العدد 4556 - الخميس 26 فبراير 2015م الموافق 07 جمادى الأولى 1436هـ

في الطريق إلى مارد جديد

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

من يستطيع أن يضمن لأمة العرب أن قرار حكومة الولايات المتحدة الأميركية بتدريب عشرين ألفاً من شباب سورية لن يخرج المارد مرةً أخرى من القمقم؟ ذلك أن تجربتنا مع نظام الحكم الأميركي، بشقيه الديمقراطي والجمهوري، يجسّد ما قاله شاعرهم روبرت فروست: لا شيء في الوراء ننظر إليه بكبرياء، ولا شيء في الأمام ننظر إليه بأمل.

ففي الثمانينيات من القرن الماضي جنّدت وكالة الاستخبارات الأميركية الشباب العرب ودرّبتهم، ثمّ ألقت بهم في جبال ووديان أفغانستان ليحاربوا عدوها الاتحاد السوفياتي باسم الإسلام. حتى إذا ما سقط الاتحاد السوفياتي في براثن تلك المؤامرة وتمزّق إرباً خرج جنيُّ الجهاد العنفي من القمقم كمارد القاعدة. وكانت النتيجة دمار أفغانستان ودخول أمة العرب في جحيم حقبة الجهاد التكفيري العنفي القاعدي الذي يمتدُّ باطراد إلى يومنا هذا ليأكل الأخضر واليابس... وهكذا خسر العرب والإسلام وربحت أميركا وحليفتها الصهيونية.

وفي بداية التسعينيات من القرن الماضي حرّكت أميركا ماكنتها الإعلامية العولمية لتمارس كذبة القرن الكبرى، من أجل أن تبرر لنفسها وللمخدوعين ممن تبعوها، بأنها تحتل العراق لحماية العالم من وهم أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها، ولتدشّن من خلال ذلك الاحتلال حقبة دخول العراق وبقية العرب في جنة الديمقراطية. ولكن بدلاً من حدوث ذلك ارتكبت ألف حماقة وحماقة، فدمّرت جيش العراق الوطني، وأقامت ديمقراطية طائفية متصارعة مجنونة، وسلخت شمال العراق تمهيداً لتفتيته.

حتى إذا ما أنهت دورها التآمري في العراق وتركته جيفةً عفنةً في قبور برابرة التاريخ خرج من القمقم الذي زرعته المارد التكفيري «الداعشي»، وها إن ذلك المارد قد احتل ثلث العراق وقتل من قتل بغير وجه حق، ونهب ما نهب من دون أن يذرف دمعة واحدة، وسبى من سبى من حرائر العراق بلا حمرة خجل أو تقوى من ربّ العالمين. واليوم تعود أميركا لاحتلال العراق باسم محاربة المارد الذي خلقته من بعد ما خلقت أباه، بينما هو يكبر ويقوى في بقاع العالم كله.

وفي بداية تفجّر ثورات وحراكات الربيع العربي، أقنعت أميركا العالم بضرورة السماح لحلف الناتو بالتدخل العسكري المباشر لإنهاء عصر الديكتاتور القذافي ونقل ليبيا إلى جنة الديمقراطية، دون القيام بدرس الخصوصية القبلية الليبية وما يمكن أن ينتج عنها بعد انتهاء دمار الحرب وتمزيق مؤسسات الدولة الموجودة. وهكذا فما إن تمت عملية «إنقاذ» ليبيا بقيادة أميركية من وراء حجاب حتى خرجت من القمقم أشكال من أبناء مارد القاعدة، بألبسة قبلية وصيحات جهادية تكفيرية مجنونة. ومرّةً أخرى استبدل وضع سيء بوضع أسوأ منه قد ينتج عنه انحلال الدولة الليبية لتصبح هي الأخرى جيفة نتنة، تماماً كما حدث للعراق المنهك التائه في ظلمات الطائفية.

ومن قبل ذلك، وفي قمة تلك القائمة من الكذب والإغواء وادّعاء الفضيلة، سحبت أميركا القضية الفلسطينية من تحت جناح وسلطة هيئة الأمم واهتمامات دول العالم لتضعها في يد لجنة رباعية هي من صنع يدها وتأتمر بأمرها. والنتيجة في هذه المرة هي خروج المارد الاستيطاني الاستعماري الصهيوني من القمقم، بمباركة ودعم أميركيين، وإمعانه قضماً لمزيد من الأرض الفلسطينية وتدميراً لذاكرة العالم حول أصول الموضوع وبداياته من أجل قبول أساطير يهودية الدولة التي رسخها المارد الصهيوني المجنون في عقل خالقه الأميركي الذي هو الآخر مسكونٌ بأوهام توراتية أصولية مختلقة.

بغضّ النظر عن المواقف تجاه الأنظمة العربية التي سقطت أو التي يجب أن تسقط، وعن مختلف التحالفات الأمنية والسياسية بين بعض الحكومات وأميركا لأسباب لا حصر لها ولا عد، بل وحتى بعيداً عن استحضار قيم الحق والعدالة والإنصاف التي داست عليها أميركا باسم مصالحها القومية وتبنّيها الأعمى للمنطق الصهيوني وهلوساته، وعلى الرغم من احترامنا الشديد لإنجازات الشعب الأميركي الكثيرة في شتى الحقول، فإن من حقنا أن نطرح السؤال التالي: هل أن دولة ارتكبت أمثال تلك الأخطاء والخطايا، وغيرها كثير، يمكن أن تؤتمن على نواياها الأخيرة في سورية، وأنها لن تنتهي بإطلاق مارد عنفي قاعدي و»داعشي» جديد من القمقم السوري؟

دعنا نذكّر أنفسنا بقول للفيلسوف الإسباني ميجيل دو أنامونو بأن «الحياة هي الشك، وأن إيماناً بلا شك هو الموت بعينه». نحن ندرك مقدار الثقة الإيمانية في أميركا من قبل بعضهم، لكننا نعتقد أنه قد آن الأوان لإدخال ذرة من الشك في نيات الولايات المتحدة الأميركية التي ما أقحمت نفسها في أية ساحة عربية، وعبر قرن كامل، إلا وأحالتها إلى أرض يباب وجعلت من ساكنيها إمّا لاجئين هائمين على وجوههم في المخيمات والمنافي، أو أمواتاً في القبور الجماعية.

إن الشاعر الألماني غوته يقول بأن «الشك ينمو مع المعرفة»، أمازلنا نحن العرب، بعد كل تلك الويلات، لا نعرف أميركا، مخرجة مردة الجن من قماقم التكفير؟

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4556 - الخميس 26 فبراير 2015م الموافق 07 جمادى الأولى 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 17 | 4:21 م

      مقال رائع

      اتمنى ان تتم ترجمته و نشره في الصحف العالمية

    • زائر 15 | 3:45 ص

      يأختصر

      ان امريكا بلاء ودمرا وفساد كل شبرا راح في العالم يشكي الاطهاد أننا لا نرتضي هذه البلاد

    • زائر 16 زائر 15 | 6:12 ص

      انها فعلا الشيطان الاكبر

      لن يحلوا للامريكان ان يعيش الشعب العربي المسلم بالسعادة والمحبة والالفة فيما بين بعضهم بعض لان ذلك ليس في مصلحتها بل العكس تريد منا دائما في شك وحروب حتي تشغلنا فهي تصنع لنا بن لادن والقاعدة والزرقاوي والنصرة وداعش والقادم لانري من هي الشخصية الاتية من صنائعها المدمرة @ نسال الله تعالي ان يبعدها عنا حتي نتمكن العيش في سلام / حفظ الله البحرين وجميع شعوب العالم الاسلامي يارب العالمين

    • زائر 11 | 1:04 ص

      صح إلسانك يا دكتور

      سلمت انامل يديك اللتي تمسك بهذا القلم الطاهر النظيف، كلامك كله مواعظ وحكم ، وكيف لا يكون ذالك وأنت المربي لمعظم أجيال هذا الوطن ، ولكن هل يتعظون حكام هذا الوطن من كلامك ؟ هل يستطيعو ان يعوا لما يحاك لهم من مؤامرات فقط لإمتصاص خيرات هذا البلد ، و سوف يرمونهم في مزبلة التاريخ كما رمو غيرهم، وشواهد التاريخ كثيره.

    • زائر 10 | 12:50 ص

      جهّال المسلمين وقود في ايدي الاستكبار العالمي

      شباب في احلى سنوات العمر اصبحوا وقودا لحروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل ومن أوهمهم بالجنّة فقد غشّهم فلا جنة في حرب كهذه يقتل فيها البريء ويحرق فيها الحرث والنسل

    • زائر 9 | 12:25 ص

      مثل مارد الفاتح

      طلع فأر

    • زائر 8 | 12:19 ص

      انا يادكتوري العزيز ... أعتقد أن أمريكا تعالج الوضع الراهن فقط

      دوله عضمي تبحث عن مصالحها فقط تعالج الأمور المضره بقتصادها بدرجة الاولي. ليس من لنا من خيار ولااملائات ممكنه في كيف تختار أن تعالج الموقف .. فكرتك بطلع مارد ينقذ البحرين من الازمه

    • زائر 7 | 12:13 ص

      ممتاز

      مقال ممتاز جداً جداً

    • زائر 6 | 11:22 م

      الماضي يتكرر

      و العقل العربي لا يتغير

    • زائر 5 | 11:06 م

      العرب يعرفون

      ((((( .... أمريكا عدوة الشعوب .... أمريكا الشيطان الأكبر )))))

    • زائر 4 | 10:58 م

      سلمت اناملك

      وكل هذا باسم الديمقراطيه لقد عاثت فسادا في امريكا الاتينيه وفي اسيا من قبل والان جاء دور العرب نحن لا نقراء التاريخ مع الاسف والمهم هو الكرسي الاني

    • زائر 3 | 10:19 م

      بل نعرفها

      ونعرف نواياها ولكن المسألة تتضمن مصالحنا الشخصية وبما أننا لا نملك ولاء إلا لإمتيازاتنا الشخصية فنضرب بأمة عرض الحائط

    • زائر 2 | 9:51 م

      الخلل فينا واكبرها هو قيام الدول ...بتمويل تلك المجاميع المسلحة ونقول نحن من دمرنا بلداننا الصومال السودان سوريا العراق ليبيا مصر ولبنان والقادم سيصيب الممول الحالي للجماعات المسلحة والرابح هو اسرائيل

    • زائر 1 | 9:43 م

      الجهاد و نشر الطائفية مشروع امريكي و الدور العربي الرسمي فاعل في انجازه

      امريكا غير مؤهلة ان تدعو للجهاد في افغانستان و الشيشان وهو مشروعها ولكن نظم عربية موالية تكفلت بالأمر و المنبر الديني الموالي عمل الواجب و كذلك عندما ارادت تحطيم العراق بعد اسقاط الطاغية صدام توجهت للانظمة لتشغيل الماكنة الاعلامية الدينية لاحداث الشرخ الطائفي ورفض ما اسموه هيمنة الشيعة على الحكم و دعمت حركات قتالية متشددة في الخفاء وارتكب الشيعة خطأ مضاد هناك

اقرأ ايضاً