العدد 4503 - الأحد 04 يناير 2015م الموافق 13 ربيع الاول 1436هـ

سَنَةٌ عَجْفَاء وعَامٌ رَخِيّ

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

انتهت سَنَة 2014. عفواً، وقبل كل شيء، هل نقول عاماً أم سَنَة. ابن سيدة في لسان العرب قال: لا فرق بين العامِ والسَّنَة. كما جاء في اللسان أيضاً: «عاوَمَتِ النخلةُ إذا حَمَلتْ سنة ولم تحْمِلْ أُخرى». لكن الفرق بين العَام والسَّنَة، صار يُذكر في تفسير استعمالات المفردتيْن في القرآن الكريم، كما ذكر ذلك المفسرون.

فقد قيل بأن السَّنة، تُستَخدم لذكر العدد وعَدِّه: «ولِتَعلمُوا عَدَدَ السِّنينَ والحساب» (الإسراء، 12)، وأيضاً لوصف فترة الشِّدة والجَدْب التي تمر على الناس والزرع والحيوان: «ثُمَّ يأتِي مِنْ بعدِ ذلكَ سَبْعٌ شِدادٌ يأْكُلنَ ما قدَّمتُم لهُنَّ» (يوسف، 48).

أما العام فيستخدم لتحديد المدة ومرور السَّنة (كما أسلفت) أو حتى لتثبيت الحدث، مع الإشارة إلى الرخاء والراحة التي تمر على الناس والنبات والحيوان، إن كانت ماطرة وبلا كوارث وغيرها: «ثُمَّ يأتي من بعدِ ذلكَ عامٌ فيه يُغاثُ النَّاسُ وفيهِ يَعْصِرون» (يوسف، 12).

هذه مقدمة ضرورية كي نُثبِّت أن ما مضى علينا (2014) كان سَنَة وليس عاماً بذات المقاييس التي ذكرناها. كيف؟ لنمعن النظر فيما حولنا من مآسي: سورية، والعراق، واليمن وفلسطين. ثم أزمات سياسية في البحرين ومصر ولبنان وتونس. وخارج الإطار العربي، هناك حيث باكستان وأفغانستان. وبالتالي فهي سَنَة جَدْب وشِدَّة.

لكن، وأمام الصورة القاتمة للسَّنة الماضية، لا يمكن أبداً أن نبدأ «عامنا» الجديد بتشاؤم. علينا أن نقتنع، بأننا قادرون على فعل شيء لأنفسنا، وبالتالي لعوائلنا، والأكيد لمجتمعاتنا وأنظمتنا السياسية وأوطاننا. فـ «نحن» جميعاً نستطيع أن نقول ونفعل.

في قراءة جديدة لمحرِّري «رويترز»، خلصوا إلى استنتاج بأن إفريقيا، تلك القارة المتهالكة في اقتصادياتها وأزماتنا الصحية نتيجة الإيبولا الذي يهدد النسيج الاجتماعي والبنى الاقتصادية فيها، يمكن أن تقفز إلى مراتب متقدمة خلال هذا العام الجديد (2015) بنسبة نمو تصل إلى 5 في المئة أو أزيد من ذلك.

أما بخصوص مسألة «داعش» في العراق وسورية، فإنني أعتقد بأن العام الجاري سيكون حاسماً في مسألة المواجهة مع ذلك التنظيم الإرهابي، الذي لم يعد يعترف حتى بتنظيم القاعدة، ولا بشخصيات الجهاد العالمي التقليدية كأيمن الظواهري وأضرابه. لقد أثبت ذلك التنظيم (أي داعش) أنه عَصِيٌّ على الاستيعاب، وبالتالي هو يُوحِّد الجهود ضده.

نكَّل بثلاث عشائر سُنِّية في الأنبار، دفعت ضريبتها الأكبر عشيرتا آل بو نمر والجبور، التي حاربته بشراسة في جنوب الضلوعية وطيلة أشهر، وقاتلته الشعيطات في دير الزور. لقد سَبَى التنظيم نساء الأقليات، وذبح رجالهم، ولم يبقَ له من نصير سوى التراب الذي يقف عليه.

مَنْ كان يتخيَّل أن تتداعى إلى تحالف موضوعي، إيران والعشائر العراقية في المناطق الغربية من العراق. ومَنْ كان يُصدِّق أن تمتد التحالفات إلى شمال إفريقيا وشبه الجزيرة العربية، بعد أن فتح التنظيم جبهات جديدة له «في شبه جزيرة سيناء وفي ليبيا وربما في اليمن».

ومَنْ ظَنَّ أن سقوط الموصل سيقود إلى سقوط نوري المالكي حيث تنفَّس الواقع السياسي الداخلي للعراق الصعداء، وبدأ الإقليم في الانفتاح على بلاد الرافدين، وهو ما شكَّل عقداً سياسياً جديداً في جوفه ومع خارجه. وبدأ خوف العشائر السُّنية من المركز يقل عن السابق، الأمر الذي جعلها أكثر اندفاعاً نحو الدخول في مشتركات الصراع ضد «داعش» في الغرب.

في الملف النووي الإيراني، بات الاتفاق بين طهران والدول الست في العام الجديد أقرب من أي وقت مضى. وعلى حد قول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن اتفاقاً بات في متناول اليد. هذا الاتفاق سيعيد ترتيب العديد من القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية في المنطقة، كونه يُبرَم مع ست دول كبرى، تتقاسم النفوذ في المنطقة.

كما أن زيادة المشتركات الإيرانية الغربية يجعل من إمكانية توسيع المشتركات الإقليمية أمراً قائماً، وهو ما يعني مزيداً من الاستقرار في ظل رؤية متقاربة للأطراف الفاعلة، التي أمامها ملفات ساخنة وملتهبة على كامل حواف الإقليم، سواء في الغرب أو الجنوب الآسيوي، أو في أقصى مناطق شبه الجزيرة العربية حيث اليمن ولجم الصراع الطائفي.

في لبنان، يجري الآن حوار جاد بين حزب الله وتيار المستقبل. وهو حوار يُظلِّل كامل لبنان، كون هذين الفريقين، تتوزع عليهما بقية القوى المتنافرة، سواء فيما كان يُعرَف سابقاً بـ 8 أو 14 آذار، أو في تشكيلاتهما الجديدة. وإذا ما تكلَّل هذا الحوار بالنجاح وأفرز نتائج إيجابية، فهذا يعني أن لبنان سيشهد مزيداً من الاستقرار، خصوصاً فيما خص ارتدادات الأزمة السورية، وتسوية للملفات الداخلية الشائكة.

أما في سورية، فإن الظاهر هو وجود رغبة دولية في إنهاء الصراع بما هو متاح، بما في ذلك الجلوس مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد. المسألة تحتاج فقط إلى ترتيبات تتعلق بفرز المصالح وتقديم الضمانات للأطراف كي تبدأ تقديم تنازلاتها وموائمة مواقفها مع ما يُخطَّط له من حل سياسي يُنهي الحرب الأهلية في سورية.

في تونس، يبدو هذا البلد إلى مزيد من الاستقرار بعد الانتخابات التي جرت، وفاز فيها حزب نداء تونس، بينما أقرت الأحزاب المهزومة بالنتيجة، وبالتالي ظهور عقد سياسي جديد، يتشارك فيه مَنْ قاموا بالثورة، مع أطراف تقليدية في الطبقة السياسية المنهارة على أطراف نظام زين العابدين بن علي، دون الحاجة إلى سن قوانين اجتثاث ولا عزل.

في المحصلة، فإن المؤشرات «ربما» تكون أكثر إيجابية مع هذا العام، فضلاً عن أن العقل القوي دائم الأمل، ولديه دائما ما يبعث على الأمل كما كان يقول توماس كارليل.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4503 - الأحد 04 يناير 2015م الموافق 13 ربيع الاول 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 10:05 ص

      الى زائر 2 و5 و6 وقطع نزاع القوم

      جاء في تعريف المعنى لكلمة قال أنها لا تختص فقط بالقول المنسوب لصاحبه حصراً بل تعني كذلك: ما يراه من رأي واعتقاد دون نص القول، وهو ما يتوافق وما ذكره كاتب المقال ومع ذات الاستنتاج الذي اقترحته عليه: لا يرى فرقاً. كما تجب الإشارة إلى أن قال وقيل ويقال اعتبرها أهل اللغة بذات المعنى وكانت تأتي بعدها النقطتين أيضاً دون حرج.

    • زائر 8 زائر 7 | 12:13 م

      استئناف

      ذلك يصحّ ما كان الأمر " حكايةَ قول " أيْ رأي و اعتقاد ، لكنّه لا يستقيم ما كان
      " روايةَ قول " كما صنع الكاتبُ !!!
      ملاحظة : في ما كتبتَ " كانت تأتي بعدها النقطتين " تسرّبَ خطأٌ في النحو ، إذ نصبتَ ولعلّك خفضتَ الفاعلَ بدلَ رفعِه .

    • زائر 6 | 8:31 ص

      إلى الكاتب 5

      هذا ما خَطَّه الكاتب " ابن سيدة في لسان العرب قال : لا فرق بين العامِ والسَّنَة " ، يقصد بذلك أنّ ما بعد النقطتين هو كلام ابن سيده بلفظه . وهو الذي قال فقط : " السَّنَة العامُ "
      لذلك مازلت مصرّا على أنني لم أجد أثرا لما تقوّل به على ابن سيده .
      فالكاتب جعل استنتاجه قولا لابن سيده ، و كان عليه حذف " قال " و علامة الترقيم " : " و استبدالها بـــ : ابن سيده لا يرى فرقا ...

    • زائر 4 | 3:13 ص

      احب مقالاتك جداً

      هذه المقالات التي تكتب بعناية تجعلنا نقرأها ونطلب المزيد.
      أكرر شكري للوسط لأنك بها انت وسوسن دهنيم وياسر حارب في بعض مقالاته وجعفر الجمري أحيانا ومنصورة الجمري
      نحتاج لمتنفس يبعدنا عن الصراخ السياسي في أغلب المقالات.

    • زائر 3 | 2:22 ص

      عجيب !!

      عجيب أمر العرب ،لقد درجوا على جعل كل ما هو جميل مؤنّثا ، و كلّ ما هو مذكّر على نقيضه ، إلا في السنة و العام فقد قلبوا الآية ، فلماذا ؟؟؟

    • زائر 2 | 2:15 ص

      جميل لكن

      جميل صَوغُ العنوان ، سنة عجفاء و عام رخيّ ، و أجمل منه التضاد بين سنة و عام و بين العجَف و الرخاء .
      جميل بحثُ الكاتب بدءا في الفرق بين العام و السنة ، لكن صراحةً لم أجد أثرا لما نسبه لابن سيده " لا فرق بين العامِ والسَّنَة " ، ثم هو ابن سيده لا ابن سيدة .
      ما ذهب فيه الكاتب إلى القرآن من قَصْر السنة على الجدب ، يدعمه الحديث الشريف : اللهم أَعِنِّي على مُضَر بالسَّنة " .
      فالسَّنَةُ: الجَدْبُ لذلك تقول العرب" أَخذتهم السنةُ إذا أَجْدبوا وأُقحطُوا "

    • زائر 5 زائر 2 | 7:11 ص

      تصحيح

      ما ذكره الكاتب صحيح حيث ذكر ذلك ابن منظور عن ابن سيده فعلاً في حديثه عن السنة والعام ومسأله المنقوص

    • زائر 1 | 10:03 م

      ونتمنى من بلدنا ان تنصف مواطنيها

      فلقد شبعنا من الكلام الذي لا يشبع ولا يسمن ارغب بالعيش بكرامتي ارغب بوظيفة استحقها بجدار تي ارغب بإيقاف هذا التجنيس المجنون ارغب بنشر العدالة وتطبيق القانون بعدالته وارغب كثيرة فلقد شبعنا من الظلم

اقرأ ايضاً