العدد 4189 - الإثنين 24 فبراير 2014م الموافق 24 ربيع الثاني 1435هـ

أسد البحار وقرى البحرين

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

إن من يضع نظارة الطائفية على عينيه، أو يستخدم عدسات الخبث حين يقرأ التاريخ الصحيح، يجعله لا يرى أبعد من أرنبة أنفه، ولا يشمُ إلا ريح البغض والكره تجاه الآخر. وهاتان الصفتان من جنود الجهل كما أسلفنا، فتراه يعمد إلى قلب حقائق التاريخ، وفق ما يرى بعدسته، فيخرج من فئة المؤرخين إلى خانة المخرّفين.

وبناءً عليه، فبعض من يستخدم النظارة والعدسة المذكورة أعلاه، يقوم بمهمة تدمير عقول وأفكار الناس عن طريق القطع واللصق لبعض المعلومات التاريخية بهدف تشويه التاريخ المكتوب أساساً، وهذا ما ابتُليت به بعض كتبنا الدراسية للأسف، ونضرب مثلاً بسيطاً هنا من عشرات غيره. ففي كتاب للربان أسد البحر الزّاخر شهاب الدين أحمد بن ماجد الموسوم بـ «الفوائد في أصول علم البحر والقواعد والفصول»، وبالمناسبة هو من إصدار مركز الدراسات والوثائق في الديوان الأميري برأس الخيمة وليس من جهة المعارضة؛ به وصفٌ لجزر أوال وتحديداً في الفائدة العاشرة من هذا الكتاب، إذ يقول «الجزيرة الثامنة، وهي البحرين المتقدم ذكرها، وتسمى أوال. وفيها ثلاثمائة وستون قرية، وفيها الماء الحالي (العذب) من جملة نواحيها. وأعجب ما فيها مكان يقال له القصاصير (الجواجب)». وبما أن من يضع العدسة الطائفية لا يعجبه حديث ابن ماجد عن وجود هذا العدد من القرى في أوال؛ لذا وبكل سهولة، يقوم بعملية القطع المغرضة لما كتبه الرجل فيحذف هذه العبارة «وفيها ثلاث مائة (وستون) قرية»، ويعيد كتابة الفقرة السابقة بدونها مدعياً أنه كاتبٌ موضوعي في التاريخ، وكأنه يشارك ابن ماجد فيما كتب! فيا سبحان الله في بعض خلقه.

حقيقةً، لا نعلم ما سر هذا العداء لمن يذكر بأن جزر البحرين في القرن الخامس عشر للميلاد زاخرة بالقرى وبأهلها وبمياهها العذبة؟ ولا أدري ما سبب هذه الحساسية المبالغ فيها من كلمة «قرى»، ما دمنا ندّعي حب الوطن، ومن وصف قرى البحرين وعددها؟ فالدول الخليجية الأخرى تفاخر بالحديث عن أقدم مستوطنةٍ أو قريةٍ على أراضيها، بل وتحاول البحث عن زيادة أعداد القرى والمناطق المأهولة بالسكان وبالحضارة التي كانت تحويها منذ القدم؛ وهنا يكره البعض حتى مجرد سماع أن مؤرخاً وملاحاً مثل أسد البحار ابن ماجد، يتحدّث عن وجود قرى البحرين قبل حوالي 500 عام من الآن، بل وكم تمنى هؤلاء لو أن ابن ماجد لم يولد في هذه الدنيا، ولم يذكرها أساساً!

وطلبتنا المساكين يتلقون هذه المعلومات المنقوصة والمجتزأة وكأنها حقيقة تاريخية لا غبار عليها، فإذا تخرجوا وتعرضوا لنقاش ما في هذا الجانب تراهم يرددون نفس ما تم حشو أدمغتهم به تجاه ما ذكره ابن ماجد عن قرى البحرين، فيتم السخرية من معلوماتهم حين يكشفها غيرهم أمامهم! حتى أن محقق كتاب ابن ماجد (إبراهيم خوري)، ولأنه لم يلبس النظارة الطائفية حينها؛ فقد وضع عنواناً طبيعياً لهذه الفقرة وهي «كثرةُ القرى في البحرين»! وكما ذَكرت، كذلك هذا النص بكامل عباراته، الباحثة الآثارية الفرنسية (Monik Kervran) في كتابها الموسوم بـ (Bahrain in The 16th Century: An impregnable Island) وهو من سلسلة كتاب مجلة «البحرين الثقافية»/ ع- 6.

أما البعض الآخر ممن يستخدمون نفس العدسات المذكورة أعلاه؛ فيقومون باجتزاء فقرات من كُتب الآخرين، لا من ترجمات يقومون بها هم للتاريخ في الفترة البرتغالية، فيتخبطون شرقاً وغرباً علهم يجدون ما يشفي غليلهم، ويعودون بخفي حنين متلبسين بأخطاء تاريخية قاتلة لا تصمد حتى أمام النسيم فكيف بالزمهرير. ومن تلك الأخطاء اسم الرجل العربي المسلم الذي نصبه البرتغاليون لحكم جزر البحرين بعد حربهم ضد الجبور وإسقاط دولتهم وقتل ملكهم مقرن بن زامل الجبري؛ وكتبته المصادر البرتغالية بحروف برتغالية مختلفة بين (Lucat) أو (Bucate)، إذ سرعان ما أفتى جهابذة التاريخ والتحليل لدينا، وهم أبعد ما يكونون عن اللغة البرتغالية وأصولها اللاتينية، بأن هذا الاسم يعني (بركات)! وألبسه بعضهم لبوساً طائفياً، تصوّروا، جاعلاً منه مادةً دسمةً، في نظرهم، لضرب شقيقه في الوطن.

وبنفس العدسة الغريبة، يطبّل البعض لشخصية عربية أخرى، ليس بيننا وبينه أي موقف عدائي، ويلبسها نفس اللباس الطائفي، حين يدعون بأن حسين بن سعيد (أو سيف) الجبري كان حاكماً لجزر البحرين خلال ثورة الخليج الكبرى التي قادها (توران شاه) ملك هرمز بمساعدة وزيره شرف الدين الفالي. وان سكان البحرين قاموا بقيادة حسين هذا، وليس غيره، بشن هجوم مفاجئ على القلعة (في ساحل كرانة)، وهو من قبض على حاكم الجزيرة البرتغالي وجنوده وشنقوهم على بعض أشجار النخيل. وهذا، لعمري، نوع من الخيال العاطفي نُقل حرفياً من كتاب عربي آخر هو «السلطنة الجبرية»؛ غير متخصص ولم يطلع أصحابه على الوثائق البرتغالية، وهي المصادر الوحيدة لما يحدث آنذاك، وهم نقلوه بدورهم عن آخرين بتصرف كبير يُلغي النص البرتغالي الأصل في وثائقهم وحولياتهم في القرن السادس عشر. بينما الحقائق التاريخية تثبت بأن ليس هناك شخص اسمه حسين الجبري قام بثورة أو حَكم البحرين تحت إشراف البرتغاليين، وحتى ما ذُكر في مجلة «الوثيقة» في عددها الرابع لعام 1988 عن حسين بن سعيد، كان مجرد افتراض من كاتب المقال وليس معلومة موثقة، ونتحدى أن يتم إثبات ذلك من الوثائق والمصادر البرتغالية.

ولوضع حجرٍ يسد هذه الكوة المزيفة للتاريخ، نذكر معلومة سريعة أوضحتها كل الوثائق والمصادر البرتغالية، بأن من خطط وقام بثورة الخليج الجماعية الأولى ضد البرتغاليين في ليلة الثلاثين من نوفمبر لعام 1521؛ هو ملك هرمز (توران شاه) ونوابه في المناطق التابعة له في الخليج ومن ضمنها البحرين. ذلك أن ملك هرمز، وبعيداً عن العاطفة أيضاً، هو الذي ساعد القادة البرتغاليين، (انتونيو كوريا) وشقيقه، في غزو البحرين وهزيمة جيش الجبور وقتل مقرن بن زامل، وبالتالي كيف يسمح ملك هرمز لعدوه من الجبور بحكم البحرين بعدها؟! بل ويأمره بالقيام بثورة ضد البرتغاليين أيضاً، إلا إذا اعتبرنا أن حسين الجبري هذا منافق و»خائن» لأمته وبلده، وهذه إشكالية أخرى تحتاج مناقشة قادمة، ولا أظن هي دليل على أية جذور تاريخية لأحد.

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 4189 - الإثنين 24 فبراير 2014م الموافق 24 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 1:13 م

      عبدالرحمن

      ارجوا منكم اخباري عن كيفية التواصل مع الدكتور احتاجه في موضوع اكاديمي ولم اجد طريقة للوصول اليه

    • زائر 10 | 11:15 ص

      يا استاذ

      يا استاذ انهم يزورون التاريخ الان فهذا الطاغية صدام حسين بطلا وباني العراق ومحرره وهذه ثورة العشرين عام 1920 التي قام بها ابناء الفرات الاوسط والجنوب قد قام بها حارث الضاري واهل الفلوجة والموصل والرمادي وليس ابناء الوسط والجنوب العراقيعندهم . فكيف بتاريخ مر عليه اكثر من اربع او خمس قرون ؟ انهم قوم , كل ما فيهم مكذوب و مزيف ...ا
      علي جاسب . البصرة

    • زائر 9 | 8:42 ص

      360 قرية

      لو افترضنا بأخذ الحد الأدنى من السكان في كل قرية على أنه 100 شخص فقط و ضربناه في 360 لوجدنا عدد سكان البحرين 36000 وهو عدد مهول بالنسبة لتلك الفترة، أكبر بكثير من العديد من المدن الأوروبية المشهورة حالياً آنذاك.

    • زائر 8 | 3:33 ص

      تاريخ

      تاريخ أوال يمتد ال مئات السنين بل الاف السنين لكن الكتب الدراسية الخاصة بالتاريخ البلد لا تروي الحقائق سوى بضع من السنين ناسية الحضارة التي حضيت بها هذه البلد لاسباب سياسية بحتة.

    • زائر 7 | 2:49 ص

      حتى انت يا مسكين / اخوكم سندارة

      لم تسطع الصبر ولكن البواطن تغدر بصاحبها ماذا يعني إن كان في البحرين 360 قرية او الف قرية فهذه قرى صغيرة يدركها من هو من جيل الخمسينات من القرن الماضي ثم وبفعل التطور العمراني تتداخل القرى لتكون جزء من المدينة ونظرا لصغر البحرين ستتحول الى مدينة واحدة او مدينتين أخي العزيز اجدك في الآونه الأخيرة اصبحت موتورا وابتعدت عن الموضوعية كان عليك ان تقول ان هذا البلد الساحلي معرض وبإستمرات لهجرات بشرية سنية شيعية فارسية هندية وغيرها ومع الزمن تتداخل هذه الأقوام وتمتزج لتشكل شعباً واحدا استغربت من امرك ووج

    • زائر 6 | 1:23 ص

      من أم محمد

      لا يوجد إعتراض على كون البحرين بها 350 قرية, وماذا في ذلك! أهل القرى والمدن إخوان وكلنا مسلمون وعرب وأهل أرض واحده. لكن أفهم من كلام الكاتب أنه يلمح بأن البحرين كانت تحت حكم إيران، فليكن الدول عندما تقوى تتوسع وتسيطر على غيرها لكن هذا لا يعطيها الحق أن تدعى أن الأرض أرضها. لقد كانت إيران دائما تحت حكم خلفاء وحكام عرب سنة ولقرون عديدة قبل أن تتحول إلى التشيع فهل يطالب بها أحد الآن. وهل ممكن أن يطالب العرب بإسبانيا الآن لأنهم حكومها قرابة 800 سنة. سبحان الله.

    • زائر 4 | 12:46 ص

      الناس على دين ملوكهم

      لا عجب في أن ترى من يصحح لنا في تاريخنا إذا كانت المناهج الدراسية تتضمن هذه المغالطات ونتربى عليها منذ صغرنا وما يثير الدهشة أن البعض يرى أن البحرين لا حضارة لها قبل ثلاثمائة سنة .

    • زائر 3 | 12:43 ص

      فارس الغربية

      للزائر1.. انا كذلك كنت اعتقد... لكن احد المطلعين على تاريخ البحرين قال لي. مهنة الغوص ليست حقرا على فئة معينة بل الغالبية العظمى هم من اهلل القرى ..

    • زائر 1 | 10:59 م

      حتى الغوص تم احتكاره على من يحبونهم

      تفأجات بان الكثير من القرى والنواحي لديهم سفن للغوص لاستخراج اللؤلؤ وكان ظني بان من يقوم بتلك المهمة فئة معينة لقد قرأت ذلك في مجلد دليل الخليج

اقرأ ايضاً