فن الكتابة والرسم على الجدران (الجرافيتي)، يعود إلى زمن سحيق. إلى ما قبل تشكّل الحضارات القديمة. بعض الرموز والكتابات والرسومات على جدران الكهوف كانت ربما هي لبنته الأولى. حديثاً يعود إلى ستينيات القرن الماضي. في الولايات المتحدة الأميركية خصوصاً، اتخذ شكل مدرسة من مدارس الاحتجاج والمقاومة السلمية من قِبل الأميركيين من أصول إفريقية. أعطتها موسيقى الهيب هوب زخماً آخر. استمدت منها بعض إيقاعها؛ ولكن هذه المرة بالنص/ التشكيل.
تصبح الجدران هي الصحيفة التي يقرأها المارة بالمجان. تكشف عن الغضب والفراغ واليأس والأمل والاحتجاج والعبث أحياناً. هنالك من يرى في ممارسة العبث نوعاً من أنواع الاحتجاج أيضاً! ديزي وايت من صحيفة «الإندبندنت» كتبت تقريراً يوم الخميس (19يونيو/ حزيران 2014)، تناولت فيه جانباً من رؤية ومسار «عرّاب الجرافيتي» كما يسمى في الولايات المتحدة الأميركية، سين، واسمه الأصلي، ريتشارد ميراندو، بدءاً بممارسته تلك في مترو الأنفاق في نيويورك، وانتهاء بافتتاحه خط إنتاج للقمصان التي طبعت عليها كتابات ورسومات الجدران تلك، بعد أن توصل إلى قناعة بأن فن الجرافيتي فقد زخمه وحافتّه. تلك النظرة ربما تنسحب على مكان دون آخر. في أمكنة/دول يجد ذلك الفن زخمه أكثر فأكثر. يكثر الاحتجاج كلما قل سقف الحريات وكلما أصبحت التجاوزات التي تمارس على الإنسان هي بحكم القانون. تتحول الجدران في الليل إلى مرسم مفتوح على كل ذلك: يكشف (الفن) عن الغضب والفراغ واليأس والأمل والاحتجاج والعبث أحياناً!
عُرف باسم «عرّاب الكتابة على الجدران»، بدأ سين، واسمه الحقيقي ريتشارد ميراندو، الرسم بالرش على القطارات في نيويورك بمترو الأنفاق وكان وقتها في الحادية عشرة من عمره.
طوال السبعينيات والثمانينيات، كوّن سين لنفسه اسماً من خلال لوحة في مترو الأنفاق بنيويورك رسمها بحروف وضّاءة مع شخصيات للرسوم المتحركة؛ وكسب سمعة باعتباره واحداً من فناني الكتابة على الجدران المعروفين في العالم.
ولكن بعد أن أمضى 16 عاماً مع الرسم بالرش في الأنفاق أصبح سين، متحرراً من مشهد الكتابة على الجدران واتخذ وشماً خاصاً به كوسيلة لمواصلة عمله بالفن.
من المرجّح الآن أنه ينظر إلى إبراز الجرافيتي في أعمال على القماش في معرض تجاري، بدلاً من اللوحة التي تعدُّ غير مشروعة في الخارج ليلاً، ولايزال ميراندو يعتقد أن مشهد فن الشارع ليس كما كان عليه.
وأضاف «اليوم انتهى الجرافيتي وذهب حتى الآن إلى النقطة التي كنت لا تعرف فيها ما هو الحقيقي أو الوهمي. إنه يفتقد الغرابة لم يعد مكتنزاً بها»، مشيراً إلى أن التقدم في التكنولوجيا قد غيّر أيضاً الكتابة على الجدران، بالمشهد المعروف اليوم.
وقال: «يمكن لأي شخص أن يذهب فقط إلى جهاز الحاسوب والبحث عن أي عمل فني متاح على الجدران، ويمكنك البحث عن الرسائل على الجدران من الألف إلى الياء، كما يمكنك تصميم حزمة ستبدو وكأنها من فن الجرافيتي اليوم. أي شخص يمكنه أن يفعل ذلك الآن، لقد ضلّ وولّى ذلك الفن».
بعد أن أدرك أنه بحاجة إلى إيجاد طرق لترى علامته التجارية النور، قام ميراندو بفتح خط الملابس الخاصة به قبل بضع سنوات طابعاً على القمصان حروفه المميزة ورسومات للأبطال الهزليين.
وقال سين: «إن الكتابة على الجدران فقدت حافتها وتفوقها في منتصف الثمانينيات، وذلك هو السبب في أنني كنت بحاجة إلى إيجاد وسائل أخرى مثل الوشم والملابس لوضع اسمي عليها».
وقد أعاد ميراندو النظر في شغفه بالأبطال الخارقين لرسمهم في سلسلة على القماش مستوحياً ذلك من مارفال ودي سي كوميكس، الأكثر شهرة مثل سبايدرمان، سوبرمان، و «هَالْكْ».
بدأ انبهار ميراندو بالرسوم الهزلية عندما كان صبياً نشأ في أسرة ذات عائل واحد، وذلك بفضل والدته التي كثيراً ما وضعته أمام الرسوم المتحركة على التلفاز، في الوقت الذي كانت تتولى الأعمال المنزلية.
وكما يقول: «كانت حياتي كلها مليئة بالكتب المصورة والتلفزيون، كنت أراقب كل شيء من وارنر بروس Top Cat، وجميع الرسوم». «وقد رسمت منذ ذلك الوقت العديد من أبطال كتب الرسوم الهزلية التي تم تخليدها على الشاشة الفضية، بما في ذلك سبايدرمان، سوبرمان، كابتن أميركا، المرأة الخارقة والرجل الحديدي».
لم يكن قادراً على اختيار شخصية مفضلة واستشهد بـ «هَالْكْ، «لأنه ضخم مع عضلاته التي تشبه الصخر»، النمر الوردي وديك تريسي. إنها من بين المفضّلة لديه.
ومع الكتب المصورة التي كانت جزءاً كبيراً من حياته - عندما كان طفلاً ومن ثم بالغاً على حد سواء، كان من السهل قراءتها لأن أبطالها كانوا بمثابة آباء بديلين له. ولكن ميراندو يصر على أنه لم تكن لديهم تلك القوة التي استقرّت في مخيلتنا.
«لم يكونوا شخصيات أبوية تكبر، وما أنا متيقن منه هو أنهم كانوا أصدقائي» كما يقول.
الجرافيتي
الجرافيتي، أو الكتابة على الجدران هي ترك الرسومات أو الأحرف على الجدران أو الأشياء بطريقة غير مرغوب فيها أو من دون إذن صاحب المكان.
ويُعتقد أن ممارسة الجرافيتي موجودة منذ قديم الزمان، أيام الحضارة الفرعونية والإغريقية والرومانية. وتطور الجرافيتي عبر الزمن واليوم يسمى بالجرافيتي الحديث وهو يعرف بالتغيّرات العامة لملامح سطح عن طريق استخدام بخاخ دهان أو قلم تعليم أو أي مواد أخرى. ونشأ فن الجرافيتي الحديث في الستينيات من القرن الماضي في نيويورك بإلهام من موسيقى الهيب هوب، وهي أحد أنواع الموسيقى في الولايات المتحدة الأميركية. وتعتبر حركة ثقافية للسود في أميركا أو الأميركيين الأفارقة. وقد بدأت منذ العام 1970 ونشأت كرد فعل لما تعرضوا له من العنصرية ولإظهار ثقافة وفن مستقل بهم وكنوع من التعبير عن أنفسهم وعن المشكلات التي كانوا يعانون منها مثل الفقر والبطالة والعنصرية والظلم.
ومن الممكن اعتبار رسم الجرافيتي على سطح عام أو خاص من دون الحصول على إذن من مالك السطح، نوعاً من التخريب والذي يعاقب عليه القانون في معظم دول العالم. يستخدم الجرافيتي غالباً لإيصال رسائل سياسية واجتماعية، وكشكل من أشكال الدعاية. ويعتبر أيضاً أحد أشكال الفن الحديث، ويمكن مشاهدته في صالات العرض العالمية.
العدد 4333 - الجمعة 18 يوليو 2014م الموافق 20 رمضان 1435هـ