العدد 4149 - الأربعاء 15 يناير 2014م الموافق 14 ربيع الاول 1435هـ

كاميرا مراقبة لكل مواطن!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

صدرت الصحف الخميس الماضي بعناوين رئيسية شبه موحدة، عن نشر الكاميرات الأمنية في كل دوّارات وشوارع وأزقة البحرين.

هذه البشارة الثقيلة، تأتي تتويجاً لنبوءة الصحافي البريطاني جورج أورويل، الذي نشر روايته الشهيرة «1984»، في العام 1948، بعد ثلاثة أعوام فقط من نهاية الحرب العالمية الثانية، التي استمرت سبعة أعوام، وتسببت في مقتل أكثر من ستين مليون نسمة، من مختلف البلدان والقارات.

كان أورويل يتنبأ بالنظام الذي سيخرج من بين أنقاض المدن المهدّمة، والشعوب التي قدمت أنهاراً من الدماء لإرضاء غرور مجموعةٍ من القادة السياسيين الطامحين لبناء أمجادهم الشخصية على أشلاء ملايين الضحايا. ومع إيمانه بالأفكار الاشتراكية، كان يحذّر من نزعات الحكم الشمولي، وغياب العدالة الاجتماعية، حتى في الاتحاد السوفياتي.

أورويل كان صحافياً يكتب الشعر والنقد الأدبي والشأن السياسي العام، لكنه اشتهر بعملين روائيين، هما اللذان ضمنا لاسمه الخلود: «مزرعة الحيوان» (صدرت عام 1945)، و«1984» (صدرت عام 1948). وهناك من النقاد من يرى أن الرواية الأولى كانت تحذّر مما ستؤول إليه أوضاع الاتحاد السوفياتي من تسلّط الحزب الحاكم وتحوّله سياسياً من بلدٍ واعدٍ بتحقيق الأحلام الكبرى في العدالة الاجتماعية، إلى «مزرعة حيوانات»، بينما الرواية الأخرى (1984)، تحذّر مما ستؤول إليه أوضاع الدول الغربية، مع تسلّط الحكومات.

مع حلول 1984، عام النبوءة، كُتب الكثير عن هذه الرواية، في عملية استرجاعٍ ومقارنةٍ للأوضاع التي بلغتها تلك البلدان، والنبوءة التي أطلقها أورويل حول تسلط «الأخ الأكبر» وتحكّمه في مصائر ملايين الشعوب في أكثر البلدان ديمقراطيةً.

هذه الأعمال الرائدة المحذرة من المستقبل المعتم، ظلّت مؤثرةً على الثقافة السياسية للشعوب، حيث ظلت كتاباته تقرع الأجراس لديها، خوفاً من أنظمة الحكم الاستبدادي والنخب السياسية المتسلطة عليها. كما تسللت تعبيراته وتوصيفاته ومصطلحاته إلى الأدب السياسي، مثل «الأخ الأكبر»، و«شرطة الأفكار» و«جرائم التفكير»! مثل هذه الريادة والتأثير هو ما دعا «التايمز» قبل أعوام، إلى وضع أورويل في المرتبة الثانية في قائمة أعظم 50 كاتباً بريطانياً في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

الشعوب التي تتمتع منذ قرن أو قرنين، بحرياتها الطبيعية وتجاربها الديمقراطية الراسخة، تتحسّس من أية تدخلات أو تطفلات للدولة في شئونها، والتنصّت عليها. الحرية أمرٌّ مقدّس، لا يخضع للمساومات السياسية أو المجادلات السطحية، والاخذ والرد. ولذلك تثور الزوابع كلما قرّر رئيسٌ أن يفرض قيوداً جديدة، أو يمنح الأجهزة السرية سلطات تتجاوز حدود الصلاحيات التي يمنحها القانون، وكل ذلك تحت رقابة ومحاسبة ممثلي الشعب.

في تلك الدول، يتحسّسون كثيراً من أيّ مساسٍ بهامش حرياتهم، إذ يعتبرونها الضامن الأول لاحترام كرامتهم الوطنية ورفاههم الاقتصادي وأمنهم الاجتماعي. فلا تخرج الصحف لتبشّرهم بسن البرلمان قوانين أكثر تشدداً وصرامةً حتى على من يقدّم معونةً للمعوزين أو عوائل السجناء بدعوى محاربة الإرهاب؛ أو نشر كاميرات في كل شارع وزقاق لفرض المزيد من الرقابة الأمنية الخانقة، استكمالاً لحصار الأسلاك التي تطوق المناطق التي تعاني من الحرمان والإهمال.

حين يقرأ القارئ الأجنبي مانشيتات صحفنا التي تبشر بنشر الكاميرات في كل شارع وزقاق، سيتذكر حتماً روايات جورج أورويل... «مرحباً بك في هذه الدولة البوليسية».

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4149 - الأربعاء 15 يناير 2014م الموافق 14 ربيع الاول 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 6:57 ص

      الكاميرات آخر موديل

      الظاهر هذي الكاميرات ذكية تمييز بين الشيعي والسني

    • زائر 10 | 3:29 ص

      مقارنة في قير محلها

      غريب جدا ان مقال السيد يحذر من نشوء دولة بوليسية وبعض القراء يقارنونها بامريكا. أمريكا فيها حكم الشعب للشعب وليس هناك رئيس يحكم بما يريد وهو فوق السلطات.

    • زائر 9 | 3:11 ص

      الادب

      من أمن العقوبة أساء الادب ...من الرغم وجود كميرات وتصوير للجرائم الا أن تطبيق القانون يكون ع االفئة المستظعفة ف االبلاد وخير دليل غزوات جواد رغم وضوح المجرمين من قوات الامن الا أن عمك أصمخ.

    • زائر 8 | 1:58 ص

      v

      أمريكا مو قدوة بس جدلا, حنا دائمين السفر لأمريكا , وين بالضبط كل كاميرات !!!
      غير المحلات التجارية والمجمعات !!! كاميرات على سيارات الشرطة حرصا على معاملة المواطنين و قرائة حقوقهم حتى لو كانوا مجرمين..
      خل يحطون كاميرات كل مكان بس شالفايدة اذا ما كانت الفيديوات دليل قاطع!!!
      فيديو الصفعة , ولا غزوات جواد ولا مباراة لاعب فيها متهم بجرم ارتكبه في نفس الوقت ....

    • زائر 7 | 1:29 ص

      ليس غلط

      ليس غلط تركيب كاميرات في كل دول متقدمة يديرون شوارع بالكميرات ،الا على قولت مثل لا تبوق لا تخاف يعني كاميرا فيها كثير من فوائد.
      يا ما جرائم انكشفت في سرعة بسبب منافع كاميرات ،اذا ماتبون تقدم شيلو كاميرات الي على بيوتكم ،قطو تلفوناتكم و و و و ،مالكم حل بحرينيين

    • زائر 11 زائر 7 | 4:17 ص

      مشكلة

      المشكلة انه الكاميرات ذي بتكون على ناس وناس ياخوي..

    • زائر 6 | 1:00 ص

      ....

      انا دايم السفر لامريكا وابشرك الكاميرات في الشوارع/الاحياء/المطاعم وكل مكان ولانهم شعب محترم ما يهمهم جم كيمرا موجوده لان في مثل يقول لا تبوق لا تخاف......

    • زائر 5 | 12:45 ص

      سيدنا من ضعفهم يصنعون ذلك ومن قوّة حقنا لن نعمل في الخفاء

      نحن اصحاب حقوق لذلك لن تخيفنا هذه الكميرات ومن يتوقع انها ترهبنا نقول له انت واهم
      سنظل نطالب بحقوقنا شهارا نهارا دون تردد
      هاهم يعتقلون كل يوم وجبة كبيرة منا ولكن الحراك مستمر

    • زائر 4 | 12:31 ص

      كاميرات

      سيدنا على طاري الكاميرات المناقصة رست على من من الجماعة وقيمتها جم لان الكاميرات انواع فيها حسيب ورقيب مثل الملائكة لكن كل شيئ اعوج في هذا البلاد الصغير حسبنا الله ونعم الوكيل

    • زائر 3 | 12:12 ص

      تغول الدولة

      هذا يسمونه تغول الدولة وبروز الدولة البوليسية. بما يهدد حريات الشعوب والتطاول على حقوقها .

    • زائر 2 | 12:02 ص

      هاجس الخوف معشعش في عقولهم

      لم ولن يرتاحوا من هذا المأزق الذي وضعوا أنفسهم فيه ففضلوا المرتزق على المواطن حتى أصبحوا كالغرباء في الوطن يحيطهم مرتزقتهم والمنافقون اامتمصلحون ...أيضاً

    • زائر 1 | 11:33 م

      انا لا تخيفيني وجود الكاميرات في الشارع..

      فجميع تحركاتي مكشوفة لمن يريد أن يعرف، فالبطاقات البلاستيكية التي تملأ المحفظة هي خارطة طريق تحركاتك ففي كل مرة تتستعمل بطاقة الفيزا او البطاقة الشخصية تحدد مكان وخوذك باليوم والساعة والدقيقة والثانية، ولا ننس الهاتف النقال يتيح للعم سام رؤيتك علي بعد آلاف الاميال وما كشفته تسريبات سنودان الا جزء من الحقيقة. يقول المثل " لا تبوك ولا تخاف"

اقرأ ايضاً