العدد 4585 - الجمعة 27 مارس 2015م الموافق 06 جمادى الآخرة 1436هـ

فيلم «المطلوبون الـ 18»... أبقار تُهدِّد أمن إسرائيل!

محاولة لكسر الاحتكار... و«الانتفاضة» حاضرة...

عامر الشوملي خارج مرسمه في رام الله
عامر الشوملي خارج مرسمه في رام الله

ثمة أفلام يرى فيها الكيان الصهيوني، أنها تُهدِّد أمنه القومي. «المطلوبون الـ 18» لفنان الكاريكاتير الفلسطيني عامر الشوملي، والذي استغرق تنفيذه خمس سنوات، وشارك في إنتاجه المخرج الكندي بول كاون، هو أحدها، في الوقت الذي يعالج موضوع الاكتفاء الذاتي الفلسطيني؛ ولو ضمن حدود مُعيَّنة، والذي يرى فيه الكيان الصهيوني أحد التهديدات الكبرى التي تواجهه؛ لكن هذه المرة بروح من السخرية المُرَّة والسوداء. بروح من الفكاهة ذات المدلول العميق.

يتناول الفيلم قصة مطاردة أحد أقوى الجيوش في العالم لقطيع من الأبقار، والذي يدور حوله موضوع العصيان المدني، ومحاولة كسر احتكار إحدى الشركات الإسرائيلية لمنتجات الألبان، في محاولة مجموعة تحقيق الاكتفاء الذاتي في بيت ساحور عن طريق مقاطعة المنتجات الإسرائيلية. زمن القصة يدور فترة الانتفاضة الأولى؛ حيث تتم مطاردة الأبقار.

تنجح المجموعة في إنتاج كميات من الحليب، لتفاجأ بهجوم القوات الإسرائيلية على المزرعة، لتعتقل على إثرها الناشطين، والأمر بإغلاق المزرعة. يتمكن الناشطون من إخراج الأبقار، وإخفائها بعيداً عن العيون، لتستمر حملة البحث والتفتيش لأربع سنوات، في محاولة للقضاء على الأبقار!

تلك الرمزية التي طبعت الفيلم، تجعل الشوملي منحازاً في اشتغالاته إلى ما يُعرف بالمفاهيمية الفنية.

مع ملاحظة أن جَمْع الشوملي لعدد من الإمكانات والأدوات الفنية والإبداعية، أتاحت له ذلك الفضاء الرحب في اللعب على ثيمات المكان وقضاياه، من البورتريه إلى توظيف الأدوات الرقمية، والرسوم المتحركة، والكاميرا والتي هي مظلته الكبرى في أعماله السينمائية الوثائقية.

كيليان فوكس من صحيفة «الغارديان»، أضاء جوانب من الفيلم، في عدد الصحيفة يوم الأحد (22 مارس/ آذار 2015)، هنا أهمُّ ما جاء فيه، مع تقديم وهوامش لمحرر «فضاءات» في ثنايا المراجعة.

السخرية على الجروح... الشفاء

«لقد كان مرعباً إلى حدٍّ بعيد»، ذلك ما قاله رسام الكاريكاتير والمخرج الفلسطيني عامر الشوملي عن قراره تقديم فيلم مضحك (يضم أبقاراً ناطقة) حول وضع خطير جداً (الانتفاضة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي في أواخر ثمانينيات ومطلع تسعينيات القرن الماضي). وأضاف « أنا رسام كاريكاتير، والفكاهة هي جزء من الطريقة التي أرى بها الأشياء. وأعتقد أن الأمة التي لا يمكنها أن تسخر من جراحاتها لن تكون قادرة على الشفاء منها. لذلك عليك أن تُدرك أولاً المحيط، أو الحالة القذرة للغاية التي أنت فيها»، يُطلق المخرج الشاب البالغ من العمر 33 عاماً ضحكة ليكمل «ثم قُمْ بالسخرية من نفسك».

«المطلوبون الـ 18»، يحكي قصة حقيقية للجنة فلسطينية في مدينة بيت ساحور قرب بيت لحم، اشترت قطيعاً من الأبقار من مالك وَدُود في أحد الكيبوتسات، واستخدمتها في محاولة لتقويض السيطرة الإسرائيلية. (كانت جزءاً من حل للوصول إلى منظومة من الاكتفاء الذاتي، في الطريق إلى الاستقلال ذاتياً عن هيمنة الاحتلال الإسرائيلي). كان الغرض هو وضع حد لاحتكار شركة إسرائيلية لمشتقات الألبان (تنوفا).

بعد أيام قليلة من بدء إنتاج الحليب، هاجم الجيش الإسرائيلي مزرعة الأبقار واعتقل الناشطين وأمر بإغلاق المزرعة. حينها قرر المواطنون إخراج الأبقار من المزرعة وإخفاءها في بيوتهم بعيداً عن أعين الجيش الإسرائيلي، ليبدأ فيما بعد الجيش بحملة تفتيش واسعة استمرت أربع سنوات، حيث حاول خلالها «الجيش الأقوى في العالم» القضاء على 18 بقرة.

من منزله بـ «رام الله»، أخبرني الشوملي، الحادُّ الذكاء، ذو الرأس الكبير، والشعر الأسْوَد المجعَّد، وهو يتعافي من إنفلونزا تعرَّض لها، إنه سمع القصة للمرة الأولى كطفل في سورية. «ولدت في الكويت،» موضحاً «لكن عائلتي تعرَّضت للطرد في العام 1982، وأجبرت على العيش في مخيم سوري للاجئين». وعلى رغم أن المسافة تقدَّر بنحو ست ساعات فقط بالحافلة، كانت فلسطين «مثل بُعْدٍ آخر» لشاب منفيٍّ. «لم يبدُ كما لو أنه مكان حقيقي يمكن أن تقطعه جسدياً» ولعل هذا هو السبب الذي تحضر فيه المناشدة في قصة الأبقار: إنها لم تقِل غرابة عن فلسطين في ذهنه. كما أنها ضرب على وتر حسَّاس أيضاً لأن عائلة والده جاءت من بيت ساحور، وبعض المعنيين كانوا من الأقارب.

عندما قدَّم الفيلم، كانت أعمارهم تتراوح بين السابعة عشرة، وكان الشوملي مُحْبَطاً حين وجد أن بيت ساحور لم يكن هو الأمل تماماً باعتباره المكان الخيالي الجمعي أو المدينة الفاضلة، بتراجع الانتفاضة، وكذلك روح المجتمع التي أصيبت بالتراجع.

«اعتقدت أنه المكان المثالي؛ حيث يساعد الجميعُ الجميعَ، ولكن بدلاً من ذلك، كان العديد من الناس مهووسين بالسيارات والعلامات التجارية، ولا يهتمون إلا بأنفسهم فقط».

نافذة على الماضي

إنجاز الفيلم على مدى خمس سنوات أصبح «نافذة على الماضي» بالنسبة إلى الشوملي «لقد كانت عملية شفاء بالنسبة لي لإعادة هذا الواقع الذي افتقدته».

حقق الشوملي العمل باستخدام الأداء الحي وكذلك الرسوم المتحركة - وعلى رغم الشكوك التي تبدَّت من قبل المخرج الكندي المشارك بول كوان، تلعب النكتة في العمل دوراً مركزياً. ويصرُّ الشوملي على أنه «بالنسبة لـ (كوان) كان من الخطر بعض الشيء أن تحكي الأم قصة عن طفلها الذي يموت في تظاهرة، إلى جانب بعض الرسوم المتحركة لأبقار تقوم بـ «الضراط»، ولكننا كنا بحاجة إلى هذا المزيج من الحزن والكوميديا».

«كانت مُخاطرةً، ولم يكن هنالك ما يضمن بأن العمل سيتحقق «ولكن من خلال ما أسمعه من الردود على الفيلم في الداخل والخارج، فإن الأمور كانت إيجابية للغاية».

وفي هذا السياق، أشار الشوملي في حوار صحافي آخر إلى أن الفيلم «واجه عدداً من الصعوبات، من بينها الحصول على الأرشيف الذي كان في قبضة الجهات الرسمية الإسرائيلية، إضافة إلى كلفة الفيلم التي بلغت مليوناً و200 ألف دولار.

ضوء على السيرة

يشار إلى أن عامر الشوملي، من مواليد الكويت العام 1981، ويسكن في رام الله بفلسطين.

فنان تشكيلي متعدد التخصصات يتبنى في أعماله «المفاهيمية الفنية» من اللوحة، ووسائل الإعلام الرقمية والأفلام والكوميديا، في استكشافه القضايا الاجتماعية والسياسية الفلسطينية وأيقونة الثورة.

حاصل على بكالوريوس هندسة معمارية من جامعة بيرزيت العام 2003. واصل تعليمه العالي وحصل على الماجستير في الفنون الجميلة تخصص رسوم متحركة من بريطانيا.

في العام 2006، كان واحداً من 13 فناناً في «تجمُّع صُنَّاع السينما الفلسطينية» للمساهمة في مختارات أفلام قصيرة «صيف 2006»، و «فلسطين»، تقدم صورة للمجتمع الفلسطيني.

في العام 2011 عرض الشوملي عمله «أيقونة... داخل الإطار/ خارج الإطار»، وهو عبارة عن عمل تركيبي لصورة المناضلة ليلى خالد، مصنوعة من 3500 قلم أحمر شفاه.

رُشِّح فيلمه «المطلوبون الـ 18»، كافضل فيلم وثائقي من العالم العربي في مهرجان أبوظبي السينمائي 2014، وأفضل فيلم وثائقي في مهرجان قرطاج السينمائي بتونس في العام 2014.

العدد 4585 - الجمعة 27 مارس 2015م الموافق 06 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً