العدد 4447 - الأحد 09 نوفمبر 2014م الموافق 16 محرم 1436هـ

سُحُب السياسة وأمطارها

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يتفنَّن السياسيون عندما يريدون أن يُخفوا حقائق الأمور. فهم عادة ما يصفون مشكلاتهم مع الآخرين على أنها مجرَّد سحابة صيف. وهم يقصدون ضمن ما يقصدونه من ذلك أنها أزمة طارئة وغير متمددة لا أفقياً ولا عمودياً سرعان ما ستنقشع.

والحقيقة أن مثل تلك العبارات هي «تبسيطية» ولا تنطوي على تفسير صحيح. ففي كثير من الأحيان، يفضح الطقسُ السياسيينَ ليكشفَ لهم أن هناك سُحُباً لا تنقشع بسرعة. فليس كل سحابة صيف يمكنها أن تذوب في الهواء قبل أن ترمي ماءها، الذي قد يُروي الأودية والشعاب، لكنه أيضاً قد يُغرق الأرض حتى يفيض بها الماء قبل أن يُغَاض.

فخبراء الأنواء يقولون بأن تدفق التيارات الهوائية الرطبة خلال الصيف من المناطق شِبه الاستوائية نحو الطبقات الجوية العليا أو المتوسطة، وارتفاع الرياح الدافئة بفعل حرارة الجو باتجاه الأعلى مع تواجد الرطوبة في الطبقات المنخفضة يُنتِج تكاثفاً فسحباً صيفية تكون ماطرة!

الحقيقة، أن هذا التوصيف المناخي يتناسب كثيراً مع ما نعيشه من أزمات أغرقتنا رغم تهويننا لها باعتبارها سُحُب صيف لا أكثر. كيف لا وقد اقترب مجيء سُحُب الشتاء القاسية التي هي أشد من سابقتها ببرقها ورعدها. فاختناق السياسة لدينا أصبح حقيقياً إلى الحد الذي لم يعد يُستَر، منذ ما بعد حالة اللاستقرار مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2010.

فقد أظهرت السنوات الأربع الماضية، أن كل أزمة سياسية انفجرت تحت أقدامنا، خَلَقَتْ معها حلفاء جُدُداً، وخصوماً جُدُداً في الوقت ذاته. عندما انهار حكم زين العابدين بن علي في تونس بدا أن دولاً ساهمت في ذلك التغيير إلى حد ما، في الوقت الذي كانت دولٌ لم تشأ أن يحدث ذلك التغيير فكان لها ما كان. وبعضها انضم إلى هذا وذاك طبقاً لمقتضى مصالحه، خصوصاً بعدما شُوهِدَ الإسلاميون وهم يلتهمون السلطة والمجتمع معاً.

انجرَّ ذلك إلى مصر، حيث كانت العلامة الأكبر للتحالفات والخصومات الجديدة، وأيضاً للأطراف الحَذِرَة التي رامت الصمت إلى حيث لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. تدحرج الأمر في ليبيا ثم سورية ثم اليمن. وفي كل ملف من ذلك، كان الحلفاء والخصوم يتعمقون كلٌ في موقعه كحليف أو خصم، حتى جاءت لحظة الارتجاع لمواقع النفوذ والقوة وإن بسبل أخرى.

اليوم، تبيَّن أن ذلك الارتجاع ليس أمراً محسوماً بعد. فتونس بدأت في العودة إلى نقطة التوازن إلى حد ما، بعد «الخسارة النسبية» للإسلاميين، و»الصعود النسبي» للقوى العلمانية، مصحوبةً بشخصيات كانت عاملة في حقبة الرئيسين بو رقيبة وبن علي.

في مصر، أطِيحَ بالإخوان المسلمين، وشُقَّ التحالف من أجل الشرعية بخروج حزب الوسط منه، لكن مصر لا يبدو أنها على سكة الاستقرار، بعد أن ظهر أن جهة ما تريد لها أن تغرق في الفوضى، بعد كل هذه العمليات الإرهابية ضد الجيش وصولاً للجامعات.

في ليبيا، حدِّث ولا حرج. فالبلد تحكمه قوَّتان، واحدة في طبرق وأخرى في طرابلس؛ ويحكمها جيشان، واحد نظامي وآخر ميليشياوي؛ وتحكمها هويتان، واحدة جامعة وأخرى تفتيتية؛ وتحكمها ثقافتان، واحدة مدنية، وأخرى متطرفة. وأمام كل أشكال تلك الثنائيات، يظهر الحلفاء والخصوم في لحظة صراع ميداني لا تحجبه السحب ولا غيرها.

في اليمن، تتغير أحشاء البلد بالكامل. فمن كانوا خصوماً أصبحوا حلفاء، ومَنْ كانوا حلفاء أصبحوا خصماء. هذا الأمر انطبق على الخارج أيضاً. وباتت اليمن تعيد إنتاج نفسها بصورة غريبة، يتداخل فيها القديم بالجديد، واليمين باليسار، والرجعية بالثورية، والتغيير بالسكون، ليزداد المشهد غموضاً وحذراً وخوفاً مما بقي ومما سيأتي من حال.

أما في سورية، فإنها أجلى صور الانقسام، وأكثر المناطق التي ترمي بسحبها الماطرة على السياسة الإقليمية والدولية. فمَنْ صارعوها أخذوا يتصارعون فيها. ومَنْ حالفوها باتوا يتحالفون بشأنها. وأصبحت قوى مسلحة كانت عصية على الكسر، مُهشَّمة على أرضها. وباتت رسائل الخصوم والمتهارشين تُتَبادَل بشأنها وهكذا دواليك.

هذه هي المنطقة الآن وهذه هي أحداثها. فمَنْ دفعتهم الظروف الجديدة القاهرة لأن ينظروا لبعضهم ويضربوا معاً في اتجاه واحد هم في عجلة من أمرهم. فَعَينهم مرة إلى الأمام حيث بعضهم، ومرة إلى الخلف حيث المقاعد التي يجب أن يتموضعوا عليها «استراتيجياً» طبقاً للمصالح التقليدية الصلبة.

ومَنْ دفعتهم الظروف لأن يشهروا السيوف على بعضهم لذات الظروف الجديدة والخارجة عن الإرادة بفعل التدافع هم أيضاً في عجلة من أمرهم؛ فعينٌ على الخصم الجديد وأخرى على المتحالفين الجدد، كي يمنعوا عنهم استثمار ما هم فيه، ويستولوا على الغنائم. هو أشبه بسباق درامي محموم مع الوقت، لأطراف لا تجري الحرب على أرضها.

ومن المفارقة حقاً أن نرى ملفات تُفدَى بأخرى أو تُنَضَّج بها، وكأنها سوق للسلع، يتبادل فيها التجار بضائعهم، ليس آخرها الملف النووي الإيراني، أو شخص رئيس الوزراء في العراق، أو حصار الغوطة الشرقية في دمشق، أو أسرى ومخطوفين أو لاجئين هنا وهناك، بل وحتى صفقات سلاح أو غذاء وأخرى سياسية.

لا أحد يعلم (بما فيهم الأطراف المتصالحة والمتخاصمة ذاتها) أين سيرميهم التيار، لكن الذي يبدو أنها عاصفةٌ لا استقرار فيها، وتحتاج إلى وقتٍ ليس بالقصير، لذا وَجَبَ على الكل تقديم «تنازلات معقولة» كي لا يخسر الجميع كل شيء.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4447 - الأحد 09 نوفمبر 2014م الموافق 16 محرم 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 9:10 ص

      احسنت

      اعجبني المقال بما يتضمنه من عمق

    • زائر 3 | 11:54 م

      تحالف الأقليات

      سيأتي اليوم الذي سيخسر فيه تحالف الأقليات الذي تريد أمريكا تأسيسه في المنطقة فالشعب العربي أقوى منهم

    • زائر 5 زائر 3 | 2:30 ص

      التاريخ يقول غير ذلك

      تحالفت الأقليات من الفقراء والمستضعفين عند انبلاج الإسلام وانتصرت

    • زائر 6 زائر 3 | 5:51 ص

      الأقليات و الخيانات

      تحالفت الأقليات مع المغول ليحكموا و ذهب المغول و خسرت الأقليات و تحالفوا مع الصليبين و جاء الناصر صلاح الدين و خسرت الأقليات و فازت الأمة و حررت مصر من ....... الأقليات و تحررت فلسطين

    • زائر 8 زائر 3 | 11:52 ص

      وهذه

      لم تتحالف الأقليات مع الدولة العثمانية التي تدعي الأمة إلى أن انهارت دولة السلاطين وبقيت الأقليات

    • زائر 2 | 11:05 م

      من الذاكرة

      قبل غزو الكويت قال حسني مبارك بأنها سحابة صيف ثم وجدنا جيش صدام في داخل الكويت الحبيبة يحتلها

اقرأ ايضاً