العدد 4132 - الأحد 29 ديسمبر 2013م الموافق 25 صفر 1435هـ

الذين لا يتعظون من التاريخ... والمستقبل الذي لا يمزح!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

المُلازم لقراءة التاريخ، المتمعّن في حماقات وطغيان وتفاهات وغرور ووهم وغيبوبة وصَلف وانفصال الذين قُدّر لهم أن يديروا شئون أممهم وشعوبهم، يخرج بنتيجة حاسمة فصْل: لم يتعلّم أحدٌ بعدهم؛ وإلا لما تكرّرت الحماقات والطغيان والتفاهات والغرور والوهم والغيبوبة والصَلف والانفصال عن الذين قُدّر لهم مئات وآلاف المرات أن يديروا شئون أممهم وشعوبهم بكفاءة استيعاب الدرْس!

***

من لم يتعلّم من التاريخ. سينشغل بحاضر متخلّف معوّق مخْترق مُشرع الأبواب لارتكاب مزيد من شروط وأسباب ورود المهالك. جزء من رخاوة الحاضر وانكشافه وسهولة اختراقه. جزء من صور ومضامين تخلّفه. جزء من شهوة الذهاب به إلى المجهول. جزء من الاضطراب والقلق والضياع والإحساس بالتفاهة، أن التاريخ كان بمعزل عن حركة الحاضر بتجنّب ما يسيء ويأخذ بسياسات الحاضر إلى الانفصال والنأي عن واقع وحركة حياة لا يمكنها أن تتعامل مع المنتشين بفعل تعاطي الوهم وهلوساته؛ تطلّعاً إلى قيادة بشر وأمم وهم على درجة رديئة من الإمكانات التي لا تؤهلهم لقيادة قطيع!

***

من لم يتعلّم من التاريخ، من باب أولى أن يغضَّ النظر والحديث أيضاً عن المستقبل. المستقبل ليس جاريةً في السرير. ليس غلاماً يتم التعامل معه كآلة بكبسة زُرٍّ مطلوب منه أن يقف على تحقيق المطالب، والسهر على راحة «السيد» الذي وُجد في هذا العالم كي تتحقق مستحيلاته، وهو عاجزٌ عن قضاء حاجته كما يجب لولا جحافل ممن يسهرون على ذلك وبأناقة وسريّة!

***

لم نسمع عن مستقبل جاملَ، أو تناسى شروط الذين يحضرون ويكونوا منتسبين لدائرته. الحاضر يفعل ذلك. التاريخ في كثير من أخطائه كان حاضراً مليئاً باستبعاد الشرط؛ وخصوصاً لمن يملكون المال والقوة. شرطان يؤهلان أي لص وقاطع طريق ونكرة أن يحتل المشهد. الحاضر أيضاً. من يحتلونه في دنيا الناس من دون رضا وتوافق واقتناع وشرعية، هم أيضاً ليسوا بمنأى عن ذلك التوصيف. تلك سُنّة في النظر والتتبّع والأثر، والأهم من كل ذلك، وفرة الشواهد، وتكرار نماذجها في دنيا الناس.

***

ومن لم يتعلّم من التاريخ أيضاً، لا ينتظرنّ الثقة برفع هامته أمام الحاضر. والذين قُدٌر لهم لسبب أو آخر أن يكونوا في ذلك التصنيف من المكان (الهامش) هم أيضاً معنيّون بالطرق والشروط والأسباب التي تُخرجهم من عار ذلك التصنيف؛ ليس بتبرّعهم كي يكونوا وقوداً لتلك الدائرة المغلقة على الموهوبين من أفرادها في انتخاب ما يريدون نسيانه، وتبنّي ما يريدون تذكّره بحسب مقتضيات الحال، وبحسب مقتضيات الضرورة التي لا تترك لهم مجالاً لاختيار أو انتخاب!

***

وبالعودة إلى المستقبل، من لم يهضم التاريخ تمثّلاً لمحاسنه، وشواهده المضيئة، وتجنُّباً للعار من الأداء فيه؛ لن يشعر به الحاضر؛ وسيكون سُبَّةً في تفاصيله، ولا أمل له في المستقبل الذي لا يمزح، ولا يجامل ولا يبحث في تاريخ الأنساب والعائلات، ولا يهتمُّ بالأرصدة المصرفية، ولون البَشَرَة والعينين، ولا يكترث بتفاصيل البنْية الجسمية، ولا يعير اهتماماً باللعب بالبيْضة والحجَر، وتزوير شهادات الكفاءة. يهتمُّ فقط بسجلِّ حاضر برحْته، وليس بالضرورة أن يحاسبك على تاريخ لم تُسْتَشَر في بذاءته وفظاعته وتجاوزه. حتى المستقبل معنيّ في صورة أو أخرى بـ «ولا تزر وازرةٌ وزْر أخرى».

***

وفي التمييز العنصري والإثني حكايةٌ فيها أكثر من فخٍّ يقدّم لنا التاريخ فيها درساً لا أحد يريد استيعابه أو الوقوف عليه، وتستمر آلة الجحيم توهّماً منها بتخليص الأرض مما تظنه عبث التنوع الذي أراده الله.

وعلى ذكْر أن المستقبل لا يمزح ولا يبحث في تفاصيل الأعراق والأنساب كمدخل لولوجه... يُرْوى أن عبدالملك بن مروان دخل المسجد الحرام، فرأى حلق الذكر والعلم، فأعجب بها كل الإعجاب وجعل يتأمل ويبتسم، ثم أشار إلى أخرى قال: لمن هذه؟ فقيل: لميمون بن مهران. وأشار إلى أخرى وقال: لمن هذه؟ فقيل: لمجاهد. فأشار إلى أخرى وقال: لمن هذه؟ فقيل: لمكحول، وكلهم من أبناء الفرْس.

فتعجَّب من ذلك، فلما رجع جمع أحياء دمشق وقال: يا معشر قريش، كنا فيما قد علمتم، فمنَّ الله علينا بمحمد وبهذا الدِّين القويم، فحقّرتموه حتى غلبكم أبناء الفرْس، فلم يردّ عليه أحد، إلا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فقال: «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم». ثم قال عبدالملك: أرأيت كهذا الحيّ من الفرْس؟ ملكوا من أول الدهر فما احتاجوا إلينا، وملكناهم فلم نستغْنِ عنهم ساعة!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4132 - الأحد 29 ديسمبر 2013م الموافق 25 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 7:40 ص

      وصلت الفكرة

      لله ذرك ياإبن الجمري جعفر كل ما قلته عبر فهل من معتبر

    • زائر 1 | 6:14 ص

      قمع الانتخابات

      الناس تعشق العبودية انظر فى مصر كيف يقيمون الاحتفالات لحكم العسكر ..مع انى ضد الاخوان لكن تلك حقيقة مرة .

اقرأ ايضاً