العدد 4295 - الثلثاء 10 يونيو 2014م الموافق 12 شعبان 1435هـ

المجتمعات الإسلامية تستحق مستقبلاً زاهراً

كان المسلمون، ولمدة خمسة قرون ما بين القرن الثامن الميلادي إلى القرن الثاني عشر الميلادي، يقودون أرقى حضارة عرفها العالم القديم. كانت تلك هي الفترة الذهبية للحضارة الإسلامية التي بدأت ترتفع مع تأسيس دار الحكمة في القرن الثامن في بغداد، والتي كانت تحتوي على مركز لترجمة الفلسفة اليونانية، ومرصد فلكي ومكتبة ضخمة ضمت ما توفر من جميع العلوم التي عرفتها الإنسانية آنذاك. واستمرت الحضارة الإسلامية في الازدهار حتى نهاية القرن الثاني عشر، إذ يعتبر العام 1198م (عام وفاة الفيلسوف ابن رشد) بداية أفول تلك الفترة الذهبية. وكان المسلمون خلال فترات طويلة من تاريخهم يتنقلون ما بين البلدان دون حدود جغرافية ودون عوائق مصطنعة بين أنواع البشر، للمشاركة في إنجازات تلك الحضارة الصاعدة.

غير أنه سرعان ما بدأت تلك الحضارة في الانتكاس، وتزامن ذلك الانتكاس مع انتشار الاستبداد في أرجاء البلاد الإسلامية ومحاربة مصادر العلوم الإسلامية والفلسفية والطبيعية. ومع الأيام تحولت العلوم من الإنتاج العقلي – الإبداعي المعتمد على الفكر الإسلامي إلى التكرار النقلي الرافض لسبل التقدم والازدهار. وهكذا بدأت المجتمعات الإسلامية بالانطواء على نفسها واتجه المسلمون لموقع الدفاع والمحافظة على ما تبقى من معالم الدين في حياة المسلمين بدلاً من موقع الريادة الذي كان بأيديهم.

ولهذا السبب فإن المسلمين كانوا غائبين عن اللحاق بركب العصر الحديث عندما بدأ العصر الصناعي في بلدان أخرى في أوروبا، بدلاً من حدوثه في البلاد الإسلامية. ومنذ تلك الحقبة الصناعية انقسم المسلمون على أنفسهم بين من يطالب باللحاق بأوروبا وأخذ كل شيء منهم لكي تلتحق المجتمعات الإسلامية بالحقبة الصناعية، وبين من اتخذ موقف الرفض لكل ما هو إنتاج لمجتمعات غير إسلامية. وبين هذا وذاك طرح المجددون الإسلاميون (جمال الدين الأفغاني، محمد عبده، محمد إقبال وغيرهم) إمكانية اللحاق بالتطور الحديث دون التخلي عن الدين الإسلامي. بل إنهم نظروا إلى عدم إمكانية النهوض دون الأخذ بمبادئ الدين الإسلامي في المجتمعات الإسلامية.

أما اليوم، فنحن نعيش في عصر ما بعد الصناعة، في عصر أطلق عليه عصر المعلومات وعصر ما بعد الحداثة وعصر العولمة. وعصر العولمة أصبح حقيقة واقعة بسبب تطور تكنولوجيا الاتصالات والإنترنت التي مكنت البشرية من نقل الخدمات (وأهم من ذلك الأفكار) بين المناطق البعيدة في العالم دون المرور بالحدود الجغرافية. إننا نعيش في عالم تتقلص فيه المسافات وتنعدم الحدود الجغرافية بين البلدان بصورة متسارعة.

نعم لقد كانت الحضارة الإسلامية تنقل منتجاتها أيام ازدهارها وكانت أيضاً تستلم المنتجات من البلدان الأخرى، إلا أن التواصل الفكري لم يكن بالطريقة المتوفرة حالياً. ونقل الأفكار دون المرور بحدود جغرافية يعني إمكانية التأثير السياسي والفكري على بقاع العالم من قبل الحضارة المسيطرة على عالم اليوم.

هناك العديد من وجهات النظر الإسلامية تجاه موضوع العولمة (وعصر ما بعد الصناعة). فمنهم من يرى ضرورة التحصين والمواجهة ومنهم من يرى إمكانية الدخول مع الآخرين كمشاركين في حضارة اليوم ومكملين لنقص هذه الحضارة بواسطة الطرح الإسلامي ذي البعد الأخلاقي – الإنساني.

مع تضارب الطروحات فإن هناك من يطرح أفكاراً لا تمت إلى الإسلام بصلة ولكنه يصر عليها وكأنها نزلت من الله تعالى في كتابه الكريم. هؤلاء يطرحون أن على المسلمين أن يقضوا على تنوعهم وأن يندرجوا في جسد واحد تحت اسم واحد وتحت حكم واحد يأمر هذا الجسد (غير الحي) بالأوامر المقدسة. إننا نعتقد أن هذا الطرح ليس له دليل في تاريخ المسلمين ولا يتناسب مع الطرح العقلاني قديماً وحديثاً. فالمسلمون ما بين داكار وجاكرتا لا يمكن القضاء على تنوعهم الطبيعي ولا يمكن تحويلهم لكيان طوبائي ليس له حياة أو دور في الحياة العامة. إن اشتداد الدعوات المتطرفة هنا وهناك تدعو أولئك الذين يعتقدون أن الدين الإسلامي صالح لكل زمان ومكان ورائد للحضارة الإنسانية أن يبادروا بطرح أفكارهم للمناقشة لتوضيح مسار أفضل للمسلمين وسعياً لمستقبل أفضل لمجتمعاتنا الإسلامية.

 

العدد 4295 - الثلثاء 10 يونيو 2014م الموافق 12 شعبان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً