أكد الزعيم الكردي العراقي مسعود بارزاني في لقاء خاص مع «الوسط» أن «المأزق العراقي الراهن لن يجد سبيلا للحل إلا بقرار من الحكومة العراقية يضع مسألة الديمقراطية في إطار شامل لتسوية مشكلات العراق». وقال بخصوص الموقف الكردي فيما يُشاع عن نية الأكراد إعلان الانفصال عن العراق: «إن الفيدرالية التي يطالب بها الأكراد تبعد العراق عن الانفصال وتقاوم التجزئة»... مضيفا: «اننا لسنا انفصاليين، نطالب فقط بحقوقنا العادلة في إطار عراق فيدرالي ديمقراطي».
ولم ينف بارزاني وجود اتصالات مع الحكومة العراقية، ولكنه فسّر هذه الاتصالات بـ «الحوار» الذي لم ينقطع، ولكنه لم يصل إلى حل سياسي يرضي طموحات الأكراد وخصوصا ما يتعلق بمسألة الفيدرالية.
ونفى بارزاني ما يقال عن كون الأميركان طلبوا من القادة الأكراد تقديم تسهيلات لوجستية أو ميدانية لضرب العراق، وقال: «إننا نتبنى نهج التغيير الديمقراطي، ونرفض أي إجراء من شأنه تهديد أمن وسلامة الشعب العراقي والإضرار بالبنى التحتية في العراق».
وعاتب بارزاني بعض الدول العربية على تجاهلها القضية الكردية، وحذر الدول المجاورة لكردستان العراق من محاولة استغلال الظروف السلبية الراهنة للتدخل في الشأن العراقي. وفيما يتعلق بنوايا تركيا احتلال مدينتي كركوك والموصل في ضوء ما أعلنه بعض المسئولين الأتراك قال: «إنني أكررها، بأننا ـ شعب كردستان العراق ـ سنكون أول من يقف ضد من يحاول أن يدنس أرض العراق، فالعراق ملك لكل العراقيين الشرفاء الذين يؤمنون بالمواطنة العراقية». وهنا نص الحديث:
كيف تنظرون إلى التطورات الأخيرة التي تواجه القضية العراقية، وما هو المخرج ـ برأيكم ـ من هذه الأزمة؟
- إن القضية العراقية تعود إلى ما قبل حوادث 11 سبتمبر/ أيلول، وهناك أيضا قرار من الكونغرس بهذا الخصوص، إذا الإدارة الأميركية مصممة على ضرب العراق وتغيير نظام الحكم، ومسألة تحشيد تحالف دولي تحت مظلة الأمم المتحدة جزء من الدبلوماسية المعروفة لتوفير المسوغات القانونية للغرب. ربما لا يكون النظام العراقي متورطا بشكل علني بالارتباط بشبكات الإرهاب، لكن امتلاك أسلحة الدمار الشامل ومحاولة امتلاك أسلحة نووية يشكلان خرقا للخطوط الحمر وتطاولا على المحرمات التي تسمح بها القوى العظمى.
إن التعامل مع الأطراف المعنية بالشأن العراقي يعني تجنيب العراق المزيد من الويلات والمآسي والعمل على إنهاء معاناة الشعب العراقي، ومن خلال تطبيق القرار الدولي 688 الذي يدعو إلى وقف القمع والاضطهاد ضد سائر أبناء الشعب العراقي ومن خلال دعم المشروع الديمقراطي في العراق والذي يكفل العيش الكريم لمكونات النسيج العراقي.
ما هي الحلول التي يطولها الأكراد لمعالجة عموم الوضع العراقي؟ ومن أي منطلق تخاطبون الرأي العام المحلي والأجنبي؟
- إن المأزق العراقي الراهن لن يجد سبيلا للحل إلا بقرار من الحكومة العراقية يضع مسألة الديمقراطية في إطار شامل لتسوية مشكلات العراق، بالإضافة إلى الالتزام بالمواثيق والعهود الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، ومن ثم الأخذ بالنظام الفيدرالي كإطار سياسي لحل مشكلة تعدد القوميات داخل العراق وإيقاف الإجراءات القمعية وإعادة الأوضاع من حيث التركيبة السكانية إلى سابق عهدها.
هل صحيح ما يطرح في بعض الصحف العربية بأنكم تريدون تكريس الأمر الواقع في كردستان؟
- نحن شعب نعشق السلام ونرفض الظلم والطغيان، ومن هذا المنطلق ولدت المطالبة الشعبية الكردية بإقرار الفيدرالية صيغة سليمة لإدارة الإقليم ضمن العراق الفيدرالي الموحد ليعطي مرة أخرى مؤشرا واضحا إلى الذين يتباكون على العراق خوفا من تقسيمه، لأن الفيدرالية التي يطالب بها الأكراد تبعد العراق عن الانفصال وتقاوم التجزئة، والفيدرالية ما هي إلا عامل من عوامل وحدة العراق التي يكمن فيها الدرع العراقي لحماية العراق من الأشرار الذين يعلنون تلك الأطماع التي لا وجود لها إلا في مخيلتهم.
كف تنظرون إلى ما يقال عنكم من إنكم تسعون إلى الانفصال؟
- لسنا انفصاليين، نطالب فقط بحقوقنا العادلة في إطار عراق فيدرالي ديمقراطي، فما إصرار الاكراد على وحدة الوطن العراقي وطرحهم خيار الفيدرالية إلا دليل على تأكيدهم للوحدة وسد المنافذ والثغرات التي يمكن أن تعطي الفرصة لمحاولات التقسيم.
إلى أي مدى قطعت تجربتكم الديمقراطية مسيرتها نحو إرساء قوام المجتمع الديمقراطي؟
- إنني لا أقول إن كل شيء لدينا أصبح على ما يرام، لكن ما حققناه شيء مدهش. إن تحرير أجزاء من أرض كردستان العراق وإدارتها بنجاح من قبل أهلها طيلة أحد عشر عاما يعنيان الشيء الكثير في ظل توفير المنطقة الآمنة لملايين الأكراد، الأمر الذي نال به الأكراد إعجاب العالم هو تطبيقهم التجربة الديمقراطية الخاصة وتوفير الأرضية الصالحة للتعددية الحزبية والانهماك في أعمال البناء والإعمار في كل الميادين وبناء الإنسان الكردي بناء عصريا.
إن التجربة الكردستانية هي عراقية في إطارها وتفاصيلها وهي الخطوة الأولى الحقيقية نحو إيجاد الحل الديمقراطي العراقي. ومن جانب آخر فإن هذه التجربة تعكس حقيقة استعداد العراقيين للتعايش في ظل الديمقراطية وقدرتهم على التطور والتقدم والإبداع.
إن التجربة الكردستانية هي تجربة أقدم عليها أبناء العراق الأكراد في مرحلة لم يتسن لسائر أبناء العراق خوض هذه التجربة، لذلك من حق العراقيين جميعا أن يستشهدوا بهذه الجربة وأن تكون النموذج المناسب لعراق المستقبل، فهي مفتاح الخطوة الأولى في عملية التغيير الديمقراطي وتجربة وطنية عراقية خالصة، إذ أصبحت المحافظة عليها جزءا من المهمات الدولية الإنسانية.
هل توجد اتصالات سرية مع الحكومة العراقية؟ وأين توقفت هذه الاتصالات؟
- لا توجد اتصالات سرية مع الحكومة العراقية، وإن وجدت فهي علنية، إذ أن الشعب الكردي لم يرفض الحوار يوما ما سبيلا لحل المشكلات.
ما أريد قوله: إن الحوار لم ينقطع، إلا أنه لم يرتقِ إلى حل سياسي يرضي طموحات شعبنا الكردي وخصوصا فيما يتعلق الأمر بمسألة الفيدرالية.
هل صحيح أن الأميركان طلبوا منكم تقديم تسهيلات لضرب العراق؟ وما هو ردكم على ذلك؟
- لم يطلب منا الأميركان أية تسهيلات لضرب العراق، وموقفنا واضح من هذه المسألة، إذ أننا نتبنى نهج التغيير الديمقراطي ونرفض أي إجراء من شأنه تهديد أمن وسلامة الشعب العراقي والإضرار بالبنى التحتية في العراق.
ما هي طبيعة الوضع الحالي مع الاتحاد الوطني الكردستاني؟ وهل توجد ثمة مشكلات عالقة إلى حد الآن؟
- أعتقد أننا أزلنا الكثير من المشكلات والمعوقات الرئيسية التي كانت تعترض المصالحة وترسيخ السلام، وقد عقد البرلمان الكردستاني بكتله الثلاث يوم 4/10 اجتماعه التأريخي والذي لا شك في أنه سيصبح منطلقا نحو السير لتنفيذ جميع بنود اتفاق واشنطن وحل المشكلات العالقة الصغيرة وتوحيد الخطاب الكردي حول مستقبل العراق... العراق الذي ينشده جميع أبناء الشعب، ديمقراطيا تعدديا، فيدراليا، موحدا يضمن للجميع حقوقهم وأمانيهم.
ما المطلوب من الدول العربية لتتعامل مع التجربة الكردية طبقا لمشروعيتها؟
- لا نستطيع أن نجانب حقيقة أن قضية شعبنا الكردي لم تحتل ركنا أساسيا من ضمير إخوتنا العرب إلى درجة الإلمام والفهم والتعاطف المنشود، فالجانب العربي لايزال مترددا وربما غير مبال إزاء وضع أشقائه في الدين وكذلك الجوار منذ فجر التأريخ.
في اعتقادي أن المصلحة العربية تحكم في أن يكون هناك تعاون مع الأكراد كقومية وكجزء أصيل من العراق، وهنا لابد من إيجاد آلية جديدة نستطيع من خلالها أن نجعل أبواب جميع الدول العربية مفتوحة لإخوتهم الأكراد، وأبواب الأكراد مفتوحة للغرض نفسه من أجل أن يسير الجميع في طريق واحد نحو التعاون المشترك، خصوصا أن الدستور العراقي ينص على أن الشعب العراقي سيتكون من قوميتين رئيسيتين هما العرب والأكراد.
هل صحيح أنكم ستقاتلون كل من يحاول أن يمد أطماعه في الاستيلاء على مناطق عراقية مثل مدينتي كركوك والموصل؟
- أنا كردي عراقي مؤمن بأن المحافظات العراقية جميعها سواء كانت ذات أكثرية كردية أو عربية هي جزء من العراق الكبير الذي يجمعنا سوية، والنخوة العراقية هي صفة ملازمة لكل العراقيين بعربهم وأكرادهم. وإنني أكررها بأننا شعب كردستان العراق سنكون أول من يقف ضد من يحاول أن يدنس أرض العراق، فالعراق ملك لكل العراقيين الشرفاء الذين يؤمنون بالمواطنة العراقية
العدد 42 - الخميس 17 أكتوبر 2002م الموافق 10 شعبان 1423هـ