العدد 4601 - الأحد 12 أبريل 2015م الموافق 22 جمادى الآخرة 1436هـ

المتقاعدون وحجم أزماتهم الاقتصادية والنفسية

سلمان سالم comments [at] alwasatnews.com

نائب برلماني سابق عن كتلة الوفاق

كثر الحديث في هذه الأيام في المحافل الاجتماعية عن سوء أوضاع المتقاعدين المعيشية والاقتصادية، في القطاعين العام والخاص، ومن يتسنى له الجلوس مع أي متقاعد من فئة الذين يتقاضون رواتب تقاعدية بين 300 و400 دينار، يجده يتكلّم بحرقة شديدة ومن دون مقدمات، عن أحواله المأسوية في حياته التقاعدية، ويجده يتحدّث بألم عن عدم قدرته على تلبية احتياجات أسرته الأساسية.

وأما المتقاعد الذي لديه أبناء يدرسون في المراحل التعليمية الثلاث أو في الجامعة، فيضاعف ألمه النفسي عشرات المرات عن ألم أقرانه من المتقاعدين الذين لديهم التزامات أسرية محدودة نوعاً ما، لأنه يجد نفسه عاجزاً عن القيام بواجباته الأسرية في حدها الأدنى، ويكون أعجز بصورةٍ مضاعفةٍ إذا ما أراد توفير كل ما يحتاجونه من مستلزمات عصر التكنولوجيا والتقنيات الحديثة. فلهذا نجدهم يسألون دائماً: لماذا لا يلتفت إليهم بصورة جدية، لتحسين وضعهم المادي والنفسي والمعنوي؟ لماذا يسلمونهم إلى الفقر المدقع ليتلاعب بأعصابهم ويضغط على نفوسهم؟ ألا تستحق هذه الفئة التقدير والاحترام بعد أن أفنت جل أعمارها في خدمة وطنها؟ أليس غلاء الأسعار الملتهب وقلة رواتبهم الشهرية سبباً في تثبيط معنوياتهم؟

لقد فقدوا القدرة منذ زمن طويل على مجاراة ارتفاع الأسعار الرهيب، وقد أصبحت رواتبهم غير قادرة على البقاء في جيوبهم أكثر من نصف الشهر، من دون مبالغة. وحالهم الاقتصادي خانق يطوّق أعناقهم بشدة، وأصبحوا يعيشون في ظروف صعبة لا تطاق ولا تحتمل. والسؤال الذي يطرح في أوساطهم: كيف سيكون حالهم إذا ما ارتفعت الأسعار أكثر مما هي عليها الآن؟ وكيف سيكون وضعهم المعيشي في حال لو قرّرت الحكومة رفع الدعم عن المحروقات ومشتقاتها والكهرباء والماء واللحوم الحمراء والدجاج والطحين؟ وهل يمكن للجهات المعنية النظر في أحوالهم المأسوية وزيادة دخلهم الشهري، حتى يتمكنوا من مسايرة الواقع الصعب؟

هؤلاء الذين نتحدث عنهم كان لهم الفضل في تطور الوطن وتنميته في اتجاهاته المختلفة سنوات طويلة قد تمتد إلى 35 سنة من أعمارهم، فهم الذين أرسوا الأسس والقواعد التي على إثرها تطوّر البلد في مختلف الميادين. وليس من المعقول أن تترك هذه الفئة لتكون فريسةً للضغوط النفسية الشديدة من دون التفكير في حلٍّ لمشاكلهم الاقتصادية، التي قد تسبب لهم مضاعفات صحية وأزمات نفسية، ستكلف البلد الكثير من الأموال لمعالجتهم جسدياً ونفسياً، وقد تكون أكثر بكثير من نسبة الزيادة التي ستُمنح إليهم لتعديل أوضاعهم ومواكبة ارتفاع الأسعار. فهم معرّضون في مثل أعمارهم إلى الإصابة بارتفاع ضغط الدم ومرض السكري والاكتئاب النفسي، لاستغراقهم زمناً طويلاً في التفكير بمشاكلهم المالية، والذي يوصلهم في أحايين كثيرة إلى طريق مسدود في كيفية إدارة شئون أسرهم الاقتصادية وتلبية ما تتطلبه الحياة في عصرنا الحاضر.

إنهم يعيشون على الآمال والتمنيات والتطمينات التي يسمعونها من جهات مختلفة بين وقت وآخر، بأنهم سيسعون إلى تحسين وضعهم المعيشي من خلال زيادة دخلهم الشهري، فهم ينتظرون بفارغ الصبر ذلك اليوم الذي يُعلن فيه عن تحسين رواتبهم، لأن ذلك سينعكس إيجابياً على نفوسهم وسيكون سبباً في تقليل زياراتهم إلى المراكز الصحية والمستشفيات لقياس مستوى ضغط الدم والسكري، حيث سيسهم ذلك في استقرارهم النفسي والمعنوي، عندما يزول السبب الذي يؤدي إلى تردي صحتهم وتدهور أوضاعهم.

إن ما نتمناه لهذه الفئة المغلوب على أمرها اقتصادياً، والتي ساهمت بجهودها وإمكانياتها المهنية والثقافية وخبراتها الطويلة في تنمية البلد وتطوره في مختلف قطاعات العمل والإنتاج، أن تجد الحل الذي يخفف عنها بعض أعباء الحياة المعيشية ويقلل من معاناتها الاقتصادية في أقرب وقت. ومن المفترض أن تعمل الجهات المعنية على تحسين أوضاع المتقاعدين في البلاد، وأن تجعل من أولئك أنموذجاً رائعاً للاستقرار النفسي، الذي من خلاله تستقر مئات الأسر نفسياً ومعنوياً ومادياً.

إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"

العدد 4601 - الأحد 12 أبريل 2015م الموافق 22 جمادى الآخرة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً