العدد 4551 - السبت 21 فبراير 2015م الموافق 02 جمادى الأولى 1436هـ

بريطانيا والبحرين قبل الاستقلال: حماية أم استعمار؟

حسن سعيد Hasan.saeed [at] alwasatnews.com

يذكر لوريمر في كتابه «دليل الخليج» أن الحاكم التركي للإحساء اقترح إنشاء مركز للحجر الصحي في البحرين العام 1899 بعد انتشار أحد الأمراض، وتم رفض الاقتراح استجابةً لطلب المندوب البريطاني في المجلس الصحي تحت ذريعة «أن البحرين دولة مستقلة تحت الحماية البريطانية». ما الذي يعنيه ذلك؟

يثير هذا النص «البحرين دولة مستقلة تحت الحماية البريطانية» الكثير من الأسئلة، الأمر الذي يلقي بظلاله على المعنى المقصود بالحماية البريطانية. فإذا كانت البحرين دولة مستقلة في 1899 فماذا جرى العام 1971، وهو التاريخ المعروف لاستقلال البحرين؟ هل يعني ذلك أن استقلال البحرين مرّ بمرحلة أولى العام 1899 حيث الاستقلال من هيمنة كل القوى الإقليمية، ثم بمرحلة ثانية العام 1971 حيث الاستقلال من الهيمنة البريطانية؟ وإذا اعترف البريطانيون باستقلال البحرين العام 1971 فهذا يعني أنها لم تكن مستقلة قبل ذلك. ولكن ذلك يتعارض مع تصريح المسئول البريطاني من أن البحرين كانت مستقلة العام 1899 وأنها تحت الحماية البريطانية فقط.

وإذا كانت البحرين دولة مستقلة حقاً في العام 1899 فلماذا يكون رفض الاقتراح التركي بريطانيّاً وليس بحرينيّاً؟ وكيف نفسّر النفوذ البريطاني الكبير في السياسات الخارجية والداخلية للبحرين في تلك الفترة التي تسمى فترة «الحماية البريطانية» الممتدة من 1820 حتى 1971؟ وسؤال أخير يختصر كل الأسئلة السابقة: هل الحماية البريطانية تختلف عن الاستعمار البريطاني؟

هذه الأسئلة وغيرها يمكن أن تتضح أجوبتها مع ملاحظة الفرق بين الخطاب الاستعماري، وخطاب الشعوب التي تقع تحت طائلة الاستعمار.

بداية، فان بريطانيا كانت لديها امبراطورية عظمى لا تغيب عنها الشمس، وكانت المناطق التي تقع تحت سيطرتها تنقسم الى قسمين، مستعمرات ومحميات. وحتى في الهند كانت بعض المناطق محميات، مثل حيدراباد، وأكثرية المناطق الاخرى مستعمرات، مثل مومبي. أيضا التواجد البريطاني قد يأتي عبر الانتداب، وهذا النظام اعترفت به عصبة الأمم، ولذلك فان العراق وفلسطين كانتا، مثلا تحت الانتداب البريطاني. كما أن بريطانيا قد تتواجد عبر اتفاقيات ملزمة ومكبلة، كما كان الحال الدولة العثمانية في مصر في العهدي الملكي. وعموماً، فان المستعمرة تخضع لحاكم عام تعينه الحكومة البريطانية ويكون نائباً عن الملك Viceroy، وفي المحمية فان بريطانيا تتولى الشئون الدفاعية والخارجية، لكنها لاتعين حاكما لها للشئون الداخلية.

وبالنسبة إلى الخليج والجزيرة، فانه وفيماعدا عدن «فان امارات الخليج الساحلية كانت محميات. وكانت بريطانيا تسيطر على المحميات عبر «مقيمية» في الخليج، كانت تتمركز في بوشهر، وانتقلت بعد الحرب العالمية الثانية الى البحرين. وكانت كل محمية لديها وكيل معتمد (يسمى خليجيا بالباليوز) وهؤلاء الوكلاء يرجعون الى المقيم السياسي. اضافة الى ذلك، فان بريطانيا تستعين بمستشارين بريطانيين يعملون مباشرة للحكم المحلي، ومثل هذا المنصب شغله في البحرين المستشار تشارلز بليغريف ما بين 1926 و1957.

وعليه، لا يبدو متوقعاً أن تصف بريطانيا نفسها بأنها دولة مستعمرة ومحتلة لدولة أخرى حتى وإن كانت كذلك. الخطاب الاستعماري خطاب موارب ومتدثر بمفردات، وهو خطاب يؤسس ويصاغ بشكل مدروس ومخطط بما يخدم أهداف الاستعمار ويقلل من مساحة التوجس لدى الشعوب التي يريد إخضاعها. تأثير مفردة «الاستعمار» أو «الاحتلال» يختلف عن تأثير مفردة «الحماية». فالشعوب ترفض الاستعمار والاحتلال والانتداب، ولكنها قد تقبل بالحماية، علما بأن بريطانيا تختار نظام الحماية للدول الأقل أهمية بالنسبة إلى استراتيجيتها الخاصة بامبراطوريتها.

في مقابل الخطاب الاستعماري، يأتي خطاب الشعوب التي تقع تحت طائلة الاستعمار أو الانتداب أو الاتفاقات المكبلة أو الحماية، وهو خطاب يمتاز بالصراحة والمباشرة، ليكشف حقيقة الخطاب الاستعماري. والصراع بين الخطابين هو جزء أساسي في طريق الاستقلال الحقيقي، وهو أحد ملامح الصراع الثقافي بين الطرفين. على أساس ذلك، يمكن القول إن الحماية البريطانية للبحرين في الخطاب البريطاني تعني، في دلالاتها الحقيقية، ما يعنيه الاستعمار البريطاني للبحرين في الخطاب الآخر (المستخدم من قبل أطراف أخرى).

ما يعزز المفهوم لمفردة «الحماية» هو السياسة البريطانية التي اتبعتها الإدارات البريطانية المتعاقبة مع البحرين، منذ التوقيع على أول معاهدة جمعت الطرفين، وهي معاهدة السلم العامة العام 1820. في الكثير من الأحيان كانت بريطانيا تفرض على البحرين وتلزمها باتباع سياسات تخدم المصالح البريطانية. في العام 1861، وبحسب ما يذكر لوريمر، «انتهزت بريطانيا فرصة حدوث شبه قطيعة في العلاقات» بينها وبين البحرين لترغم الأخيرة على «توقيع اتفاقية تدخل البحرين ضمن الإمارات العربية الصغيرة التي تتطلع إلى الحماية البريطانية ضد الهجوم من الخارج». لا يبدو أن هذه الاتفاقية هي الوحيدة التي «أرغمت» فيها بريطانيا البحرين على التوقيع عليها، وهذا ما قد يفسر توقيع البحرين على الكثير من الاتفاقيات والمعاهدات التي تقلص من مساحة استقلال البحرين في فترات مختلفة.

في (12 ديسمبر/ كانون الأول 1880)، على سبيل المثال، وقعت البحرين اتفاقية مع بريطانيا تمتنع بموجبها «عن الدخول في مفاوضات أو عقد معاهدات مهما يكن نوعها مع أية دولة – عدا الدولة البريطانية – بدون موافقة الحكومة البريطانية». كما أنه لا يسمح «لحكومة أخرى، غير الحكومة البريطانية، تأسيس وكالات دبلوماسية أو قنصليات أو مخازن للفحم... إلا بموافقة الحكومة البريطانية». مثل هذه الاتفاقيات كانت تحد، دون أدنى شك، من مساحة الاستقلال البحريني في القضايا الخارجية، الأمر الذي يخدم السياسات البريطانية في ظل المنافسة المحتدمة آنذاك مع الدول الطامعة في البحرين.

لم تكتف بريطانيا بفرض وجهة نظرها فيما يخص السياسة الخارجية للبحرين فحسب، بل كانت تفرض وجهة نظرها في الكثير من القضايا الداخلية أيضاً. كان الوكلاء والممثلون البريطانيون في البحرين يفرضون، في الكثير من الأحيان، وجهة نظرهم في القضايا الداخلية، كما كانت زيارات كبار المسئولين البريطانيين للبحرين تتضمن أيضاً بعض الضغط لتنفيذ السياسات البريطانية في الداخل البحريني.

في نهاية العام 1903 قام اللورد كرزون، نائب الملك البريطاني وحاكم عام الهند في الخليج، بزيارة للبحرين، ومن القضايا التي أثارها قضية إدارة الجمارك. وعلى رغم أن إدارة الجمارك من قضايا الشأن الداخلي البحريني، فإن السياسة البريطانية كانت لها وجهة نظرها فيها، وكان لزاماً على البحرين أن تتبع وجهة النظر تلك.

من جهة أخرى، بما أن سياسة «الحماية البريطانية» للبحرين مرتبطة بالمصالح البريطانية في البحرين، وليست البحرين بمعزل عن هذه المصالح، فإن سياسة الحماية هذه قد تتغير، أو على الأقل تكاد أن تتغير، حين تتغير المصالح البريطانية.

إن جميع الاتفاقيات تدلل على ارتباط سياسة الحماية البريطانية بالمصالح البريطانية التي قد تتغير.

إقرأ أيضا لـ "حسن سعيد"

العدد 4551 - السبت 21 فبراير 2015م الموافق 02 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 2:48 ص

      الفرق بين الحماية والاستعمار مثل المصطلحين العسكريين (الانسحاب) و (إعادة الانتشار). المنسحب المنهزم يسميه إعادة انتشار لحفظ ماء الوجه (بينما المنتصر الذي أجبر الآخر على الانسحاب يفتخر ان يسميه "انسحابا مخزيا خائبا جبانا" الخ.

    • زائر 3 | 1:02 ص

      هو استعمار وسيطرة وحماية وتحكّم وتلاعب بمصير الشعوب

      استعمار نعم
      سيطرة نعم
      حماية للمصالح البريطانية نعم
      تحكم بالبلد وبمصير شعبه نعم

اقرأ ايضاً