العدد 4490 - الإثنين 22 ديسمبر 2014م الموافق 30 صفر 1436هـ

تونس 2014

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

صباح الخامس عشر من يناير/ كانون الثاني 2011 والأيام التي تلته، كان من المستحيل على جهابذة الاستشراف والتحليل السياسي أن يتوقّعوا مآل تونس سياسيّاً وأمنيّاً، وعدد السنوات المتوقَّع لعودة الاستقرار إلى البلاد.

وبعد أربع سنوات من المرحلة الانتقالية التأسيسية، هاهي تونس تكتسب خبرة قرون وتختزل تجارب عقود من الزمن، وتنهي مرحلة تأسيس طال انتظارها في الشارع التونسي وكَـثُر الجدل حول جدواها، ولم تغفل عنها المتابعة العربية والدولية.

ها هي تونس تُنهي المرحلة الانتقالية وتُسدل الستار عن الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية في دورتها الثانية؛ ولئن لا يمكن الجزم، إلى حدّ كتابة هذه الأسطر، بالمترشح الفائز بين المرشَّحيْن: الرئيس الحالي المنصف المرزوقي أو رئيس حزب نداء تونس الباجي قائد السبسي، فإنّه يمكن إعلان نتيجة أكيدة وثابتة وهي: انتصار تونس 2014.

إنّ اختيار تونس بلد العام في 2014 من طرف مجلة (The Economist) الإيكونوميست البريطانية، يؤكد من جديد الإشادة الدولية بنجاح الانتقال الديمقراطي في هذا البلد؛ حيث نجح في تجنّب الوقوع في مطبات الصدام العنيف والاحتراب الأهلي. ورغم التشنّجات والأجواء المشحونة فقد اكتفى المتنافسون، سواءً في التشريعية أو الرئاسية بدورتَيْها، بالمبارزة اللغوية بديلاً عن أصوات الأسلحة.

ولقد استطاعت تونس أن تبنيَ مؤسساتها الدستورية وهي أولى المكاسب وأهمّها، وذلك عبر آلية التوافق بين الفرقاء السياسيين، إذْ توارى العداء التاريخي وذَوَى التنافس بين الأحزاب كلما تعلّق الأمر بمصلحة البلاد العليا؛ فلقد تقاربت الأحزاب وتنازلت عن بعض مطالبها في سبيل إنجاح المرحلة بكتابة دستور جديد وقع الاحتفاء به في يناير 2014، وضُبِطَت بعده الأجندة الزمنية للانتخابات والتي وقع احترامها ليكون موعد الحادي والعشرين من ديسمبر 2014 آخرها، بانتخاب أول رئيس لتونس انتخاباً حراً ومباشراً عبر صناديق الاقتراع.

ولقد كان الحوار الوطني، الذي أمّنه الرباعي الراعي للحوار (الاتحاد العام التونسي للشغل، الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، عمادة المحامين واتحاد الصناعة والتجارة) الصيغة المثلى والآلية الحكيمة التي سهّلت التقدم نحو الخروج بالبلاد من عنق الزجاجة، خصوصاً بعد حادثة اغتيال الشهيد محمد البراهمي في يوليو/ تموز 2013. ولعلّ في ذلك رسالة إيجابية إلى الفرقاء السياسيين، خصوصاً في ليبيا واليمن وسورية وغيرها، باعتماد آلية الحوار التي تقتضي التنازل لمصلحة البلاد كلما وصلت الأفق إلى الانسداد.

كما أنّ من مظاهر النجاح التي ميّزت التجربة التونسية في انتخابات 2011 و2014، تولّي هيئة مستقلة تَوافَق الجميع عليها للإشراف على المواعيد الانتخابية، وهو إجراء جديد لم يكن للتونسيين عهدٌ به. كما أنّ الإعلام العموميّ وقف على نفس المسافة من جميع الأطراف السياسية في التشريعية والرئاسية، وعامَل كل المترشحين للرئاسية في الدورة الثانية على قدر المساواة. ورغم أن المنصف المرزوقي الرئيس الحالي قائد القوات المسلحة والمرشح للانتخابات، فإنّه قد خاض حملته كبقية المترشحين دون استغلال لنفوذه، بل لعلّه تعرّض للنقد اللاذع أكثر من غيره.

كما رأينا مارثوناً من التنافس والدعاية خصوصاً في الدورة الثانية للرئاسية، بما فيه من التواصل المباشر مع المواطنين على غرار بعض الدول العريقة في الانتخابات الديمقراطية؛ تنافس يحافظ على تشويقه إلى لحظة الإعلان عن الفائز النهائي بكرسيّ قرطاج.

ومن المكاسب التي حصدتها تونس خلال هذه المرحلة الانتقالية عودة الروح إلى الساحة السياسية بعد عقود من الركود فرضها نظام الرئيس المخلوع، ومن قبله نظام الرئيس الأول للجمهورية الحبيب بورقيبة. كما تطوّر نبض المجتمع المدني فتشكّلت الجمعيات بمختلف مشاربها وتخصّصاتها، وترسّخت عادات وتقاليد سياسية ومدنية طالما اكتفى التونسيون بمتابعتها عبر التلفزيون أو الانترنت في الدول الديمقراطية.

وعلى خلاف العديد من الدول العربية التي شهدت موجة من الاحتجاجات والثورات، قدّمت تونس رسائل إيجابية ونموذجاً مغايراً في الانتقال الديمقراطي، لكن لم يكن هذا سوى نصف الطريق، ولايزال أمامها مسئولية إكمال النصف الثاني بإخراج البلاد من أزماتها الاقتصادية والاجتماعية بمعالجة مشكل البطالة وتطويق رقعة الفقر والحد من غلاء المعيشة، والتخفيف من التوتر الأمني والقضاء على بعض الجماعات المسلحة والمتطرفة، دون العودة إلى مظاهر الاستبداد التي أشعلت يوماً ما ثورة شعبية ضد فساد نظام الحكم.

وبعد سرد جملة من المكاسب والنجاحات، التي تبقى نسبيّة ولكنها محترمة، يتطلّع التونسي في 2015 إلى الإسراع في حلّ المشاكل العالقة، حيث أنّ التحديات جمّة، اقتصادية واجتماعية وأمنية، ولن يكون الحلّ إلاّ بتعاون كل الأطراف من حكومة ورئاسة ومعارضة وشعب.

كما يتطلع التونسي اليوم، وبعد الانتهاء من الحملات الانتخابية المشحونة، إلى ثورة فكرية وسلوكية تقطع مع مظاهر الإقصاء وتقبل بالتعايش مع الآخر، مهما كان لونه السياسي والإيديولوجي. وتحضرني هنا أبيات، تناقلها بعض الأصدقاء على المواقع الاجتماعية، نقلاً عن محي الدين بن عربي، تُصوِّر ما يتطلع إليه التونسيون جميعاً حيث قال محيي الدين بن عربي:

لقد كنتُ قبل اليوم أُنكر صاحبي … إذا لم يكن ديني إلى دينه داني

وقد صار قلبي قابلاً كل صورةٍ… فمرعى لغزلانٍ وديْر لرهبان

وبَيْت لأوثان وكعبة طائف … وألواح توراة ومصحف قرآن

أدين بدين الحب أنّى توجّهت … ركائبه فالحب ديني وإيماني.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 4490 - الإثنين 22 ديسمبر 2014م الموافق 30 صفر 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 3:50 م

      كل التهاني للأهل تونس

      برافو مرة أخرى تؤكدون استحقاقكم للحياة الديمقراطية

    • زائر 4 | 5:37 ص

      تستاهل

      إنّ اختيار تونس بلد العام في 2014 من طرف مجلة (The Economist) الإيكونوميست البريطانية، يؤكد من جديد الإشادة الدولية بنجاح الانتقال الديمقراطي في هذا البلد؛ حيث نجح في تجنّب الوقوع في مطبات الصدام العنيف والاحتراب الأهلي. ورغم التشنّجات والأجواء المشحونة فقد اكتفى المتنافسون، سواءً في التشريعية أو الرئاسية بدورتَيْها، بالمبارزة اللغوية بديلاً عن أصوات الأسلحة.

    • زائر 3 | 2:40 ص

      تونس 2014

      مقال موضوعي أين موقف الاتب من الفائز؟؟؟؟؟

    • زائر 2 | 12:55 ص

      هل عاد النظام القديم؟

      النظام القديم الذي فشل على مدى ستين عاماً في تونس ومصر وسواهما، أعجز من أن يقّدم جرعات العلاج الذي طلبته الشعوب: حرية وكرامة وعيش كريم

    • زائر 1 | 11:41 م

      مبروك لتونس

      والله شرفتونا يا أ هل تونس

اقرأ ايضاً