العدد 4058 - الأربعاء 16 أكتوبر 2013م الموافق 11 ذي الحجة 1434هـ

دبلوماسية الجينز التي أثارها نتنياهو!

عطاءالله مهاجراني

وزير الثقافة الإيراني السابق

(نقلاً عن صحيفة «الشرق الاوسط»)

لقيت المقابلة الأخيرة التي أجرتها محطة تليفزيون (بي بي سي) الناطقة باللغة الفارسية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ردوداً واسعة النطاق من الشباب الإيراني داخل وخارج إيران على مدى الأيام القليلة الماضية. بُثت هذه المقابلة في يوم السبت 5 أكتوبر/ تشرين الأول. وأكّد نتنياهو خلال المقابلة، على نقطتين كانتا سبباً في تغيير الجو العام للصفحات الإيرانية على مواقع الفيسبوك وتويتر والمدونات والمواقع الإلكترونية وهلم جرا. وأدت تعليقات نتنياهو إلى ظهور رد فعل قوي ومدوي بين الشباب. ولكن هل تعرف ماذا قال نتنياهو؟

صرح نتنياهو في مقابلته قائلا: «إذا كان الإيرانيون يتمتعون بالحرية لكان بإمكانهم ارتداء الجينز الأزرق، والاستماع للموسيقى الغربية».

وعقب هذا التصريح، ظهر عددٌ كبيرٌ من الصور على شبكة الانترنت. ونشر بعض الشباب، بما في ذلك هلا صدق، الشاعرة الإيرانية المشهورة والتي سُجنت بالفعل بسبب قصائدها الداعمة للتحرك الأخضر الإيراني، صوراً يظهرون فيها مرتدين السراويل الجينز. وعلاوة على ذلك، التقط بعض الشباب صوراً ومقاطع ونشروها على مواقعهم الإلكترونية. وتضمنت المناقشات أيضاً أحاديث الشباب عن أحدث ألبومات الموسيقى الغربية وأمور من هذا القبيل.

وتقول إحدى التغريدات: «نتنياهو، هنا متجر يبيع أسلحة دمار شامل في إيران»، وتظهر في التغريدة صورةٌ لمحل يبيع سراويل الجينز، وقد نُشرت هذه الصورة في الأصل من قبل وكالة أخبار إيرانية شبه رسمية.

وغرّد مستخدم إيراني آخر قائلاً: «يا نتنياهو، لقد اشتريت بنطلون جينز منذ ثلاث أيام».

إن الربط بين أسلحة الدمار الشامل وارتداء الجينز يعتبر مثالاً لروح الدعابة القوية لدى الإيرانيين. ونشر شخص آخر، وهو طالب يدرس الدكتوراه في أوكسفورد، تعليقاً مليئاً بالأفكار على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك.

إننا أمام خطأين فادحين بالنسبة لتفكير نتنياهو. فأولاً وقبل كل شيء، يعتقد نتنياهو أن ارتداء السروال الجينز يعد أمراً محظوراً في إيران. ويعرف الجميع بالتأكيد أن هذا الأمر ليس هو القضية. وثانياً: يقول نتنياهو أن إيران تريد إنتاج قنبلة نووية. وهذا تحدٍ هائل! وأود التركيز على أربع نقاط في هذا الصدد:

1) على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، نشر علي مورتازافي صورة يظهر فيها فتى إيراني يتحدّث هامساً في أذن المرشد الأعلى آية الله خامنئي. وهذا الفتى الذي يظهر في الصورة هو ابن أحد العلماء النوويين الإيرانيين الذين تم اغتيالهم من قبل إرهابيين. وتزعم إيران أن العملاء الإسرائيليين والموساد هم الذين قتلوا هؤلاء العلماء. ويرفض نتنياهو هذا الإدعاء قائلاً بعبارته الشهيرة: «لا لا، كلما يحدث شيء في إيران، فإنهم يتهمون إسرائيل ويلقون باللائمة عليها». الأمر الجدير بالذكر، وفقاً لما رصده مورتازافي، هو نوع السروال الذي كان يرتديه ذلك الفتى، حيث كان بالطبع مرتدياً سروالاً من الجينز! وكان والده قد قٌتل بسبب إسرائيل أو أن القتلة – على أقل تقدير – قد اعتقدوا بأن والده كان يقوم بإنتاج قنبلة نووية.

2) يقول نتنياهو أن إيران تمتلك حالياً 185 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب. ولكي تتمكن إيران من إنتاج قنبلة، فإنها ستحتاج إلى 250 كيلوغراماً. والآن هناك تساؤل منطقي وحساس للغاية يطرح نفسه ألا وهو: إذا وضعنا في الاعتبار أن حكم نتنياهو بشأن ارتداء سروال جينز في إيران كان خاطئاً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فكيف يمكنه إذن أن يعرب عن رأيه بشأن موضوع سري للغاية وبهذا القدر من الأهمية؟

عندما يرسل نتنياهو رسالةً خاطئةً بشأن موضوع جلي للغاية، وهو ارتداء السروال الجينز في إيران والاستماع إلى الموسيقى الغربية، فكيف يكون متأكداً بشدة من مسألة بالغة السرية مثل كمية اليورانيوم المخصب المتاح لدى إيران؟

3) يزعم نتنياهو بأنه في حال نجاح حكومة إيران في إنتاج سلاح نووي، سيستمر هذا النظام في السيطرة على مقاليد السلطة مدى الحياة. وهناك مشكلتان متعلقتان بهذه الفكرة. فبمقتضى هذه الرسالة، يرسل نتنياهو رسالة استراتيجية إلى حكومة إيران تقتضي ضمنياً وبطريقة غير مباشرة، بأنه إذا كانت الحكومة تريد البقاء في السلطة مدى الحياة، فما عليها حينئذ سوى إنتاج قنبلة نووية! بيد أن هذا الأمر أيضاً غير صحيح، حيث إننا قد رأينا جميعاً سقوط الاتحاد السوفياتي الذي كان قوة استبدادية عظمى تمتلك عدداً كبيراً من القنابل النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى، ولكن تمكّن الشعب في النهاية من إسقاط النظام.

4) في مقابلته مع (بي بي سي) الفارسية، أكّد نتنياهو على براعته وحنكته ثلاث مرات قائلاً: «لسنا ساذجين». وعلى الرغم من ذلك، فقد برهنت المقابلة التي أجراها على أنه ليس ذكياً بالقدر الكافي! عندما يكون الشخص بصدد التحدث عن موضوع، يتعذّر عليه التأكد بشأنه مع وجود حالة من التأرجح، فيتعين عليه حينئذ أن يتكلم بالاعتماد على مبدأ الريبة، فقد يستعمل، على سبيل المثال، مفردات مثل ربما وما إلى ذلك. فعلى سبيل المثال، صرّح نتنياهو بأنّه سيشهد سقوط الحكومة الإيرانية في فترة حياته. وفي هذا الصدد، هناك تساؤل بسيط للغاية يطرح نفسه: متى سيموت نتنياهو؟ من المنطقي أن الإجابة عن هذا السؤال ليست واضحة، وعليه فكيف يتسنى له الربط بين سقوط النظام الإيراني وبين حدوث ذلك في فترة حياته؟

فعلى سبيل المثال، عندما أراد شيمون بيريز، بوصفه سياسياً إسرائيلياً بارعاً، أن يتحدّث أو يصدر حكماً بشأن إيران، كان متحفظاً بشكل قاطع. ويقول بيريز في الفقرة الأولى من الفصل 19 من مذكراته: «إيران دولة لا يعرف فيها الغرباء ولا حتى أكثر العالمين ببواطن الأمور ما يدور في كواليس الأحداث» (شيمون بيريز، المعركة من أجل السلام، صفحة رقم 210).

لقد أخفق نتنياهو في دبلوماسية الجينز الخاصة به، حيث ألقى بالمزيد من الشكوك حول مدى قدرته على التكهن بمستقبل النظام الإيراني.

وعلاوة على ذلك، تحوّلت مقابلة نتنياهو إلى كابوس كبير لـ (بي بي سي) الفارسية، مما يعني أن بنيامين نتنياهو قد تسبب في مشكلة عويصة لـ (بي بي سي). فقد قرأت ما يزيد عن 2700 تعليقاً على صفحتها على موقع الفيسبوك كرد فعل على المقابلة التي أُجريت مع نتنياهو، تشير جميعها إلى أن المقابلة الرسمية للغاية وغير المثيرة للجدل مع نتنياهو خلقت موجة جديدة وقوية معادية لإسرائيل. ويمتلك الجيل الجديد في العالم، بما في ذلك الأجيال الموجودة في إيران، روح دعابة قوية. وتعتبر هذه النزعة إنجازاً عظيماً من إنجازات عصر وسائل الإعلام الاجتماعية. ولك أن تتخيّل إمكانية قراءة وترويج أكثر من 2700 تعليقاً، وفي ظل التعامل مع شبكة الانترنت المفعمة بالحيوية، ستجد رد الفعل على معظم هذه التعليقات.

إقرأ أيضا لـ "عطاءالله مهاجراني"

العدد 4058 - الأربعاء 16 أكتوبر 2013م الموافق 11 ذي الحجة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 3:56 ص

      فلسطين والبحرين والعراق كما السودان و...

      الكذب في أمريكا قد يقال مشرعن لكن المسلمون لا يقول الزور ليس فيه ذب أو ليس فيه إثم. هنا الكذب الأمريكي أوصلهم ومنهم البيت الأبيض الى الهاويه والى توظيف الدعايه والإعلان المغرض من أجل بهرجه ورسم صوره كاذبه عن إقتصادها المنهار. فلم يعد سرا أن اليوم البيت الأبيض بلا ميزانيه. وقد حذر وأنذر خبراء البنك الدولي ومؤسست النقد الدولي عن إنهيار تام قريب لأمريكا وقد يصل الأنهيار الى أوربا كما الى بقية دول العالم. يعني أين التقدم؟ من قلة الأخلاق في نهب الشعوب؟

    • زائر 3 | 3:04 ص

      العبريه والعربيه

      يقال نتن يا هو يعني عطية الله وليس عبد الله بالعربي فبينما رئيس وزراء يحب التجاره ويرضى على الفلسطنيين أن يقتلوا ويذبحوا وينكلوا وينقلوا من أرض الى أرض و... فهل هذا إنسان سوي أو غير سوي أو من أعوان إبليس على البشر؟ وهل رئيس حكومة قتل وتعذيب وبطش بأبنا من أبناء آدم؟

    • زائر 2 | 2:18 ص

      التطور

      اعتقد علي نتنياهو ان يستبدل المخابرين والجواسيس التابعين له في ايران ، ايران اليوم لا تهتم لا بالجينز ولا بالهامبركر ولا بالروك وغيره ، الكل شاهد الايرانين والايرانات وهم في احلي واكشخ الموديلات وهم يجارون الوضه ، هذا عقل وتفكير المتخلفين ينظر للشكل وينسي ان ايران اصبحت متفوقه عسكريا وطبيا واقصاديا وذلك بسبب لابسي الجينز ومتابعي الموضه ونام يا نتنياهو

    • زائر 1 | 1:13 ص

      اي والله

      إذا كانت اسرائيل (بكل ما تملك من قوة مخابراتية ودعم المجتمع الدولي) غير قادرة على أن تعرف هل المراهقين الإيرانين يلبسون الجنس أم لاء ..
      كيف ستعرف أين البرنامج النووي؟

اقرأ ايضاً