العدد 4181 - الأحد 16 فبراير 2014م الموافق 16 ربيع الثاني 1435هـ

بمنطق الأشياء أيضاً: القمع لا يحقق استقراراً

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

لا يثور الناس، ولا يحتجُّون إلا حين تُمسُّ كرامتهم وقيمتهم، وحين ينعدم شعورهم بأنهم مخلوقات لا وجود ولا أثر يدل عليها. لا ينتفضون إلا حين يولدون ويكبرون وقد صودرت أحلامهم وما يملكون، لصالح الذين يملكون كل شيء ويحددون للناس نوع وطبيعة الأحلام التي يجب أن يحلموا بها، والكوابيس التي يجب أن يحرصوا عليها!

صمت الناس وركونهم لا يمكن التعويل عليه والاطمئنان إليه؛ ولو طال أو كاد أن يتأبَّد. في صمتهم كثير سعَة وتقليب للخيارات، وانتخاب للطريقة التي يضعون فيها حدّاً لعقود من الامتهان والإذلال والحطّ من الكرامة.

أكثر ما يُخيف هو الصمت والنوم على الجراح والآلام. حين ترتفع أصواتهم احتجاجاً على الخلل فيجب استثمار ذلك لتدارك ما يمكن تداركه وإصلاح ما يمكن إصلاحه. في ذلك فرص للذين استبدوا بالحياة كي يعيدوا إليها توازنها وشيئاً مما يدل على طبيعتها.

الإنسان من دون استقرار وطمأنينة لا يكون على صلة مع الإنجاز والفعل الذي يدل عليه. اشتقاق صفته كإنسان من الأُنْس. وفي الأنس استقرار واطمئنان. ما دون ذلك طارئ. طارئ بالانحراف الذي ينتاب محيطه والممسكين بذلك المحيط. ذلك الانحراف له أثره على استقراره وطمأنينته، ولن يتمخّض عن ذلك إلا النقيض: هبّات وقلاقل وسعيٌ إلى إرجاع الأمور إلى حيث تكفل منطقاً ومعنى لاستئناف الإنسان دوره في السويّ من المسارات، والطبيعي من التعاطي معها وهي معافاة من الانحراف والشاذّ من النظر.

جزء من مشروع تحصين الإنسان، مقاومته لما/ من يتجاوز حقه ويتعدّى حدوده. كائناً من/ ما كان. ذلك حق كفلته الفطرة وأقرّته الشرائع السماوية والوضعية، وحتى منطق الأشياء!

وبالحديث عن منظومات الحقوق والقوانين الدولية؛ ثمة تركيز على حق أي دولة في مكافحة ومحاربة وقطع دابر التجاوز، وهو تركيز ماثل بصريح القوانين وبنودها. في الجهة الأخرى لا صريح في القوانين تلك وبنودها حين تمارس بعض الأنظمة مثل ذلك التجاوز وما بعده بمراحل، قمعاً وتنكيلاً وإرهاباً منظّماً. وإن وُجدت مثل تلك القوانين، لن تجد أثرها في دنيا الذين تضرّروا وما يزالون. لا جهة ستدين مادامت في فلك التواطؤ، وتعاني حَوَلاً ترى ما يُراد رؤيته وتتغاضى عمّا يُراد التغاضي عنه.

***

استمرار التعامل مع البشر تحت مظلة وهْم «الدولة» باعتبارهم أرقاماً؛ بحسب المفارقات والاختلافات في الألوان والمذاهب والاعتقادات والقناعات، وباعتبارهم أصولاً يمكن تسييلها وقت الحاجة، والاستغناء عنها تبعاً للظروف، لا يخلق استقراراً أيضاً. يخلق حالاً من التحفّز والتوتّر واستدعاء ملَكَات التخيّل والوهم بوضعهم في خانة المؤامرة والخيانة والارتباط بأجندات ومسوّدات خارجية في بسْتَرَة وتسخيف وقفز على واقع الحال، وهروب من عقود من التجاوز والقفز على المسلمات والبديهيات والفطرة. وحين ينفرط عقد كل ذلك لا سياسي في الدنيا ولا مدّعٍ بأنه المتحدث باسم الله والفضيلة يجرؤ على قدرة وضع حدّ لذلك الفوران والانتفاض والاحتجاج.

«دول» تكون على اتصال وامتداد مع الماضي في جانبه القبيح والمرعب والمتجاوز، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تدّعي قدرتها على التعاطي والتعامل مع الاستقرار؛ بانشدادها إلى النقيض منه، واعتزازها بموهبة الظلام والظُلامات فيه. وجدت لتعمّق حالاً من القطيعة، وتؤصّل لتقطيع أواصر العلاقات كي تكون - كما تتوهّم - في منأى عن التفرّغ لها والالتفات إلى سوء وخطر حضورها في دنيا الناس!

***

في المقابل، ثمة نماذج نعاينها في دنيانا تضع شروطاً لتثبيت عبوديتها وارتهانها للوضيع من المؤقت، والساذج من إملاء الخيار عليها، والقابلية وشهوة التواطؤ لمجاميع لا تفكّر في حدود ما يخرج من فضلاتها؛ ضد المقابل لها؛ رفْضاً لاختزال الإنسان في دائرة شهوات ومطالب تجعله ضمن حدودها المؤقتة تطابقاً معها، وتآمراً على الذين يذهبون إلى الضدِّ من ذلك التسخيف والتحقير وارتهان الإنسان والحقوق والحياة للعابثين بكل ذلك وإن استنفرت أجهزة إعلامهم في صُفْرة بيانات وصِفْرها، لأن ذلك في بداية المطاف ونهايته لا يصنع واقعاً يثق بصلابة الأرضية التي يقف عليها بقدر ما يكشف عمّا دون الهشاشة بمراحل!

مثل أولئك جزءٌ من منظومة الفوضى والقمع، وأحد الشريانات الرئيسة المغذّية لهما، في واقع لا يحتاج إلى كثير تمعّن وعمق نظر!

ومن الجمالية في الحياة، وفي تفاصيل الناس خصوصاً، والأمم عموماً، أن يتم ضبط إيقاع الاستقرار والاطمئنان. تلك واحدة من أصعب وأعقد المهمات التي أهملها الإنسان انشغالاً وارتباطاً بتفاصيل معاشه؛ مُهْملاً ما بعد ذلك المعاش، وخصوصاً في حدوده المؤقتة. المؤقتة بمعنى ما يجرّه ذلك المؤقت من ورَط لن تعِده بمنافذ وصول، أو أفق معنى لكل ذلك. سيكون رهين دائرة العدم وعبداً لها.

ثم إن كل إنجازٍ مذ عرفت البشرية قوتها واستواءها، لم يتأتَ إلا بالاستقرار والطمأنينة. ولا يتحقق كل ذلك بعيداً من صيَغ اتفاق واقتناع في الوقت نفسه: أن توهّم الخروج على الاستقرار والطمأنينة بمزيد من القبضات وسوْس الناس بالحديد والنار هو استدعاء واستجلاب وضيافة للشقاء والقلاقل والخراب في بيت كان أو حصن.

***

الاستقرار والطمأنينة أن تثق بجدوى الحياة مع من يدرك مركزية ذلك. خلاف ذلك، هي دعوة مفتوحة لمهرجانات وكرنفالات فِتَن واضطراب!

ثم إنه يجب الاطمئنان ولعن كل استقرار بشروط الفوضى والقمع والآلة التي تديرهما؛ بل هو اللعنة من دون شك!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4181 - الأحد 16 فبراير 2014م الموافق 16 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 8:08 ص

      رائغ

      مقالاتك دائما في الصميم

    • زائر 6 | 2:23 ص

      !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

      الارهاب لايحقق الاستقرار!!!!!!!!!!!!!!

    • زائر 4 | 12:08 ص

      القمع يولّد عناد الشعب والعناد يولّد الاصرار والاستمرار وهي دوامة لا تنتهي

      القمع يولّد العناد والاصرار والعناد يولّد الاستمرار في الاحتجاجات والذي بدوره سيولّد القمع من جديد وهي دوّامة لن نخرج منها
      هذا هو واقع الامر والتفنن في اشكال القمع يزيد البلد دخولا في دهاليز العنف ومن ثمّ حتى يرمى هذا الشعب بالارهاب
      انظر اليها كلها دورة متكاملة

    • زائر 3 | 11:58 م

      المختار الثقفي

      (ثمة نماذج نعاينها في دنيانا تضع شروطاً لتثبيت عبوديتها وارتهانها للوضيع من المؤقت، والساذج من إملاء الخيار عليها، والقابلية وشهوة التواطؤ لمجاميع لا تفكّر في حدود ما يخرج من فضلاتها)..
      فعلا هي فضلات وإن خرجت من غير مخرجها المعتاد... نعم هي فضلات من دماء وفضلات من وسوسات الشيطان وفضلات من قيء وحش يحسب في على الإنسان والانسانية بريئة من انتمائه لها لكونه في صورتها..

    • زائر 2 | 11:56 م

      مقاااااال رائع

      سلمت الانامل

اقرأ ايضاً