العدد 42 - الخميس 17 أكتوبر 2002م الموافق 10 شعبان 1423هـ

غياب العاطفة هو أول مسمار يدق في نعش العلاقة الزوجية

إن أجمل لحظة تعيشها المرأة، عندما تسمع كلمة حانية تقترب من إحساسها، وتلامس مشاعرها... تلك حقيقة لا يمكن أن ندسّها في غباوة بعض مفاهيمنا الخاطئة للعلاقة الدافئة في الأسرة.

تلك حقيقة لا يمكن القفز عليها بمبررات (العمل الطويل)... و(الانشغال بمتاعب الحياة)... قول الزوج لزوجته: «إني أحبك» كلمة لا يمكن أن تمحى من قلبها حتى تدفن في قبرها».

هذه رسالة رسول اللّه (ص) لكل زوج رأي في كلمات الحب إلى الزوجة خدشا لرجولته، وانكسارا لجبروت قيمومته الخاطئة.

إن كلمة طيبة يلقيها الزوج في عفوية اللقاء، وفي لحظة لم يخطط لها، تكون للزوجة أشبه بيوم ربيعي. تنتهي بهذه الكلمة «إني أحبك» رحلة الشقاء اليومي الذي عاشته طول يومها في كدح ترتيب البيت والأسرة.

هي كلمة ولكنها ساحرة تضفي جمالية على طبيعة العلاقة التي قد يصادفها جزء من التخشّب لانشغالات الحياة.

في اعتقادي أن ما تحتاجه المرأة في مجتمعنا البحريني، وخصوصا الزوجة البحرينية الكلمة، الطيبة، والعاطفة الصادقة، والاستمرار الدائم لتدفق العاطفة من قبل الزوج مثلها مثل بقية النساء.

كثيرات هن الزوجات البحرينيات اللاتي يشتكين من ضمور العاطفة، وضعفها لدى الزوج البحريني.

وأقول ذلك ليس لأظلم الزوج البحريني إذ انني لا أمتلك معلومات كافية لمدى حضور العاطفة بين الزوجين في المجتمعات الأخرى، لكن لأنني في مجتمع بحريني أحب أن أبدأ بالبيت الداخلي ولا أعدم بقولي هذا أزواجا نموذجيين وبكل المقاييس.

من الخطأ الكبير أن تمر أسابيع على العلاقة الزوجية من دون أن تتخللها كلمات جميلة مرهفة، ناعمة، صادقة الإحساس بين الزوجين.

قد يعيش الزوج انشغالات، وإرباكات حياتية كبرى ضاغطة، إضافة إلى كابوس اقتصادي يومي يعمل على إذابة وضمور وإخفاء بقية العاطفة في قلب الزوج، لكن كل ذلك ليس مبررا لانعدام العلاقة الزوجية من العاطفة، أو الإحساس المرهف.

إن من الأخطاء التي يرتكبها بعض الأزواج أن بعض هؤلاء يمتلك العاطفة الكبرى، ويمتلك المخزون الكافي من العواطف، لكن هذا المخزون ينضب داخل الأسرة، وتراه متدفقا خارجها... هو على استعداد لئن يغدق العاطفة على أصدقائه فيسمعهم الكلمات الحانية، والمتدفقة بالشعور المرهف... تجده كتلة عاطفية تتأجج نار أحاسيس مرهفة لأهله، لأصدقائه في العمل، لرفقاء دربه في قريته، في مدينته... لكن هذه العاطفة سرعان ما تخمل وتتوارى وتتلاشى ساعة دخوله عتبة باب الأسرة.

إنه سلوك خاطئ يجب أن يتجاوزه الزوج ولو بالمران، فالأبناء والزوجة هم أحق الناس ـ مع الوالدين ـ بكل هذا الحنان. فعلماء النفس كثيرا ما يركزون على ضرورة حضور العاطفة كسلوك نفسي داخل الأسرة، ومن الخطأ الكبير أن تشعر الزوجة بأنها الحلقة الأضعف والأفقر إغداقا للعاطفة من قبل الزوج. وأثبتت الدراسات العلمية أن تخشّب العلاقة بين الزوجين عادة ما تكون بسبب تخشّب، وتصحّر العاطفة بينهما.

فالكلمات الجميلة القائمة على الحب والتقدير هي بمثابة الماء الذي يعمل على إنعاش شجرة الحياة الزوجية بالحياة والحيوية والصحة، فإذا ما انقطعت يبست الأوراق، وانعدمت الحياة فيها.

فالكملة الطيبة تشعر الزوجة بقيمتها، وتعطيها إحساسا بأنها هي المرأة التي مازالت تتربع على عرش الزوجية، وهي الكيان الإنساني الآمر والناهي في مملكة الحب الذي يحكمها زوجها.

هذه الكلمة تشعرها بالدفء عند زمهرير الشتاء، فهي دائما ما تسعى إلى الحصول عليها، والاستئثار بها، وتملّكها لها.

ولا توجد امرأة في العالم لا تتمنى أن يكون لها جزء من الخصوصية في قلب زوجها. هذه النزعة بالتفرّد هي نزعة إيجابية عندما تكون متوازنة، وتعزف وفق إيقاع مشاعري متوازن خالٍ من التملك السلبي الذي يفقد عقلانيته وثباته.

فالمرأة التي تسمع من صديقتها طبيعة الحياة الدافئة التي تعيشها مع زوجها تنتابها الغبطة والتمني بأن تصل هذه المفردات إلى زوجها فيشعرها ولو بجزئها... وليس ذلك خطأ وليس ذلك مستحيلا فبإمكان كل نقص أن يتم إذا عرفنا كيف نعالج الخطأ، بالأسلوب الصحيح، وبالكلمة الرقيقة، والمعالجة العلمية.

ولا توجد أسرة في العالم تخلو من نواقص وسلبيات، إلا أن سقوط الكثير من الأسر عادة ما يكون نتيجة حتمية لجاهلية الزوج، أو جهل الزوجة بالوصول إلى الحلول العلمية. فكثير من علماء الاجتماع وعلماء النفس يوصون بخطوط عامة صالحة لحل الكثير من المشكلات وإن احتاج الكثير منها إلى تفصيل ولكنا نعرضها أولا حتى ندخل في تفاصيلها في حلقات مقبلة على شكل وصايا هي للزوج والزوجة، منها:

1- العمل الدائم والتركيز على الجوانب الإيجابية والمضيئة لدى كلا الزوجين فلا تخلو امرأة من إيجابيات، وان شد بعضهن. فمحاولة كلا الزوجين لاستثمار هذه الإيجابيات والتركيز عليها من شأنه أن يعزز العلاقة ويكون طريقا إلى حلحلة السلبيات.

2- المحاولة الدائمة للتركيز على العاطفة وتبادل المشاعر ولو بطريقة الافتعال والتعمّد، فبالتعوّد قد تتحول إلى سلوك يومي والنفس تمتلك القابلية للتعلّم على أي أمر فيتحوّل بعد أن كان مفقودا إلى عادة مغروسة إلى أن تتحوّل إلى قيمة لها حضورها الدائم في العلاقة.

3- يحكّم العقل أولا قبل العاطفة في أية مشكلة طارئة.

4- البحث دائما عن الأمور المحببة لكلا الطرفين. فالزوجة الذكيّة والحصيفة هي التي تبحث عن الأمور التي تزيدها قربا من زوجها، فالزوج يشعر بالسعادة عندما يرى زوجته دائما ما تسعى إلى ارضائه.

فمن باب الطرافة سئلت امرأة لا تجيد الطبخ، ما سر اختلافك الدائم مع زوجك؟ فأجابت: مع الأسف اكتشفت أن المعدة هي أقصر طريق إلى قلب الرجل!

لقد قيل قديما: إن المرأة أحلى هدية قدمها اللّه إلى الإنسان... وتلك حقيقة لا يمكن التنكّر لها، فلولا المرأة لانقطع نسل البشرية، فهي الصورة الأخرى لهذا الكون، فقد منحتها العاصفة ثورتها، ومنحها البحر عمقه، ومنحتها الطبيعة رهافتها وجمالها ورقتها ونعومتها، لهذا أسماها الرسول بـ (القارورة) التي سرعان ما تنكسر ولو بالكلمة، فقد قال رسول اللّه (ص): «رفقا بالقوارير، وارحموا إيماء الله».

5- تكبير الإيجابيات ومحاولة تقزيم السلبيات ويجب عدم تهويلها وإضفاء المبالغات عليها.

6- حفظ أسرار الأسرة، فللبيت حرمة يجب عدم انتهاكها. وهناك أسرار غير قابلة للنشر أو الكشف والاعلان.

7- نسيان الأخطاء الماضية، فالحياة قائمة على التسامح وتجاوز أخطاء الماضي.

8- يجب ألا يصبح الخصام والهجر والنكد طابع الحياة الزوجية.

9- المحاولة الدائمة لكسر العزلة، والروتين أسبوعيا أو شهريا ولو بنزهة متواضعة.

وأعود حيث ابتدأت بمسألة العاطفة وضرورة التركيز عليها، فالتركيز الدائم والمستمر على العاطفة في داخل الأسرة بين الزوجين أو بينهما وبين الأطفال مسألة ملحّة وفي غاية الأهمية.

إن غياب العاطفة هو أول مسمار يدق في نعش الحياة الزوجية لذلك يجب أن نركز عليها دائما كسلوك دائم يحكم العلاقة، فبتركيزها تسهل الحياة بين الزوجين فهي الشافع لأي خطأ يقع من أيهما... أعني بالعاطفة الاحساس الدائم بالارتباط، والحب، والحنان والرؤمة المتدفقة، والاحترام الدائم. كل ذلك يعمل على تمتين العلاقة وتقويتها أمام أي عاصفة قد تطرأ فتهدد هذا البيت.

الفقر العاطفي مشكلة مازالت عالقة في بعض بيوتنا البحرينية، وكان لها دور كبير في تمزّق وتصدع الكثير من العلاقات الأسرية في مجتمعنا البحريني فما أحوجنا إلى ثقافة الحب، ومفردات الأحاسيس المرهفة في علاقاتنا الأسرية. تلك مشكلة يمكن علاجها، ولكن شريطة أن نمتلك جرأة الاعتراف بوجودها، ومن ثم البحث عن الحلول المناسبة لها

العدد 42 - الخميس 17 أكتوبر 2002م الموافق 10 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً