العدد 4335 - الأحد 20 يوليو 2014م الموافق 22 رمضان 1435هـ

مثل الخرائط لا تمنحك أوطاناً

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

السؤال الساذج الذي يتكرر: لماذا لا يوجد نص/ كتابة بمستوى ما يعانيه العرب اليوم؟ «بمستوى» لا تعني هنا الإحاطة الوصفية لما يحدث. ذلك هو آخر الهمّ. الوصف لا يقدم حلولاً. تماماً مثل الخرائط التي لا تمنحك أوطاناً، وليس بالضرورة أن تأخذ بيدك إلى الهدى والنهايات التي تريد وتطمح. بمستوى هنا تعني تلك المواكبة لما يحول دون حدوث ما حدث. وإذا وجدت الكتابة تلك – افتراضاً – من سينصتُ إلى من؟

المشكلة في إنصات البعض للحيلولة دون حدوث ما يحدث وسيحدث، فيه تهديد لمن يريدون لتلك الأوضاع أن تتم على ما هي عليه كي يستطيعوا الاستفراد بما هم مستفردون به، والاحتفاظ بما هو بين أيديهم بقوّة السيف أو بقوة نصوص «مُخدِّرة» تحثهم على ذلك!

الشعر في ترهّله أمام هول الانحطاط العربي. في غياب عن مقاربة ما يحدث: غزة تظل المثال المتحرك ولكنه ليس الوحيد. موضوع الوجود عموماً هو في اللبّ من الغياب في قيمة ما يقدّم من النصوص. يُراد للنص أن يكون كاميرا ثانية. كاميرا أخرى. يُراد له ألاّ يختلف عن جهاز تسجيل. المشكلة ليست في ندرة الكاميرات. مشكلتنا في الحلول للأخطاء التي ترصدها تلك الكاميرات. والحلول لن تكون إلا بما يخرج العرب من حاضرهم الراهن الذي يسجّلون فيه موتاً سريرياً غير مسبوق في التاريخ الإنساني.

مشكلة العرب اليوم، وبتعبير أدق، مشكلة الأنظمة العربية اليوم أنها تراكم المشكلات وتدّعي التطلّع إلى الحلول، ولن تجدها متعجّلة في طريق ذلك (ستأخذ كل وقتها في ذلك!)، ولا بأس من منح مساحة للنصوص كي تهجو مثل ذلك الواقع مادامت بعيدة عن هجاء الذين صنعوا ذلك الواقع!

تبدو مثل تلك الأسئلة متكررة: هل لأن أزمات ومشكلات العرب هي في اطراد واندفاع وتنامٍ، ولا قوة سعي وركض يمكن أن تجاريها؟ هل لأن مصالحة ما تمّت مع تلك الأزمات، وصارت جزءاً من تفاصيل الحياة، إذا صح أن يطلق على حياة العرب اليوم مصطلح حياة؟

وبعد ذلك، هل لأن التجربة الكتابية العربية ومنذ عقود لا تتجاوز إعادة التدوير لما تم إنجازه؟ وخصوصاً في ظل تنامي وتغوّل الاستهلاك؟

خذ مثلاً: الفن التشكيلي اليوم يتجاوز كل أشكال الفنون والإبداع العربي، من الرواية حتى المذكرات العائلية التي تخرج في هيئة «سيرة ذاتية». وحين نقول الفن التشكيلي نعني بذلك الفن الذي تجاوز الكاميرا، والتسجيل، وإعادة تكرار الواقع في سنتمترات أو بوصات! فن يتوغّل في المشْكل الإنساني وهو متاخم للمشْكل المحلي. تلك الرؤية مفتقدة اليوم في جلّ الأشكال الإبداعية العربية.

خذ مثلاً: بعض التجارب المسرحية الحديثة في مصر وشمال إفريقيا، وتجارب يتيمة تكاد لا تذكر في منطقة الخليج العربي، هي بالدرجة الثانية من الفنون التي يمكن وضعها على رأس الأشكال التي تجاوزت بقية الفنون والألوان الإبداعية؛ ولذلك يراد لذلك الفن اليوم أن يسخّف ويهمّش ويتورط في مساحة من التسذيج والتسطيح والضحك الرخيص، ولا يُراد له أن يقرب أو يمس طبيعة وحقيقة المشكلات، وتقديم رؤى لا تدّعي أنها تمتلك الحلول، ولكنها تقرأ المشكلات بعمق، وترصد الإشكالات من دون زعيق. مثل تلك الفنون اليوم برفع الوصاية عنها ستقدم مخارج للمساحة التي حشر العرب أنفسهم فيها وباتوا متصالحين معها، بكل ما فيها من تراجع وانحطاط وتخلّف!

ولن يتم رفع الوصاية عن تلك الفنون، مادامت الوصاية على الإنسان شبه مؤبَّدة ومقيمة، ويتم التعامل معه باعتباره ناقصاً وغير راشد، ويحتاج إلى تعميق وتكريس مزيد من الرقابة عليه! هل هو خوف عليه، وعلى الواقع؟ ما الذي تبقى منه وما الذي تبقّى من ذلك الواقع كي يُخاف عليهما؟!

ومثلما لا تمنح الخرائط أوطاناً، ولن تدلك إلى سواء السبيل مادمت ضالاً أو مُضللاً، فلن تمنح كتابة أو فنون في واقع مثل الذي نشهده قدرة على تجاوز الهباء الذي نشهد والانهيار الذي ينتاب الخريطة العربية من الماء إلى الماء!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4335 - الأحد 20 يوليو 2014م الموافق 22 رمضان 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً