العدد 2492 - الخميس 02 يوليو 2009م الموافق 09 رجب 1430هـ

عندما تنقلب الموازين!

هذه صورة من صور الفساد المالي والإداري المستشري في الكثير من الشركات والمؤسسات الكبرى، والتي عانى ويعاني منها الكثيرون، ممن لا حول لهم ولا واسطة، ونتيجة للتمييز والطائفية وربما العنصرية، التي أوقعتهم في براثن بعض المتنفذين والمهيمنين على الإدارات ودوائر التوظيف في تلك المؤسسات والشركات، والذين أعطوا ضمائرهم إجازة مفتوحة، وذلك لضعف إيمانهم وغياب وازعهم الديني.

وراحوا يتصرفون ويتحكمون في مصير الناس بما تمليه عليهم نفوسهم المريضة ومصالحهم ومنافعهم الشخصية، فظلموا من ظلموا وتسببوا في حرمان الكثيرين من الحصول على حقوقهم المشروعة، أو الحؤول دون تحقيق طموحاتهم والحصول على الترقيات في وظائفهم، أو ربما حرموا البعض من الحصول على وظيفة مناسبة لهم، فضلا عن تماديهم في توظيف وترقية بني جلدتهم، ومن يجنون من ورائهم مصالح عامة، ما اضطر الكثيرين لترك وظائفهم، أو إلى الركون إلى مشروع التقاعد المبكر نتيجة للضغوط والمضايقات والتهميش والتجاهل لهم.

ومشروع التقاعد المبكر الذي اخترعوه في بعض الشركات الكبرى هو في واقع الأمر يصب في خدمة هؤلاء المتنفذين والمسيطرين على زمام الأمور في تلك الشركات -في ظل البطالة المتزايدة وعدم توفر الشواغر- لأهداف أهمها:

- التخلص من قدامى الموظفين أو الذين لا يرغبون في تواجدهم في تلك الشركات، بسبب التمييز والطائفية وربما العنصرية، وليتسنى لهم جلب بني جلدتهم، ومن يحصدون من ورائهم مصالح ومنافع شخصية ليحلوا بدلا منهم.

- يلجأ البعض من هؤلاء المتنفذين إلى أسلوب الاختلاس المالي أو الحصول على المكاسب المالية بطرق ملتوية وغير مشروعة، وعندما يكتشف أمرهم تتم لفلفة القضية، ومساعدتهم للانضمام إلى مشروع التقاعد المبكر، وبالتالي يحصلون على مئات الآلاف من الدنانير وراتبا تقاعديا ضخما، ومن ثم يلتحقون بوظيفة أخرى وبراتب يساوي ضعف راتبهم السابق، أو يفتحون لهم مشاريع تجارية ضخمة تدر عليهم ملايين الدنانير شهريا.

وهذا ليس اتهاما من نسج الخيال، ولكنه واقع كثيرا ما يحدث وكثيرا ما نسمع بأن المدير الفلاني أو المديرة الفلانية، قد تم ضبطهم متلبسين بالجرم المشهود، وأجبروا على التقاعد المبكر، وبعد فترة نسمع أو نرى ذلك المدير أوتلك المديرة وقد انتقلوا إلى شركة أخرى أو حتى إلى وزارة من وزارات الدولة.

وهذه صورة من صور الفساد الإداري، حدثت لأحد الموظفين الذي وصل إلى درجة إشرافية في إحدى الشركات الكبرى، وضايقوه بشتى الوسائل والطرق، ولم يترك ذلك الموظف بابا إلا وطرقه، وقابل الكثير من المديرين في شركته لطرح قضيته عليهم ومن ثم حوّل قضيته إلى اللجنة العامة للعمال (السابقة) في شركته، ولم يفعلوا له أي شيء يذكر، ثم رفعها ثانية بعد فترة من الزمن، إلى نقابة العمال في شركته مع ملف كامل يحوي الوثائق والإثباتات الرسمية، والشهادات التي حصل عليها من مجهوده وعلى حسابه الخاص، ولم يحصل على أي نتيجة أيضا، ما اضطره للتقاعد مبكرا، وهو يشعر بمرارة ما ناله من ظلم وإجحاف بحقه، ولكون كل هؤلاء الذين استعان بهم لم يفعلوا له شيئا، وذهبت قضيته أدراج الرياح وهي كما يرويها لنا كالآتي: «بدأت حياتي العملية وأنا في ريعان الشباب كموظف عادي، وشاءت الأقدار أن يبتسم الحظ لي وأحصل على ترقية لشغل وظيفة أعلى بعد 18 شهرا، ما أثار حفيظة وغيرة أقراني وزملائي في الأقسام الأخرى ممن أمضوا سنوات طويلة ولم يحصلوا على أي ترقية، وبعد ثلاث سنوات حصلت على ترقية أخرى لشغل وظيفة إشرافية وبدرجة أعلى، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان، فلقد كان هناك مدير أجنبي يخطط للبقاء مدة أطول مع هذه الشركة، لكون عقده قد شارف على الانتهاء، فقد اقترح على إدارة الشركة دمج قسمين معا في قسم واحد، ونال ذلك الاقتراح إعجاب الإدارة فوافقت على اقتراحه، وتحقق له ما كان يتمناه وتم دمج القسمين، ولكون توزيع الدرجات على السلم الوظيفي في القسمين كان مختلفا تماما، فلقد تم تصنيفي في مركز أقل ولكن على نفس درجتي.

وتغيرت أمور واستجدت أمور، ولم يكن هناك خيار لي سوى الرضوخ والقبول بالأمر الواقع أو الاستقالة من تلك الشركة، ولأنه لم يتسن لي الحصول على عمل آخر داخل أو خارج الشركة فقد قبلت على مضض بما حصل لي ورضيت بالواقع المر وتكيفت مع هذا الوضع، ولكن بما أن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن، فقد حدثت في السنوات الأخيرة تطورات وتغيرات في تلك الشركة، وجاءت إدارة جديدة لذلك القسم، فقامت بتصفيات عدوانية وتصفية حسابات في صفوف قدامى الموظفين الذين يشغلون وظائف إشرافية، وأرادوا تحويلهم إلى موظفين عاديين ما دفعهم للتقاعد المبكر بعد خدمة تلك الشركة لسنوات طويلة.

ولم يكن حالي بأحسن من حالهم إذ تم تحويلي إلى موظف عادي مع العلم أنني كنت أشغل وظيفة إشرافية لمدة تفوق 20 سنة ودرجتي أعلى منهم، وعوملت كما يعامل الموظفون المستجدون، وبالفعل تمت ترقية بعض هؤلاء الموظفين المستجدين لكونهم من بني جلدتهم، وظلت درجتي على ما هي عليه، ولو كان بيدهم لأنقصوا درجتي إلا أن القوانين تحاصرهم، وكل ما تم فعله من قبلهم جاء نتيجة لأهواء شخصية وأحقاد عنصرية.

وكان من المفروض أن تتم ترقيتي إلى مركز ودرجة أعلى، لكوني قد شغلت هذا المركز لسنوات طويلة بالوكالة -ولكن على فترات متقطعة- فكيف يمكن تفسير ذلك التصرف الأهوج؟! وما مدى التأثير النفسي والمعنوي على أي شخص يتعرض لمثل هذا الهجوم الحاقد؟! وكيف يفسر المدافعون عن حقوق الإنسان وأطباء النفس وعلماء الاجتماع مثل تلك التصرفات الهوجاء؟

وما مدى تأثيرها على ذلك الشخص المظلوم الذي سلبت منه حقوقه؟! وليس من المستبعد أن تحدث أو حدثت للكثيرين في مثل تلك الشركات والمؤسسات.

وليكن في العلم أنني لم أقف مكتوف اليدين، بل تحركت على أعلى مستوى، وقابلت الكثير من المديرين والمسئولين في تلك الشركة ورفعت القضية إلى جهات عليا في الشركة، ولكن لا حياة لمن تنادي، كلها وعود كاذبة لم أحصل منها إلاّ على السراب، وإحدى كبار المديرات في الشركة قالت لي بالحرف الواحد (إنه أمر عادي ما دام راتبك لم يتغير)، فقلت لها: الحالة النفسية والمعنوية أهم كثيرا من المال، هكذا يفكر مثل هؤلاء المتنفذون ومنطقهم ينم عن استهتار وعدم اكتراث بمظلومية الأخرين، وأخيرا لم تجد قضيتي حلا منصفا وعادلا لي وأسدل عليها الستار وأصبحت في خبر كان».

إن مثل تلك القضية وغيرها من القضايا تحدث في الكثير من الشركات والمؤسسات الكبرى على مرأى ومسمع من كبار المسئولين فيها، ويكون الموظف المسكين ضحية لأهواء وأمزجة بعض من تجرد من ضميره ووازعه الديني، وراح يتصرف بما تمليه عليه منافعه ومصالحه الشخصية.

هذه مجرد صورة واحدة من صور الفساد الإداري، والتي تنحو نحو أسلوب ما يعرف (بالإرهاب الإداري) ضمن عشرات بل مئات من صور الفساد التي تنخر في مفاصل تلك الشركات والمؤسسات الكبرى، ولا تجد من يتدخل بقوة من كبار المسئولين، ليضع حدا لما يعانيه عامة الناس من تمييز وظلم وإجحاف بحقهم، وحرمانهم من حقوقهم المشروعة، ما يضاعف من صور الفساد والتعسف ويوسع هوة الأحقاد والمشاحنات بين الناس، ويجعل الأوضاع تسير من سيئ إلى أسوأ، وتتعقد الأمور وقد تؤدي إلى عواقب وخيمة لا تحمد عقباها.

محمد خليل الحوري

العدد 2492 - الخميس 02 يوليو 2009م الموافق 09 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً