العدد 4383 - السبت 06 سبتمبر 2014م الموافق 12 ذي القعدة 1435هـ

مماحكات حول أقدم مسجد تاريخي!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل أسبوعين فوجئنا بخبرٍ عن إضاءة مسجد الخميس، أقدم مسجد تاريخي في جزر البحرين.

هذا الأثر التاريخي الضخم الذي يفترض أن يكون رمزاً جامعاً للبحرينيين، أصبح بفعل التجاذب السياسي غير الحصيف، مصدراً إضافياً للخلافات والنزاعات.

خلال الأسبوع الماضي استولى الموضوع على حيزٍ كبيرٍ في وسائل التواصل الاجتماعي، بعد صدور تصريحات غير لائقة إسلامياً ولا وطنياً، لمخالفتها التامة لميراث هذا البلد الطيب، القائم على مبادئ التعايش والتسامح والأخوة الإسلامية.

مسجد الخميس أو «المشهد ذو المنارتين»، ظلّ معموراً حتى مطلع القرن الماضي (العشرين)، حيث هُجر وأُهمل حتى باتت الدواب تدخل فيه، فتمّ تسويره. وهناك نظريتان تتجاذبان نشأته، إحداهما تُرجعه إلى عصر الخليفة الأموي العادل عمر بن عبدالعزيز، والأخرى تُرجعه إلى الدولة العيونية التي كان مركزها الإحساء. وتستند هذه النظرية إلى الآثار والكتابات القديمة.

مثل هذا الخلاف يُفترض أن يُترك للمؤرخين والباحثين، ليكون لبحوثهم العلمية الكلمة الفصل، لا أن يُترك مادةً للتجاذبات والمماحكات. ويجب أن يسلّم الجميع للحقائق التاريخية. لكن ما يجري هو العكس: المزيد من التجاهل والتجهيل، والتوظيف السياسي من أجل تسجيل أهداف مرحلية قصيرة النظر.

قبل عدة سنوات، لفت نظري عملية الترويج لإعلان عن «أذان جديد» سيتم رفعه في التلفزيون، باستخدام تقنيات جديدة متطورة. كان الترويج يتم على عدة مستويات، مسموعة ومرئية، ما كان يوحي بوجود شيء غير عادي. لاحقاً، وبعد عرض الأذان الجديد، عرف السبب فبطل العجب!

ظلّ هذا المسجد مدار تنازعٍ بين طرفين، كلٌّ يدّعي وصلاً بليلى. حتى في السبعينيات، قام أحد الفنانين البارزين برسم لوحةٍ لمحراب المسجد وغيّر فيها الأسماء المنقوشة بالصخر والطين، ما حمل بعض الكتّاب للرد عليه باعتبار عمله تزويراً. والتزوير عملٌ بشِع وغير حضاري، فالشعوب التي تحترم تاريخها وإرثها الثقافي لا تعمد إلى تزويره ولا تحريفه. والمثقفون والفنّانون هم أولى الناس بالتزام الحيادية واحترام الثقافة الوطنية والبعد عن النزعات الصغيرة.

لم يكن هناك حينها – في بداية السبعينيات- صحفٌ يومية، وإنّما كانت السوق رائجةً للمجلات الأسبوعية التي كانت ميداناً للسجالات والنقاشات الثقافية العامة. ومن المؤكد أن أحداً لم يخطر بباله أن يأتي يومٌ نتنزل فيه في نقاشاتنا إلى تكفير بعضنا بعضاً، أو اتهام بعضنا بالشرك، مع صمت الجهات الرسمية المعنية، سواءً وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف، أو الثقافة، أو الإعلام. وهي الجهات التي يُفترض أن يكون لها موقف واضح وصريح من هذه المهاترات.

في هذا البلد، كنا ومانزال نفخر بأن عاصمتنا تضم المسجد والجامع والمأتم، جنباً إلى جنب الكنيسة والمعبد للأديان السماوية، فضلاً عن المعبد البوذي والهندوسي. هذه الروح البحرينية الأصيلة باتت أمام تحدٍ جديد، مع بروز الدعوات التكفيرية السافرة، التي لا تعترف أصلاً بوجود طرف إسلامي «آخر»، ولا تعترف بأخوّته، فكيف يمكن أن تقبل بوجود أديان أخرى؟

في هذا البلد، كنا وما نزال نفخر، بوجود مساجد لمختلف الطوائف، حتى في المناطق غير المختلطة، دليلاً راسخاً على نزعة الروح البحرينية الأصيلة، في قبول الآخر واحتضانه كأخ في الدين أولاً، ونظيرٍ في الخلق ثانياً، ومساوٍ لنا في الإنسانية ثالثاً. أما اليوم فقد وصل التطرف بالبعض إلى اتهام حتى الوزارة المكلّفة بالشئون الإسلامية والأوقاف، بدعم أعمال الشرك! وهي نزعةٌ سرعان ما ستتحوّل إلى تكفير الدولة نفسها، كما جرى في دولٍ عربية أخرى، وما جرّه ذلك من مآسٍ وويلات.

اليوم حين تفتح التلفزيون، أو تتصفح الصحف، ستجد أخبار تنظيم «داعش» تسيطر على العناوين الأولى، وتحتل الجزء الأكبر من البرامج الحوارية في أبرز الفضائيات العربية وحتى الأجنبية. وهو التنظيم الذي أسفرت أعماله البشعة عن استنفار كل دول المنطقة، بما فيها الدول التي موّلته ودرّبت عناصره طوال السنوات الثلاث الماضية، ولم يكن يخطر ببالها أن هذا التنظيم سينقلب عليها أو يهدّد بغزوها أو ينفذ عمليات ضد مخافرها الحدودية.

آفة هذا الفكر الانعزالي المنغلق، الذي لا يرى غير الذات، أنه لا يعترف بوجود مسلمين آخرين في العالم سوى جماعته ومن يحملون فكره. وهو فكرٌ بات يتسرّب إلى هذه الأرض التي عٌرفت بالتسامح طوال قرون، وكشفت مدى تغلغله هذه المماحكات حول أقدم مساجدنا التاريخية في البحرين.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4383 - السبت 06 سبتمبر 2014م الموافق 12 ذي القعدة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 21 | 8:18 ص

      هو معلم اثري

      هو معلم اثري لا اكثر و لا اقل و لكننا ابتلينا بناس في البحرين تطأفن كل شيء حتى الحجر و الشجر

    • زائر 20 | 8:16 ص

      التطور البشري

      الناس وصلت القمر احنا للحين متهاوشين مين شيد المسجد!

    • زائر 16 | 4:42 ص

      هاده

      هاده المسجد كان يشهد فى الثلاثينات صلاة جماعة للشيعة وكانو موجودين فيهى علماء فطاحل من الشيعة بعدين صار مصيرهم السجون وطرد من البحرين وكل شعب البحرين يشهد هاده الي صار ابهم يعنى الحكومة لاتريد احد يتكلم بالحق .....

    • زائر 18 زائر 16 | 7:31 ص

      مسجد الى الطائفه الشيعيه

      حتي لو افترضا بناء المسجد تم في عهد الخليفه عمر بن عبدالعزيز هل يصح الاستيلاء عليه وتحويله من اداره الاوقاف الجعفريه وتاريخه يشهد بانه احد المساجد التي تخص اتباع المذهب الجعفري الي احد المتاحف الرسميه ويصبح كاحد المعالم الاثريه وتذهب قدسيته الى التاريخ ? وهل هذا القرار او الراي يطبق على باقي المساجد? بكره بعد يطلع راي بتحويل المسجد النبوي الى متحف وهو اقدم من مسجد الخميس !!

    • زائر 23 زائر 16 | 8:58 ص

      حسبي الله على الظالمين

      مثل ما فعلوا في تاربخ وتراث عاصمة البحرين القديمة البلاد القديم وما جاورها من القرى والبلدات و العيون والكواكب و عين عذاري و المساحات الخضراء والنخيل الذي بغطي جزيرة اوال حنى إنه خيرات البحرين كل زائر لها من دول الخلبج المجاورة يأخذه هدايا في ما مضى من اازمان كالبطيح و اللوز واللباباي و الرمان وغيره .
      مع تحيات مواطن مهاجر منذ أكثر من 100 عام

    • زائر 15 | 4:35 ص

      لو

      لو هاده المسجد مو تراث للبلد شان الحكومة هدمته مثل ماهدمت المساجد الأخرى المشتكى لله

    • زائر 14 | 2:19 ص

      خوف من الاخرليس غير

      هذا يسمى صراع الأماكن يعني انا هنا أنا موجود تعبير عن حاله نفسيه في الصراع

    • المتمردة نعم | 2:18 ص

      المتمردة نعم

      لماذا تتحجون في الحكومة سنين ولا احد يصلي في المسجد بصراحة من يوم احنا بصف الاول نشوف صورة المسجد في الكتب وعندنا قناعة انه معلم اثري من بنيانه ولان ولا مرة سمعنا احد يصلي فيه لماذا انتم بهذه الحساسية الان لماذا تشاكسون الحكومة امركم غريب

    • زائر 22 المتمردة نعم | 8:39 ص

      امركي غريب وقولك اغرب واغرب

      المسجد مسجد حتى مئة عام لم يصلى فيه وحرمة المسجد باقيه ولايجوز للجنب والحا ئض دخوله وغير المسلمين

    • زائر 24 المتمردة نعم | 9:53 ص

      الحكم الشرعي

      لاتنقضي مسجدية المكان لترك الصلاه فيه لو لعشرات السنين وحرمة دخوله تسري على الجنب والحائض والكفار الى يوم قيام الدين حتى لو كان ارض خاليه بدون اسوار فلها حرمه لاتنقضي ان شاء الله نستفيد نحن وانتي من المعلومه

    • زائر 11 | 1:59 ص

      حالة غريبة

      لأول مرة نرى دولة تعمد إلى تدمير تراثها الوطني

    • زائر 10 | 1:29 ص

      عمر بن عبدالعزيز

      رحم الله أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز الأموي القرشي و رحم أجداده الذين أسسوا أقوى و اعظم الإمبراطوريات العربية الاسلامية و الذين فتحوا الأمصار و ادخلوا الناس في الاسلام الصحيح

    • زائر 17 زائر 10 | 7:13 ص

      احسنت

      بالضبط هذا منطق داعش والنصرة

    • زائر 6 | 1:17 ص

      آه على تاريخك يا بحرين مصيرك مستهدف مثل شعبك

      تاريخ البلد مستهدف كاستهداف شعبه تماما

    • زائر 4 | 1:01 ص

      الخطّة الممنهجة لضرب التاريخ متواصلة

      هي خطّة ممنهجة لضرب المكون الشيعي وضرب تراثه وكل ما يمتّ له بصلة من تاريخ ابيض ...

    • زائر 3 | 10:50 م

      لا يغيض سلفي البحرين وجود معبد هندوسي او كنيسة كنيس

      المهم لا يكون فيه مسجد شيعي التي يطلق عليها النائب الخطيب الموالي والقريب جدا من السلطة بالمعابد الرافضية و المأتم الشركي وصف ضريح الشيخ عزيزي المقدس بضريح مدفون فيه كلب وسط صمت وزير العدل و النيابة وهو ما يفهم انه صمت العذارى هذا الانسان لم نسمع منه لغة عنيفة ولا حتى مخففة عن معابد الهندوس ولا كنائس المسيحيين ولا كنيس اليهود بل يغيضه مقدسات الشيعة

    • زائر 2 | 10:49 م

      لو كان بيدي لأصبح التراث تراثا

      أنا لدي وجهة نظر مختلفة تماما عما تقولونه ، التراث والتشبث بالماضي ومثل اللي ما له أول ما له تالي ومن لم يهتم بالماضي لا مستقبل له، هذه كلها خزعبلات يجب التخلص منها والاهتمام بالعلم والتكنولوجيا والتقدم ، لا أن نعيش ونتباكى على الماضي والتراث والمساجد الأثرية وغيرها من الأمور التي عفى عليها الزمن وأصبحت تأخد منا حيزا من الوقت والجهد والمال دون فائدة أو مردود، وها هي الدول الغربية وأمريكا اللاتينية مثال حي لكم كيف كانت وأين وصلت ونحن مازلنا نتباكي على مسجد قديم ولبس أجدادنا ونريد أن نلحق بالآخري.

    • زائر 7 زائر 2 | 1:20 ص

      حجة عليك

      الدول المتقدمة التي تتكلم عنها وتستشهد بها لم تهمل تاريخها بل هي اكثر الدول اهتماما بالاثار والتاريخ.كلامك يرد عليك.

اقرأ ايضاً