحرومين هناك لا نعرف أيها أشد وجعاً، كرامتهم المسحوقة تحت وقع الأحذية الفارهة، أم إنساننا الذي تبلد من فرط السؤال.

تجارة الورد هذه تُقابَل بلا مبالاة من رواد الحمرا، خصوصاً اللبنانيين. لا يلتفت الواحد منهم لينظر في عيني الطفل الذي يلح على استعطاف إنسانه، إنسانه الذي غابت عنه الرغبة في التعاطف خوفاً من العواقب. لم تترك الحرب الأهلية للبنانيين خياراً آخر، لقد دفعوا ثمن التعاطف الفلسطيني حرباً طاحنة لخمسة عشر عاماً ومئة وخمسين ألف قتيل، هم لا يرون في هذا الهرب السوري للبنان أكثر من ناقوس خطر يعيد لأذهانهم ضريبة إنسانية لبنان.

التقسيم الديموغرافي للبنان يكاد يكون أحد أهم المسائل التي قد تفتح أبواب جهنم على هذا البلد المقام فوق فوهة بركان ينتظر الانفجار في أية لحظة. دخول السوريين اليوم واستمرار أزمة بلادهم وطول مقامهم قد يأخذ لبنان إلى منتصف سبعينيات القرن الماضي، حين أخلّ الوجود الفلسطيني بديموغرافية لبنان ودفعها للدخول في حرب أهلية يقودها خوف الطوائف من اختلال توازن الوجود المتعايش عليه منذ قرون فيما بينهم.

مع امتناع وفد المعارضة السوري من حضور اجتماع جنيف الثاني، بات واضحاً أن العمر المفترض للأزمة السورية قد يطول أكثر من المتوقع، ويبقى السؤال الذي يحتاج لمن يعمل على تنفيذ حله لا وضعه فقط: من المسئول عن كل الملايين السورية المشرّدة حول العالم اليوم وخصوصاً في البلدان المحاذية التي شهدت هجرة واسعة النطاق كلبنان والأردن وتركيا، وكيف سيتم التنسيق لتقديم خدمات الغذاء والدواء والمأوى وخدمات التعليم لملايين الأطفال الذين خلفوا كراساتهم وحملوا الورد لبيعه، وإلى متى تستطيع هذه الدول تحمل هذه المسئولية الثقيلة في ظلّ مشاكلها الخاصة التي تعاني منها سلفاً، وأين هي الدول التي دفعت بإلحاح نحو تأجيج الأوضاع السورية عبر السماح بتدفق العناصر الجهادية وتسليحها حتى أصبح السوري لا يعرف أين المهرب، فالنظام أمامه والجهاديون خلفه، وهو مذبوح مذبوح، إما لأفكاره وإما وفق هويته.

لن يطول الورد في أيدي السوريين قبل أن يتحوّل إلى دم، فرفقاً بهم وبمن يؤويهم.

إقرأ أيضا لـ "مريم أبو إدريس"

العدد 4056 - الإثنين 14 أكتوبر 2013م الموافق 09 ذي الحجة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 4:02 ص

      مقال جميل

      شكرا استاذة مريم على هذا المقال المميز والذي يسلط الضوء على البعد الانساني اليومي للشعب السوري وخطورة إستمرار الصراع في سورية وتأثيره على لبنان والمنطقة برمتها .

    • زائر 2 | 3:30 ص

      اليسوا بشرا

      لماذاسوريه والسوريين قتل وتشريدهم والضحايا هم الاطفال الابرياء اين امم المتحده من ذلك

اقرأ ايضاً