العدد 4189 - الإثنين 24 فبراير 2014م الموافق 24 ربيع الثاني 1435هـ

الطغاة والشعوب

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

برز في التاريخ البشري طغاة كثر، بعضهم اشتهر بقتل الآلاف من أعدائه مثل هتلر وبعضهم اشتهر بقتل عشرات الآلاف من أبناء وطنه، وهذا الصنف من الطغاة هو من سأتحدث عنه في هذا المقال، لأنه هو الأسوأ ولأنه هو الأكثر ولأن الشعوب لم تتعامل مع هذا النوع من الطغاة تعاملاً يجعلها تتوقف عن طغيانها وتتراجع عنه وتعطي الشعوب حقوقها وحرياتها.

أول هؤلاء الطغاة وأكثرهم شهرة هو فرعون حاكم مصر، وفرعون لقب لكل من يحكم مصر، وقد جاءت شهرته من كون أن القرآن ذكره كثيراً باعتباره حاكماً مستبداً قاتلاً وصل به الاستبداد إلى استعباد المصريين وإعلان نفسه إلهاً عليهم أن يعبدوه وينفذوا أوامره، ومن ثم أصبح لقب «فرعون» يطلق على كل مستبد سواءً أكان من الحكام أم من سواهم.

سلاح فرعون اعتمد بصورة رئيسة على التهديد، مرةً بالسجن، ومرةً بالقتل، وثالثة بتقطيع الأيدي والأرجل، فعندما رفض موسى (ع) فكرة ألوهية فرعون هدّده قائلاً: «لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين»، ولما حذّره بعض جلسائه من قتل فرعون قال الله على لسانه: «ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد». وهذه الجملة بمعناها أصبحت أيقونةً لكل الطغاة وفي كل العصور.

طغاة كثر شهدهم العصر الحديث، منهم عيدي أمين الذي بلغ به الغرور حداً جعله يقول: «أنا الرئيس الوحيد الذي اتصل مع الله مباشرة»! وكذلك بلغ به الطغيان حداً جعله يقتل حوالي ثلاثمئة ألف من قومه. ومنهم نيكولاي تشاوسيسكو الذي وصف نفسه بـ «الملهم»، وكان يعد رومانيا ومن فيها ملكاً له، ومن يعترض على شيء من ذلك يقتل فوراً! وقد كان مآله القتل مع زوجته بالرصاص.

ومن الطغاة البارزين حاكم كمبوديا بول بوت، الذي قتل ثلث شعبه، وكان يتلذذ بمشاهدة قتلهم وتعذيبهم، وكان يحب قتلهم خنقاً بأكياس البلاستيك! ومنهم كذلك حاكم أفريقيا الوسطى بوسكا، الذي كان يحب أكل الأطفال، ولقب نفسه بـ «الامبراطور»، وكان وزيراً لكل الوزارات وقائدا للجيش، ومن هواياته جلد الوزراء أمام الناس! ومن أشهر طغاة العصر بشار الأسد، فقد قتل وجرح وشرد من شعبه حوالي أحد عشر مليوناً، وهذا العدد لم يسبق إليه ولا أعتقد أن هناك طاغية سيفعل مثله!

الطغاة كثر، وهم يمارسون طغيانهم لأسباب متعددة، قد يكون من أبرزها شعورهم بالعظمة، وإحساسهم أن الشعوب لا قيمة لها على الإطلاق، بل إن بعضهم كان يعتبر شعبه مثل الذباب، وأنه يجب أن يعامل مثلها! والذي يجمع بين كثير من الطغاة أنهم عاشوا في بيئات فقيرة، وأن مجتمعهم كان يحتقرهم، كما أنهم عانوا مرارة القسوة والحرمان ولذلك أرادوا أن ينتقموا من الشعوب، كما أنهم أرادوا التعويض عن الحرمان بالمحافظة على ملكهم ولوا ضحوا بمعظم شعوبهم.

أساليب الطغاة في الحكم متقاربة؛ فهم يلجأون إلى سياسة التخويف والحرمان من الحقوق وكتم الحريات، وصولاً إلى ملء السجون بمن يطالب بحريته ومن ثم قتل من لا ينفع معه التهديد والوعيد.

ومن أساليبهم اتباع سياسة «فرّق تسد»، فهم يعملون على زرع الفرقة بين كل أطياف المجتمع؛ فهناك جهودٌ في التفرقة الطائفية والمذهبية والدينية، كما أن هناك جهوداً مماثلة للتفرقة بين أصحاب التيارات الدينية لكي يضعف الجميع ثم يتجهون إلى الحاكم يلتمسون رضاه.

ومن أساليبهم أيضاً سياسة التخويف والتجويع والحصار، ثم السجون وصولاً إلى القتل والتدمير وإلصاق شتى أنواع التهم بمن يعارضهم حتى ولو كانت هذه المعارضة بأسلوب أرق من جلد الثعابين، فهؤلاء لا يحتملون أي نوع من المعارضة لأن ذواتهم عندهم مقدسة وفوق كل القوانين.

ولكن بقي أن نتساءل: لماذا تقبل الشعوب بهذا النوع من الحكام؟ ولماذا تصبر على جبروتهم وطغيانهم؟ الواقع يؤكد أن الشعوب غالباً هي من تصنع طغاتها! وهي أيضاً من تشجّعهم على الاستمرار في ظلمها وسلب حقوقها، بل وفي أحيان أخرى هي من تدعوهم إلى وضع الأغلال في أعناقها والقيود في أيديها!

الطغاة لن يتغيّروا مادامت شعوبهم ساكتة عن المطالبة بحقوقها، وما دامت الشعوب لا تسعى للتغيير والاصلاح وإعطاء كل ذي حق حقه. والإصلاح ليس بالهدم والتخريب بل بالعمل على الوصول للأفضل وبكل الطرق المتاحة.

إن الذي يداهن من أجل المال أو الجاه لن يكون بإمكانه القيام بأي إصلاح مهما قل، كما أن الخائفين لا يملكون وسائل الاصلاح والتغيير فهذه الوسائل لم تخلق لهم.

لو فكّر الطغاة بمصالحهم لتجنبوا الطغيان، فالتاريخ أثبت أن نهايتهم مأساوية، وكذلك كانت نهاية المنافقين الذين من حولهم، والشعوب هي التي تنتصر في نهاية المطاف. كان بإمكانهم مصالحة شعوبهم ومن ثم العيش بسلام وأمن واطمئنان، ولكنهم آثروا الجانب الآخر فأصبحوا جزءًا من التاريخ الأسود للبشرية.

على الطرف الآخر هناك حكام صالحون عاشوا مع شعوبهم بهدوء وحب واطمئنان، ولعلي أعرج عليهم لاحقاً إن شاء الله.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 4189 - الإثنين 24 فبراير 2014م الموافق 24 ربيع الثاني 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 5:39 ص

      مهما

      مهما كثرور الطغاة الله راح ينصر الحق طال الزمان او قصر الشعب سوف ينتصر باذن لله اللهم فرج عن معتقلينا القابعين فى السجون بحق محمد واله محمد صلاوتك عليهم اجمعين وارحم شهدائنا الابرار وارحم موتانا وموته المؤمنين والمؤمنات والفاتحه على شهدائنا والله افرج عن المصاب العبار

    • زائر 3 | 12:38 ص

      السيسي أيصا . .

      أما آخر الطغاة الذين ظهروا على الساحة فهو طاغية مصر السيسي الذي إغتصب الحق الشرعي من الرئيس الشرعي محمد مرسي بمساعدة فاضحة من بعض الدول . . فقتل المئات وأدخلهم السجون وسلب الشعب المصري حريته .

    • زائر 4 زائر 3 | 2:22 ص

      ليس السيسي وحده الطاغية يوجد حوالينك طغاة كثررررر

      قتلوا وشردوا ونكلوا بشعوبهم والويل الويل ان طالبوا بحقوقهم

    • زائر 2 | 12:02 ص

      ومن الطغاة ايضا

      اراك تذهب بعيدا في الإعلام عن طغاة الارض وهم ........ ، ما بالك لا تحددهم، وهل تفرق عند الله في من يقتل او يشرد ملايين او عشرات

    • زائر 1 | 10:53 م

      الطغاة مستمرونً

      الطغاة لازالواموجودين الأسماء فقط تغيرات والطغيان مستمر ولا احد يتعظ ممن سبقه ويظنون أنهم مخلدون ولن ولن ولن يتعظوا غرهم الكرسي ولا هرش دائم الا عرش الله سبحانه وتعالى ومثل ما يقولون بني آدم ما يملى عينه الا التراب

اقرأ ايضاً