العدد 4200 - الجمعة 07 مارس 2014م الموافق 06 جمادى الأولى 1435هـ

مسجد الخميس الثاني: الهوية الدينية والفرضيات المتصارعة

ناقشنا في الفصل السابق الدلائل الآثارية الدالة على تأسيس البلاد القديم وذلك في القرن الثامن الميلادي، وذلك بحسب دراسة Carter للفخار الذي عثر عليه في أقدم طبقة آثارية. وبحسب الدراسة نفسها حدد عمر الطبقة الثانية بأنها تعود للقرن التاسع وبداية القرن العاشر وذلك بسبب العثور على فخار خاص بدأ ينتشر في هذه الحقبة وهو المعروف باسم الفخار السامرائي العباسي (Carter 2005). يذكر أن مدينة سامراء بناها الخليفة العباسي المعتصم في العام 836م واتخذها عاصمة للدولة العباسية بدلاً من بغداد، وعلى رغم عمرها القصير الذي لم يبلغ النصف قرن، حيث تركها الخليفة المعتمد في العام 892م عائداً إلى بغداد، إلا أنها تميزت بطرزها المعمارية والفنية والزخارف التي اعتبرت خاصة بها، وكذلك بفخارها المزجج الذي عرف باسمها (Carter 2005, Hameed 1965).

في حقبة عصر سامراء توسع الاستيطان في البحرين، حيث حدث توسع في القرية الإسلامية المبكرة في عالي (Sasaki et. al. 2011). ويعتقد أن هذه القرية كانت بنية بطراز يحتوي على تأثيرات سامرائية؛ حيث عثر على أقواس منقوشة وذلك أثناء جرف التل الرملي الذي يغطي تلك القرية (Frifelt 2001, p. 34). وبالتوازي مع ذلك، حدث توسع في موقع معابد باربار (Frifelt 2001, p. 16).

النتيجة إذاً، وجود علاقات تجارية بين البحرين والعراق في هذه الحقبة مع ترجيح هجرة حرفيين من سامراء واستقرارهم للعمل في البحرين؛ حيث هاجروا للعديد من المناطق (Frifelt 2001, p. 15). وهنا السؤال، هل طور بناء مسجد الخميس في هذه الحقبة بحسب فنون البناء والنقش والزخرفة الذي ظهر في حقبة سامراء؟

مسجد الخميس في حقبة سامراء

سبق أن ذكرنا في فصل سابق أن هناك ثلاثة مساجد بنيت في موقع مسجد الخميس، وقد رجحنا أن المسجد الأول بني مع تأسيس البلاد القديم، والآن نتناول المسجد الثاني الذي اختلف على تاريخ بنائه. فهناك نظريتان حول بناء هذا المسجد الثاني، الأولى، وهي الأقدم، وقد تقدم بها Diez وتتحدث عن تأثيرات سامرائية في بناء مسجد الخميس. أما الثانية وقد تقدمت بها Kervran وهي تنتقد الأولى وتقدم نظرية غير مدعومة بأدلة آثارية، بينما نظرية Diez فلها أكثر من دليل آثاري. وسنتناول في هذا الفصل النزاع حول أهم أثر يرجح نظرية Diez وهو عمود خشبي مصنوع من الساج، هذا العمود لا يحدد فقط تاريخ بناء المسجد بل يحدد الهوية الدينية لهذا المسجد.

الفريق الألماني وعمود الساج المفقود

في عام 1914م لاحظ Diez عموداً من خشب الساج يدعم سقف غرفة الصلاة، عمود الساج هذا نقش عليه زخرفة وكتابة. فأما الكتابة فقد نقش عليه ثلاثة أسطر هي «لا إله إلا الله محمد سول الله علي ولي الله» (Diez 1925, Kalus 1990, p. 26). وقد أرسل Diez نقش الكتابة لخبير متخصص وهو Flury، وهذا الأخير حدد زمن الكتابة في القرن العاشر الميلادي (Diez 1925). أما Diez فقد حدد الزخرفة أنها من الزخارف الخاصة بسامراء والتي ظهرت في القرن التاسع الميلادي (Diez 1925)، وهي الزخرفة المسماة بالنوع الأول بحسب تصنيف Herzfeld وهو أول من درس الزخارف في آثار مدينة سامراء القديمة وصنفها إلى ثلاثة أصناف (Hameed 1965).

النتيجة التي يمكننا أن نستنتجها من ملخص ما جاء في بحث Diez أن هناك جزءاً من مسجد الخميس يعود إلى القرن التاسع وبداية القرن العاشر أي إلى الحقبة المعروفة باسم «حقبة سامراء» وأنه يحمل هوية إسلامية شيعية. هذا الاستنتاج صاغه Diez في بحثه المنشور في العام 1925م دون أن يعلم أن هناك حقبة سامرائية في البحرين. ويضيف Diez أنه من النادر أن يبقى عمود يعود لهذه الحقبة طيلة هذه السنوات، وهذا ما يجعل مسجد الخميس مسجداً متميزاً يستحق الدراسة.

الفريق الفرنسي والتغاضي عن عمود الساج

في العام 1987م بدأ الفريق الفرنسي دراسة مسجد الخميس بقيادة Kervran، ولكن بصورة منفصلة عن دراسة تاريخ المنطقة، أي أنه لم يتم دراسة تاريخ الاستيطان في البلاد القديم. وبالتالي فإنه لا يوجد أدلة آثارية تعزز نظريات الفريق، باستثناء نقوشات مسجد الخميس الثالث والتي وثق فيها تاريخ البناء (Kalus 1990). لقد صاغت Kervran نظرياتها حول بناء المسجد الأول والمسجد الثاني على روايات تاريخية فقط، ولا يوجد أثر يدعم نظرياتها، ورغم ذلك أهملت النتيجة التي توصل لها Diez. فيلاحظ أن Kalus في كتابه حول النقوشات الإسلامية في البحرين، ذكر قراءة الكتابة التي على عمود الساج الدالة على الهوية الشيعية، أما عن تاريخ العمود فلم يركن لما ذكره Diez بل وضع ملاحظة تقول إن Kervran ترجح أن العمود يعود للقرن الرابع عشر الميلادي فهو يشبه عموداً عثر عليه في مسجد في عمان (Kalus 1990, p.26, footnote 1). يذكر أنه لم يتم وضع صورة عمود مسجد الخميس ومقارنته بعمود مسجد عمان، ولم تذكر Kervran أي بينة تعزز رأيها. أضف إلى ذلك أن Kervran تراجعت عن هذا الرأي في بحثها المشترك مع Kalus وقررت أن هناك فرضيتين لعمر هذا العمود والمجال مفتوح للبحث (Kervran et Kalus 1990, p. 33). وفي كلا الدراستين لم يتم تناول نظرية Diez ولو بصورة مختصرة على رغم وجود خلاف جوهري كبير بين الفرضيتين من حيث التاريخ ومن حيث الهوية المذهبية.

فكما ذكرنا سابقاً، يرى Diez أن العمود يعود للقرن التاسع أو بداية القرن العاشر وأن هوية المسجد في هذه الحقبة شيعية. بينما ترى Kervran أن العمود من عمر المسجد الثالث أي العيوني وأن باني مسجد الخميس الثاني هو أبو البهلول في القرن الحادي عشر الميلادي، وإنه أي أبو البهلول، على المذهب السني (Kervran et Kalus 1990, p. 34).

وهنا مجموعة من الأسئلة لا نجد لها إجابة، على سبيل المثال، لماذا لم يتم مناقشة هذا العمود الخشبي بصورة مفصلة من قبل الفريق الفرنسي؟ الذي لم ينشر حتى صورة لهذا العمود الخشبي والذي لا نعلم أين يوجد حالياً، ولماذا لم يتم استشارة أخصائيين حول تحديد عمر هذا العمود الخشبي المهم.

النتيجة التي يمكننا أن نستنتجها هنا أنه لا يوجد مبرر عند Kervran لترفض نظرية Diez وتصيغ نظرية جديدة.

الدنماركيون والعودة لنظرية Diez

في العام 2001م نشرت Frifelt نتائج البعثة الدنماركية في التنقيب في المواقع الإسلامية. من تلك المواقع، موقع معابد باربار التي تم إعادة الاستيطان فيها في الحقبة الإسلامية. وقد أظهرت نتائج تحليل الفخار وجود فخار سامراء. هذا الكشف أعاد فرضية Diez والعمود الخشبي الذي زخرف بزخارف سامراء؛ وعليه رجحت Frifelt أن مسجد الخميس الثاني بني في حقبة سامراء (Frifelt 2001, p. 15). وقد جاءت نتائج البعثة البريطانية في البلاد القديم لتؤكد وجود طبقة آثارية تمثل طبقة حقبة سامراء (Carter 2005).

الاستنتاج

في ضوء غياب العمود الخشبي واستحالة دراسته من جديد، وعدم تقديم أي مبرر من قبل Kervran لرفض نظرية Diez أو تقديم دليل قاطع على صحة فرضياتها؛ فإننا نرجح أن البناء الثاني لمسجد الخميس حدث في حقبة سامراء (القرن التاسع وبداية العاشر)، وأن هوية المسجد في هذه الحقبة هي هوية شيعية وهذا يعكس هوية جزيرة أوال في هذه الحقبة.

العدد 4200 - الجمعة 07 مارس 2014م الموافق 06 جمادى الأولى 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 3:53 ص

      مسجد الخميس

      لماذا لم يتم استشارة أخصائيين حول تحديد عمر هذا العمود الخشبي المهم ؟
      الجواب: مادافعل الفرنسيون بثقافة الجزاير و.....؟

    • زائر 1 | 12:16 ص

      ادرسوا تاريخ المزارات

      شكرا لكم على جهودكم ويا ليت لو تتحفونا بدراسة عن المزارات القديمة في البحرين وحقيقة الأضرحة الموجود فيها

اقرأ ايضاً