العدد 4547 - الثلثاء 17 فبراير 2015م الموافق 27 ربيع الثاني 1436هـ

دي مستورا... والمهمات الصعبة

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

هل ينجح المبعوث الأممي الخاص إلى سورية ستيفان دي مستورا، فيما فشل فيه سلفه الأخضر الإبراهيمي، في إيجاد حلّ للأزمة السورية؟

الإجابة على السؤال بشكل قاطع صعبة قدر صعوبة الظروف الإقليمية وتعقد عناصرها، بل إنها قابلة لاحتمالات عديدة متناقضة، استناداً إلى متغيرات وتبدلات حدثت ولازالت تحدث مع التغير الذي جرى في المملكة العربية السعودية بعد وفاة الملك عبدالله، وسيطرة أنصار الله من الحوثيين على الدولة في اليمن، وارتفاع وتيرة الحرب على «داعش والقاعدة»، ومعها تحريك جبهات القتال واشتدادها في سورية والعراق وتسخينها على الحدود اللبنانية بعد عدوان القنيطرة على حزب الله، وتصريح الأخير بكسر قواعد الاشتباك مع «إسرائيل»، علاوةً عن الاستنفار على الحدود الأردنية بعد جريمة «داعش» بحرق الطيار الكساسبة بوحشية.

كما لا يغيب عن البال ما قد تنتجه مفاوضات النووي الإيراني من تغير أدوار قوى الإقليم واستدارة الولايات المتحدة نحو الشرق الأقصى وتداعيات خلاف الأخيرة وحلفائها الأوروبيين من جهة وبين روسيا من جهة أخرى على خلفية الأزمة الأوكرانية، إضافةً إلى حرب أسعار النفط وانخفاضها بين الدول المنتجة، فكل هذه العناصر المتشابكة التعقيد وتلك تجعل من التنبؤ القاطع بنتائج مهمة المبعوث الأممي مسألة غاية في الصعوبة والغموض.

خطة تحرّك لا خطّة سلام

في المعلومات بدأت مهمة دي مستورا على الأرض منذ تعيينه في يوليو/ تموز 2014، وقدم «خطة تحرّك» إلى مجلس الأمن الدولي في 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وتقضي الخطة تجميد القتال في مدينة حلب بما يسمح بإيصال المساعدات والتمهيد للمفاوضات. وقتها لم يكن متفائلاً، وقال إنه لا يملك «خطّة سلام» إنما «خطة تحرّك» تخفف معاناة السوريين.

اليوم تتحدث مصادر إعلامية بكثافة عن زيارة دي مستورا الأخيرة إلى دمشق ولقائه بالرئيس بشار الأسد، فتشير إلى وجود مؤشرات إيجابية فيما يخصّ مهمته في تجميد القتال بحلب، لاسيما بعد إجراء تعديلات على ورقة عمله المقدمة للحكومة السورية، وهي تزيل كما قيل أي التباس يمسّ وحدة الأراضي السورية، وتؤكد منع الحوار والتواصل مع أيٍّ من المجموعات المسلحة حسب تصنيف لوائح الأمم المتحدة للإرهاب والإرهابيين، خصوصاً أن الحكومة السورية تطالبه بالضغط على الدول لتطبيق قراري مجلس الأمن 2170 و2178 بوقف تمويل وتدفق الإرهابيين.

في السياق يلفت النظر جرعة تفاؤل بعض التحليلات التي تناولت تصريح دي مستورا مؤخراً في ختام لقائه مع وزير خارجية النمسا في فيينا، وما ذكره بتركيز مهمته حول خفض معدل العنف لمصلحة الشعب السوري، ووصول المساعدات الإنسانية بشكل متزايد وغير مشروط إلى جميع السوريين، والعمل على إيجاد حلّ سياسي، إذ لا يوجد حلّ عسكري لهذه الأزمة، مقترحاً تجميد القتال في حلب، كي تكون منطلقاً لإعادة الأمن والاستقرار إلى كل الأراضي السورية».

ماذا يعني هذا؟

يعني تبعاً لبعض التحليلات ومن بينها تحليل عبدالباري عطوان، «أن الأسد جزء من الحل وهذا يعبر عن اعتراف علني بدور السلطات السورية وشرعيتها منذ اندلاع الأزمة، قد يؤدي إلى عودة الرئيس وحكومته إلى المشهد الدولي والتخلّي عن فكرة الإطاحة به ولو مؤقتاً. ويستنتج أن موقف دي مستورا يمثل انقلاباً في المعادلات الدولية ونقطة تحول رئيسية في الأزمة تعكس توجهاً غربياً غير مسبوق، فكلمة السر اليوم عنده ولا يمكن قول ما قيل دون تنسيق مسبق مع الإدارة الأميركية».

وقد اتفق مع رأيه آخرون فسّروا تصريحاته بوجود قرار سياسي يتحرك من خلاله باسم الأمم المتحدة، خصوصاً مع الأخبار الواردة عن إقرار الاتحاد الأوروبي لمبلغ مليار يورو للأزمة السورية لعامي 2015-2016، وهي التي يأمل دي مستورا تخصص جزء كبير منها للمصالحات وتجميد القتال وإعادة النازحين.

أمر آخر نوّه إليه هذا الاتجاه من التحليلات كدلالة على سير الأمور باتجاه الحل السياسي، يتمثل بمداخلة المبعوث في البرلمان الأوروبي أول الشهر الجاري وخلاصتها «لابد من دور للأسد في مستقبل سورية يتفق عليه الشعب السوري، لأنه يمثل أو يسيطر على 50 في المئة من الشعب... ولابد من حكومة وحدة وطنية تعمل على تعديل الدستور وإجراء انتخابات، ومع وجود مشكلة انعدام الثقة بين جميع الأطراف، لابد من طمأنة الأقليات بشمولها بالحل السياسي، وحماية مؤسسات الدولة، خصوصاً الجيش» (انظر «الأسد هو الحل: نطق دي مستورا» لسامي كليب، «الأخبار» 14 فبراير».

عقبات وتعقيدات

بيد أن الواقع يشي بوجود عقبات وتعقيدات لها مؤشرات ودلالات تعمل جهدها على إحباط مهمة دي ميستورا الخاصة. المقصود هنا بالطبع فرنسا وتركيا ومن يلعب معهما دوراً سلبياً بدعم المعارضة المسلحة، فمن المعروف أن باريس وأنقرة عرقلتا جهود المبعوث الأممي من خلال الإصرار على شمولية خطته مدينة حلب وريفها في آن واحد، حيث اقتصار تجميد القتال في حلب دون ريفها سيكون لصالح الجيش النظامي السوري كي يحكم تطويق المدينة من الريف وفك حصار «جبهة النصرة» وحلفائها عن شمال حلب، أما تمديد تجميد القتال ليشمل ريفها فيعني استغلال المعارضة للفرصة بنقل قواتها من حلب إلى مناطق قتال أخرى والاعتراف لبعضها بنوع من الحكم الذاتي والشرعية في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وهو ما يرفضه بشدة نظام الأسد.

أضف إليها تقارير صحافية أخرى بينت أيضاً أنه لم يحدث أي تقدم بين الطرفين بعد حيال تطبيق فكرة تجميد القتال في حلب، وإن جولات المبعوث الأممي ومساعده العديدة لم تكن إلا في إطار «الأخذ والرد» دون الوصول إلى حدود الاتفاق على بنود تنفيذية، خصوصاً وقد سبق تأجيل زيارته إلى دمشق عدة مرات بسبب عدم التقدم في وعود البعثة فيما يخص موضوع مكافحة الإرهاب، وإن استمرار التواصل مع المبعوث وبعثته يأتي في سياق ضغوطات تمارسها موسكو على النظام السوري.

خلاصة الأمر، الاحتمالات واردة بأن ما يقوم به دي مستورا قد يمهد المسار إلى حلّ للأزمة السورية، وتراجع دولي عن شرط المعارضة بإسقاط بشار الأسد كرئيس، وربما تخلّي الولايات المتحدة وحلفائها عن هذه المعارضات في سياق التسويات الكبرى خصوصاً مع تردد الأنباء عن اتفاقات إيرانية-أميركية في الحرب على «داعش»، واتفاق روسي مصري آخر إثر زيارة بوتين الأخيرة للقاهرة «بأن الحل في سورية يعني بقاء الجيش السوري ومؤسسات الدولة قوية وبقيادة الأسد، خصوصاً أن البديل «إرهابي». لكن الحقيقة المؤكدة أن هناك تحولات جذرية شهدتها الدولة والمجتمع السوري بسبب الحرب والدمار، وإن سورية اليوم وشعبها لم تعد كما كانت بالأمس.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 4547 - الثلثاء 17 فبراير 2015م الموافق 27 ربيع الثاني 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:50 م

      سينتصر الشعب السوري في النهاية

      سينتصر الشعب السوري في النهاية مهما طال الزمان و ستعود دمشق العروبة دمشق الأمويين الى مكانها الطبيعي

اقرأ ايضاً