العدد 42 - الخميس 17 أكتوبر 2002م الموافق 10 شعبان 1423هـ

ألف باء... كتاب الموطّأ

لقد مر تدوين حديث النبي (ص) لدى مدرسة أهل السنة بثلاث مراحل:

الأولى: مرحلة الجمع: وهي التي قام فيها كبار علماء الطبقة الثالثة في منتصف القرن الهجري الثاني بجمع احاديث النبي (ص) وأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم تدوينا للأحكام الشرعية.

الثانية: مرحلة المسانيد: وهي التي أفردت فيها احاديث الرسول (ص) من غيرها.

الثالثة: مرحلة الصحاح: وهي التي أفرد فيها الصحيح من حديث الرسول (ص) من غيره مما روي عنه.

... والكتاب محل الكلام (الموطأ) هو من مؤلفات المرحلة الأولى وهو ما زاده زخما على زخمه العلمي، ومصنفه هو الإمام مالك بن أنس (رض) (ت 179 هـ) والملقب بـ (فقيه المدينة)، وهو بالاصالة عبارة عن كتاب فقهي يتناول بالدراسة الاحكام الشرعية إلا انه لاشتماله على صافي عشرة آلاف حديث جمعها (رض) وغربلها وصفاها على مدار أربعين سنة أعتد مرجعا حديثيا مهما.

ويعلل (رض) سبب تسميته لكتابه هذا بـ (الموطأ) بقوله: «عرضت الكتاب هذا على سبعين فقيها من فقهاء المدينة، فكلهم واطأني عليه، فسميته (الموطّـأ)».

وموضوع الكتاب - بالمعنى المنطقي الحديث - هو الاحكام الشرعية المتعلقة بأفعال المكلفين الذي لم يشذ عنه إلا في مواضع قليلة.

ويشتمل إلى جانب أحاديث النبي (ص) - والتي هي (القوي) من مرويات أهل الحجاز - على أقوال الصحابة وفتاوى التابعين ومن بعدهم.

وقد قسّم (رض) كتابه هذا إلى كتب حملت واحدا وستين عنوانا مختلفا، وقسّم هذه الكتب إلى أبواب متعددة يقتصر الواحد منها على تناول مسألة واحدة من مسائل الكتاب المقَسَّم.

ويقول الاستاذ الدكتور محمد كامل حسين في بيان ما تأسس عليه دين الإمام مالك وقام عليه كتابه (الموطأ) من منهج في مقدمته له: (فالدين عنده «أي عند الإمام مالك» هو الأخذ بكتاب الله الكريم وسنة الرسول صلوات الله وسلامه عليه وما قال به الخلفاء الراشدون وما رواه الصحابة واهل العلم والتقى من علماء المدينة(1).

وهذا (هو) النهج الذي رسمه مالك لنفسه والذي يقوم عليه كتابه الموطأ، ونحن نرى هذا واضحا كل الوضوح في الكتاب). وبالرغم من أن كتاب الموطأ يشتمل على بعض احاديث النبي (ص) المرسلة إلا أن لها ما يعاضدها من الحديث من خارجه.

يقول جلال الدين السيوطي: (وما من مرسل في الموطأ إلا وله عاضد أو عواضد).

ولهذا صنف ابن عبدالبر كتابا في وصل ما في الموطأ من المرسل والمنقطع والمعضل.

قال: (ما فيه من قوله (بلغني) ومن قوله (عن الثقة) عنده، مما لم يسنده، أحد وستون حديثا كلها مسندة عن غير طريق مالك إلا أربعة لا تعرف).

إلا أن الشيخ محمد الشنقيطي في كتابه (دليل السالك إلى موطأ الإمام مالك) أفاد بأن ابن الصلاح قام بوصل هذه الاحاديث الأربعة في كتاب مستقل متوافر عليه بخطه.

ولذلكم قال السيوطي بعد قوله الذي نقلناه أعلاه: (فالصواب أن الموطأ صحيح كله، لا يستثنى منه شيء).

ولهذا كله احتل هذا الكتاب القيم المكانة الرفيعة وسط هذه المدرسة العلمية لدرجة أن كثيرا من كتبها وتواليفها المعتمدة والتي جاءت من بعده هي عيال في كثير من مادتها العلمية عليه.

يقول الإمام الشافعي: (ما ظهر على الأرض كتاب بعد كتاب الله اصح من كتاب مالك).

ويقول القاضي أبوبكر بن العربي في (شرح الترمذي): (الموطأ هو الاصل واللباب وكتاب البخاري هو الاصل الثاني في هذا الباب. وعليهما بنى الجميع كمسلم والترمذي).

ويقول محمد فؤاد عبدالباقي محقق النسخة المتداولة من الكتاب في كلمته: (قد ثبت مما تقدم ان اصحاب الكتب الستة لم يغادروا حديثا من احاديث الموطأ إلا أخرجوه في كتبهم).

ولهذا اصبح هذا الكتاب موضع دراسة كثير من علماء الامة في بعض مصنفاتهم العلمية من جوانب مختلفة كالشرح العام له وشرح غريبه وبيان رجاله ومسانيده وشواهده وغير ذلك.

- فممن شرحه شرحا عاما: ابن عبدالبر في (التمهيد) و(الاستذكار)، وأبوالوليد بن الصفار في (الموعب)، وابوبكر بن سابق الصقلي في (المالك)، وأبومحمد بن السميد البطليوسي النحوي في (المقتبس).

- وممن شرح غريبه: أحمد بن عمران الأخفش، وأبوالقاسم العثماني المصري، والبرقي.

- وممن ذكر رجاله وأبان أحوالهم: القاضي أبوعبدالله بن الحذاء، وأبوعمر الطلمنكي، والبرقي.

- وممن كشف عن مسنده: أبوالقاسم الجوهري، وأبوالحسن القابسي في (الملخص)، وأبوذر الهروي وغيرهم

العدد 42 - الخميس 17 أكتوبر 2002م الموافق 10 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً