العدد 4413 - الإثنين 06 أكتوبر 2014م الموافق 12 ذي الحجة 1435هـ

التشرذم العربي هل يصلحه الحج والعيد؟

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

نعرف أن الحج أحد أركان الإسلام الخمسة، ولا يتم إيمان المسلم إلا إذا حجّ مادام قادراً على ذلك مع زوال كل الأسباب التي تحول بينه وبين الحج.

ونعرف أيضاً أن عيد الفطر يأتي بعد أداء فريضة الصيام التي هي ركنٌ من أركان الإسلام، كما أن عيد الأضحى يأتي بعد أداء فريضة الحج وهي أيضاً من أركان الإسلام الخمسة. ونفهم بداهة أن المسلمين يحتفلون بهاتين المناسبتين شكراً لله الذي وفقهم لأداء هذين الركنين ويسألونه الرضا والقبول.

إن الإسلام في مجمله ركّز على حسن العمل، فكل العبادات لا تكفي ما لم يؤدِّ المسلم حقها بصورة عملية على أرض الواقع، فالحج يفرض على المسلم أداء نوع من العبادات العملية في أماكن محددة وأوقات محددة، ولكن كل ذلك لا يكفي وحده؛ فأهداف الحج كثيرة ومن أهمها وأكثرها نفعاً للمسلمين وللإسلام، هو السعي لتوحيد المسلمين وجمع كلمتهم، ليكونوا خير أمة أخرجت للناس كما أراد الله لهم أن يكونوا؛ ولتعود لهم عزتهم وكرامتهم، وليحققوا إرادة الله لهم وهي نفع البشر جميعاً وتحقيق الأمن والأمان لهم.

في الحج تتمثل وحدة المسلمين بصورة عملية، فكلهم يلبسون اللباس نفسه، ويؤدون العبادات نفسها في الأمكنة ذاتها، وربما تلهج ألسنتهم بالأدعية نفسها ولربهم الواحد الأحد.

ويأتي العيد ليؤكد أهمية تلاحم المسلمين ووحدتهم؛ فالمسلمون وفي كل بلادهم، يجتمعون بعضهم مع البعض الآخر، ويتفقد غنيهم فقيرهم، وكبيرهم صغيرهم، ويتزاورون فيما بينهم بغض النظر عن اختلاف المذاهب والأديان، ويتبادل حكامهم التهاني والتبريكات بهذه المناسبة السعيدة، وكل ذلك يقرب فيما بينهم، وهذا من أهم معاني العيد، كما أنه من أهم معاني الحج في الوقت نفسه.

هذه الوحدة التي نراها في أيام الحج كما نراها في أيام العيد، لابد من العمل على تحقيقها في واقع المسلمين طيلة أيام السنة، بل طيلة الدهر، لأنها من أسس دينهم وعقيدتهم، ولاسيما في أوقات الضعف والتفرق كما هو عليه الحال في أيامنا هذه.

إن الناظر في وضع البلاد العربية يرى بوضوح مدى الضعف الذي تمر به؛ فلا تكاد تجد دولة عربية تخلو من مشاكل داخلية تكاد تعصف بها؛ فمن ليبيا إلى مصر وسورية والعراق واليمن والصومال ولبنان حيث نرى اقتتالاً داخلياً رهيباً وأعمالاً إرهابية وتدخلاً خارجياً أدى إلى إضعاف تلك الدول كلها وجعلها معرضة لكل أنواع المخاطر.

ودول الخليج هي الأخرى لا تخلو من مشاكل داخلية وتهديدات خارجية، مع تفاوت فيما بينها في حجم هذه المشاكل وطبيعتها. وهنا لابد من التأكيد على الحالة البحرينية لأنها في رأيي هي الأكثر خطورة لأنها تعتمد على الطابع المذهبي وهو الأخطر عادةً، وقد كتبت عن هذا الموضوع أكثر من مرة وأوضحت أن العدالة بين جميع مكونات الشعب هي السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار في البحرين، فالسني والشيعي هما مواطنان لا فرق بينهما، وما يتمتع به السني في البحرين يجب أن يتمتع به الشيعي سواء بسواء. وهنا يحدث الاستقرار للجميع وتمضي الدولة في تقدمها من كل الوجوه.

الحالة اليمنية بدأت تأخذ طابعاً مذهبياً بشعاً وغريباً على اليمن، وبدأ أمنها يختل وبصورة سريعة والقادم أسوأ بكثير إن لم يتم تدارك الأمر وقبل استفحاله، ومسئولية دول الخليج هنا أكثر من غيرها لأن الحوثيين إذا تمكنوا من اليمن فإنهم سيشكلون خطراً حقيقياً على الخليج وخصوصاً على المملكة العربية السعودية.

إن حالة دولنا العربية التي أشرت إليها، أغرت أعداءها باستغلال ثرواتها بأبخس الأثمان، كما أن بعض هؤلاء الأعداء يريدون تركيعها لتكون مطية للصهاينة يعملون من أجل الدفاع عنهم سواء أكان هذا الدفاع بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وأسوأ ذلك إضعاف روح المقاومة والجهاد ضد الصهاينة، وأيضاً الصمت على جرائمهم التي يرتكبونها ضد الفلسطينيين.

الحج والعيد فرصتان حقيقيتان لكي يفكر قادة المسلمين وعلماؤهم وأثرياؤهم في وضع خطوات عملية قابلة للتطبيق تقرب المسلمين بعضهم من البعض الآخر، وتزيل الاختلافات التي بينهم، وتجعلهم يستخدمون ثروات بلادهم وعقول أبنائهم فيما يقويهم ويجعلهم قادرين على حماية أنفسهم وتحقيق الأمن والرخاء لشعوبهم. وفي ظني أن هذا ممكن التحقيق ولكنه لن يتحقق إلا إذا تجرد الحكام من الأطماع الشخصية وأحلوا مكانها مصالح بلادهم وشعوبهم، وآمنوا أن شعوبهم هم سندهم الحقيقي وليس العدو الخارجي الذي يظنونه قريباً منهم ولكنه يلفظهم إذا أدوا مهمتهم ويبحث عن سواهم، والشواهد التي رأيناها كثيرة. وإلى جانب الحكام يجب أن يقف المثقفون ورجال الإعلام وسواهم.

لست في حاجة إلى التذكير بأن تحقيق شكل من أشكال الوحدة بين المسلمين ليس مستحيلاً، فقد كانوا موحدين وفي دولة واحدة ولمئات السنين، وعندما أدرك الغرب خطورة هذه الوحدة عليه ومن واقع تجارب كثيرة عمل على تفتيتها ونجح بعد محاولات متعددة حيث استطاع إسقاط الخلافة العثمانية، ومن ثم احتلال مجموعة من بلاد المسلمين، وتفتيت مجموعة أخرى، وكلنا سمع ما تردده بعض الدوائر الغربية والأميركية عن وجود نوايا لتمزيق دول أخرى وكأن التمزيق السابق لم يروِ ظمأهم ولم يحقق أهدافهم الاستعمارية الخبيثة، فسعوا إلى زيادة ذلك التمزيق ليزيد ضعفهم ضعفاً.

وإذا كنا ندرك صعوبة الوحدة بين دول العرب أو حتى مجرد التفكير فيها حالياً، لأن أمامنا تجارب مؤلمة في هذا الاتجاه، وآخرها ما حدث بين دول الخليج، فإننا نأمل أن تتصالح كل دولة مع شعبها أولاً، ثم إيجاد نوع من التعاون بين دول العرب من جهة، وبينها وبين الدول الإسلامية من جهة أخرى ثانياً... لأن ذلك يصب في مصلحتهم جميعاً، وربما هو الذي يحميهم من أعدائهم الذين يتربصون بهم.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 4413 - الإثنين 06 أكتوبر 2014م الموافق 12 ذي الحجة 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 17 | 8:11 ص

      الوعي الحقيقي حين يتحلى الكتاب والمثقفون بحس وطني بعيد ان النعرات الطائفية والتي يرون فيها الطائفة فوق الدين وفوق الانسانية وفوق القيم وكل اعتبار

    • زائر 15 | 5:01 ص

      الكاتب يحتاج ان ينصف نفسه وهو يكتب مقالاته

      يقول:الكاتب المحترم ان البحرين تعتمد على الطابع المذهبي.ونحن هنا نسأل الكاتب من هو الذي يغدي الطائفية في البحرين؟اما عن الحوثيين يقول:ان الحوثيين سيشكلون خطر على دول الخليج.وهنا سؤال ثاني هل لان الحوثيين تحرروا من العبودية اصبحوا خطر على دول الخليج؟اما بشأن الصهاينة يقول:هؤلاءالعداء يريدون تركيعها للصهاينة ويقصد بتركيعها يعني(الامة)وهنا سؤال ثالث من هو القائل يا استاذنا العزيز اذا نشبت حرب بين اسرائيل وايران سوف يقف مع اسرائيل؟واتمنى على الكاتب ان يقرأ العليقات حتى يعرف ان القارئ يجيدة القراءة.

    • زائر 14 | 4:01 ص

      لا ولن وكلا

      لا الحج ولا العيد ولا الزلازل ولا الأعاصير تصلح وضع العرب والمسلمين وهل يصلح العطار ما أفسده الدهر والتبعية وووووو

    • زائر 9 | 1:47 ص

      --------

      كل هالبلاوي إللي في العالم العربي و الإسلامي تعرف من سببها المشكلة إنك ما تجرأ تذكره وبالتالي تضل تلف ودور .... الله يفرج عنا

    • زائر 8 | 1:41 ص

      مقال إنشائي للصف الاول ابتدائي 4

      اننا بحاجة الى كتاب لا يمتهنون الكتابة لتحقيق مآرب خاصة بهم، فالسلطة الرابعة لها حرمتها و احترامها،وواجبها يتعدى المقالات المبتذلة في السعي لتنوير المجتمع و نبذ الفرقة ونشر الحب والتسامح، والتحليل القويم في مكامن النكوص من خلل و زلل لتقويم المجتمع لنهضته.

    • زائر 7 | 1:32 ص

      مقال إنشائي للصف الاول ابتدائي 3

      لذا، ونحن في مثل هذه الحالة من الوهن والتشرذم بسبب هؤلاء العملاء والوكلاء للخارج فإن الوحدة والتوحد لم ولن تتم بسبب مبدأ شيلني واشيلك و ويبقى العمل بمبدأ فرق تسد هو السائد. اما عن الدولة العثمانية التي تتشدق بها،فربما غاب التاريخ عنك عما فعلته في شعوبنا من خوازيق وسفك للدماء و نهب لخيرات شعوبنا بإسم الاسلام ،تماماً كما يحصل الآن مع ورثهم من الاردوغانية التركية، والمتخفين بعباءة الاسلام،والإسلام منهم براء، .....

    • زائر 6 | 1:21 ص

      مقال إنشائي للصف الاول ابتدائي 2

      وعندما تحرك الشارع العربي في بعض من الدول العربية في ما يسمى الربيع العربي ارتعدت فرائص من يحكم وبتخطيط جهنمي داخلي وخارجي تم حرف المسار بإثارة النعرات الطائفية على ايدي زنادقة الدين،والتدخل الفج والممجوج في بعض من هذه الدول بشكل يثير القئ كما حصل في سوريا واليمن والخليج. ان من يحكم بني يعرب لم و لن يمثلوا هذه الشعوب،فالقول و التمني بوحدة المسلمين هو مجرد خواء باهت وأحلام واهية.

    • زائر 5 | 1:10 ص

      مقال إنشائي للصف الاول ابتدائي 1

      التكلم عن الحالة العربية والخليجية و كأن الخلل يكمن في الشعوب بحد ذاتها،وليس الخلل في من حكمها وحولها الى مجموعة من الهمج الارعن الذين نسوا مبادئ و معاني الاسلام السمحة بحب الغير مهما كان دينه،فما بالك ان كان يشاطرك نفس المعتقد. لقد تم لهم ذلك بتلبيس الحق بالباطل في التحريض المذهبي عملا بمبدأ فرق تسد لمنع الشعوب في الحصول على المطالب المحقة في الحرية والعدالة والديموقراطية.

    • زائر 4 | 12:53 ص

      لا اظن ذلك

      يحتاج الوطن العربي لجيل شاب من المفكرين الغير ملوثيين بامراض العنصريه والطائفيه العمياء نرجو ان تفسحو لهم الطريق وشكرا

    • زائر 1 | 10:15 م

      لا

      لاتخاف على اليمن هي في يد امينه بعدما طهر الحوثيون صنعاء من الخونه والمجرمون وانت تعلم من يكونون الحوثيون وعلى نهج من هم تربو. اتركو اليمن تحل مشاكلها وابدئوبحل مشاكل شعوب الخليج وبالاخص شعب البحرين البطل وهم ايضاً تربو على نهج من يتبعه الحوثيون. نظف القلب وانت تكتب

اقرأ ايضاً