العدد 4440 - الأحد 02 نوفمبر 2014م الموافق 09 محرم 1436هـ

نقمة العراقيين

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تحدثنا كثيراً عن العراق. حديث عن الاحتلال الأميركي وأعوانه، وآخر عن الحكم الناتج عنه، وثالث عن فساد الساسة والسياسة فيه، ورابع عن الطائفية الدينية والسياسية، وخامس عن الإرهاب الأسوَد، وسادس عن النفوذ الإيراني فيه، وسابع عن خذلان المحيط العربي (في أغلبه) له. وثامن عن الفَدْرلَة والتقسيم الجغرافي، وتاسع عن ثقافة المغالَبَة.

وكي لا نضيع في الآحاد والعشرات، يجب أن نكتبَ عن أمر لا يقل أهمية عن كل تلك الموضوعات. إنه نقمة الفرد العراقي تجاه ما يحلُّ عليه في الشوارع والأسواق ودور العبادة، من عمليات تفجير إرهابية، طالت (ولازالت تطال) الأبرياء من النساء والكهول والأطفال، فضلاً عن تدمير البنى التحتية العراقية من مؤسسات ومنازل وممتلكات ومصادر رزق.

فحسب الإحصائيات المؤكدة أن 90 في المئة «من الانتحاريين الذين نفَّذوا عمليات إرهابية في العراق هم من جنسيات شيشانية أو أفغانية، وكذلك من شمال إفريقيا، فضلاً عن جنسيات عربية أخرى» حيث «يجنَّدُون ويتدربون في معسكرات» على «الحدود الفاصلة بين باكستان وأفغانستان، إضافةً إلى وجود معسكرات لهم على الحدود السورية» كما يذكر ذلك أحد المسئولين العراقيين.

دعونا ندقق في هذه الأرقام المنشورة عن تلك العمليات. فخلال الولايات الثلاث لحكم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي (20 مايو 2006– 8 سبتمبر 2014) وقعت خمسة وستون ألف عملية تفجير في العراق سواء بانتحاريين أو سيارات مفخخة أو عبوات ناسفة، أو عبر اشتباكات مسلحة راح ضحية مجموعها 309032 قتيلاً و487000 جريحاً».

وطبقاً للإحصائيات المنشورة، التي اعتَمدَت على معلوماتٍ كل من وزارتَيْ الصحة والداخلية العراقيتيْن، فإن معدل التفجيرات في العراق ما بين عامي 2005– 2010 بلغ ألف تفجير شهرياً، أي بمعدل 33 تفجيراً كل يوم، 45 في المئة منها هي عمليات انتحارية إن بسيارات أو أحزمة ناسفة، بلغت ذروتها في شهر مايو/ آذار 2007 حيث وقع 2080 تفجيراً.

وإذا ما دقّقنا في تلك الأرقام، مستذكرين أن أيام المالكي في السلطة هي 3034 يوماً بالتمام، فهذا يعني أن كل يوم منها قد وقعت فيه 21.5 عملية تفجير، أي 7.8 آلاف عملية كل عام. وحسب طبيب من وزارة الصحة العراقية فإن هناك 20 إلى 55 جثة معروفة يتم تسلمها يومياً، دون احتساب الجثث التي يتم العثور عليها في مناطق نائية، حيث تُرمَى بعد أن يُعذَّب ثم يُقتل أصحابها. وهي بحساب الأرقام تناهز الرقم الأول في أقصاه.

وبعيداً عن أي شيء آخر، لا يجب الحديث هنا أمام كل تلك الدماء المسفوحة إلاَّ على نقمة الفرد العراقي كما كنت أشير. فإذا كان 90 في المئة من عمليات التفجير يقوم بها انتحاريون شيشانيون أو أفغان أو عرب أو أفارقة، فهذا يعني أن 58.500 ألف عملية إرهابية قام بها أجانب، بينما 6500 عملية فقط في 8 سنوات وثلاثة أشهر قام بها عراقيون، بعضهم من المختلين عقلياً يتم خطفهم، الأمر الذي يعني أن الخارج هو الأساس.

هذا الأمر جدّ خطير، حين يُدفَع المواطن العراقي إلى زاوية لا يرى منها سوى أنه مُحارَبٌ من جهات عربية وإسلامية. هو يرى أن محيطه متورطٌ في سفك دمه، سواءً عبر التحريض الإعلامي الطائفي أو عبر الدعم المادي واللوجستي للإرهاب أو غض الطرف عنه.

كل عملية تفجير تحدث، وكل جنازة يتم رفعها على الأعناق، يعتقد ذووها أن الخارج هو المسئول عن دمها. والحقيقة أن هذا الموضوع معقد تماماً. فإذا ما سلَّمنا أن الانتحاريين يأتون من معسكرات تدريب على «الحدود الفاصلة بين باكستان وأفغانستان، إضافة إلى وجود معسكرات لهم على الحدود السورية»، فإن ذلك يعني أن مساراً طويلاً لَزِمَ أن يقطعوه.

وضمن ما يعنيه ذلك الأمر، أن هناك خط إمداد واتصال بين هذه المجموعات وبين أهدافها، بدعم من قوى لها إمكانيات كبيرة تجعل من مسيرهم آمناً. هذا الأمر قد لا تكون ارتداداته واضحة الآن، لكنه حتماً يؤسس إلى أمن إقليمي هش، بوصول آلاف العراقيين إلى مرحلة يعتقدون فيها أنهم أمام تحدي الذوبان والفناء، وبالتالي اصطفافهم في مسار عدائي مع المحيط كيفما اتفق. وهو أمر لا يدعو إلاَّ إلى القلق.

باعتقادي، أن علاج هذا الأمر بشكل سليم فيه مصلحة جماعية. فالعراق هو عمق استراتيجي للعرب منذ القِدَم. وكان يوماً من الأيام خيراً على جاليات عربية كثيرة كانت تستفيد من الوفرة المالية فيه، ومن فرص العمل الكثيرة في مؤسساته، وبالتالي فإن تحويل العراق إلى قوة ضمن النظام الأمني والاقتصادي العربي هو أمر مهم. كما أن الشراكة الاقتصادية عندما تقوى، تفضي إلى مصالح أخرى أوسع.

أضرب مثالاً هنا. قبل أيام أعلنت الهند أنها كشفت مخططاً «لجماعة متشددة محظورة لاغتيال رئيسة وزراء بنغلاديش وتنفيذ انقلاب»، و«هدم البناء الديمقراطي» فيها، وأنها «ستسلم بنغلاديش ملفاً فيه تفاصيل المخطط الذي وضعه أعضاء جماعة المجاهدين التي نفذت عشرات الهجمات في بنغلاديش التي تجاور الهند من جهة الشرق».

ولو رجعنا إلى طبيعة العلاقة الاقتصادية بين الهند وبنغلاديش في التجارة والاستثمارات والمياه والطاقة والحدود والتبادل الثقافي والتعليم، سنرى أنها جعلت مصلحة الطرفين في أن يتبادلا الأمن والاستقرار، كي لا يؤثر ذلك على الدائرة الصلبة بينهما. بل إن الهند تعتقد أن حصول مثل ذلك انطلاقاً من أراضيها قد يُسبب حساسيات دينية (هندوسية/ إسلامية) الأمر الذي سيزيد من تعقيد الأمور أكثر.

هذا الأمر يمكن إسقاطه على العلاقة المفتَرَضَة بل والواجبة بين العراق ومحيطه العربي والإسلامي. وعلى البعض أن لا يعتقد بأن العراق يمكن أن يبقى «جمهورية موز» إلى الأبد. وإن اعتقد ذلك البعض أنه قادر على ذلك فهو واهم. فالأيام كساقية الماء لا تبقى على حال.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4440 - الأحد 02 نوفمبر 2014م الموافق 09 محرم 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 6:51 ص

      من رحب بالامريكان ؟

      من رحب بالامريكان و طلبهم لغزو بلاده هم اليوم من يحكمون العراق

    • زائر 7 | 6:19 ص

      العراق الجريح

      احسنت ابو عبد الله على المقال الرائع تحليل منطقي بالحقائق والأرقام أتمنى ان يستعيد العراق الجريح عافيته ودوره الإقليمي والدولي

    • زائر 6 | 1:37 ص

      لن تحترم حتى تنقل البلاء لهم في بلدانهم

      وجب على العراق نقل المعركة لأراضيهم لتلك البلدان المصدرة والداعمة للإرهاب حان وقت العين بالعين ويتذوقون بلاء العراقيين ولك اخي أكثرية الانتحاريين هي من البلد المجاور والملاصق لها وهي المفرخ والحاضن للإرهابيين تمويلا وتسليحا

    • زائر 5 | 11:40 م

      جنسيات شيشانية أو أفغانية، وكذلك من شمال إفريقيا، فضلاً عن جنسيات عربية أخرى

      هذا يدلّل على ان الخراب في العراق من جهات عربية ومذاهب بعينها ترى حليّة الدم الشيعي فلا تحشر التدخل الايراني في الاسباب. الاعراب هم من يموّل ويدعم هذه الاعمال الارهابية والدول القائمة على مثل هذه الاعمال مكشوف لكل العالم وان كان المال يسكت بعض الالسن الا ان احرار العالم يقولونها ويعلنونها بصراحة من هم وراء هذه الاعمال

    • زائر 4 | 11:37 م

      نعم ومن حق الفرد العراقي ان يختزن كل انواع الحقد والكراهية على هؤلاء الارهابيين

      من المتوقع ان تدور الدوائر كما عودنا الزمن وسوف يكون الكثير من هذه الشعوب في مرمى الشعب العراقي حين يستعيد القليل من عافيته فإنه لن يغفر لهؤلاء وأقولها من واقع لامسته بنفسي في آخر زيارة قمت بها للعراق قبل سنة حيث رأيت ان الشعب العراقي يختزن الكثير من الحقد على بعض الشعوب التي ساهمت في كل ما ينزل به من بلاء وويلات وحسب وجهة نظري ان الشعب العراقي سوف لن ينسى هذه الحرب القذرة عليه ولن يغفر لمن ساهم فيها

    • زائر 3 | 11:36 م

      متابع

      (( تحدثنا كثيرا عن العراق )) ، لم تتحدث عن اليمن حتى الآن أستاذ محمد ، الحديث عنه مهم حتى ينقشع الضباب عن عيون الكثيرين

    • زائر 2 | 11:19 م

      كلام جميل،لكنني لا اتفق معك بأن هناك نظام أمني إقتصادي عربي.

      لأنه أساسا لا توجد لدينا دول بمفهومها الحقيقي،فهناك رعاة و بهائم حسبما يتصورون. فالنظام الأمني بمفهومهم هو قمع المواطنين بأقصى طرق الإستعباد لديمومة بقائهم،إما النظام الإقتصادي فهو خاضع لمن نصبهم ولاة على قفار الأرض التي قسمها سايكس و بيكو الى محميات...نسميها نحن جهلا بالوطن العربي...اما عن هذه الجماعات المدعية بالدين فهي تدخل في مخطط خلط الأوراق لحرف مسار التغيير القويم عن نهجه،و لخلق بعبع لمن نصب من ولاة للعودة الى بيت الطاعة و الولاء.

    • زائر 1 | 10:12 م

      ما يحدث للعراق حقد طائفي

      ما يحدث برمته طائفي وبامتياز وأعتقد أن التفجيرات الانتحارية في العراق هي حقدا أسودا وطائفي الغرض منه منع استمرار أن يحكم العراق وغيره من الدول العربية أي شخص ينتمي إلى المذهب الشيعي وأجزم هنا أنه لو كان رئيس وزراء العراق من الطائفة السنية الكريمة لما حدث ما حدث في تلك الفترة أو على الأقل انخفض بنسبة 90 في المئة ، الدول العربية المجاورة للعراق لا تريد إلا أن يكون الحاكمون فيه من فصيلتهم ولا يحق لغيرهم تقلد أي منصب قيادي رغم أن إبان حكم صدام كان هناك الكثير من الشيعة يتقلدون منصاصب قيادية ولم يحدث

اقرأ ايضاً