متحف في مسبح؟ أجل، وليس ذلك بخرافة، إنها حقيقة متحف الفن والصناعة العجيبة في روبي الذي افتتح أخيرا في المسبح البلدي القديم، من طراز الفن التزييني ـ بعد تأهيله مع الاحتفاظ برونقه ـ في عاصمة النسيج الفرنسية. مشروع ناجح تمثل في جمع معبد الرياضة والصحة الذي أطلق عليه في الثلاثينات من القرن الماضي «أجمل مسابح فرنسا» وأقفل العام 1985 لأسباب أمنية، وهو متحف مهجور منذ أكثر من نصف قرن تشتت مجموعته ونهبت. في الوقت نفسه، أعيد افتتاح متحف الفن والصنعة في سانت أتيان بحلة جديدة وعرضت مجموعاته.
إنها شواهد تراث معماري صناعي، تكرمها فرنسا بشكل لائق هذه الأيام. يعبر افتتاح هذين المتحفين عن إرادة بالمحافظة على «الذاكرة العمالية» في الأماكن التي عرفت ولادة الثورة الصناعية، والتي تعيش مأساة هذه الأيام بسبب تضاؤل نشاطاتها المحلية. في روبي، احتفط «المسبح» باسمه كما في تولوز احتفظت «المسالخ» باسمها، وحوّل كلاهما إلى متحف للفن الحديث والمعاصر.
فقلب «المسبح» صممه معماري من مدينة ليل هو ألبر بيرت، حسب مخطط دير سيستري، بحوض هائل طوله 50 مترا في بهو كبهو كنيسة وجهته شرق غرب، تحت قبة شبيهة بقبة كاتدرائية، تضيئها في طرفيها كوتان زجاجيتان من الفن التزييني، ترمز الأولى للشمس المشرقة والأخرى للشمس الغاربة. قام بمغامرة التأهيل للمتحف الجديد جان بول فيليبون الذي سبق له وحوّل مبنى محطة أورسيه في باريس التي تعود إلى القرن التاسع عشر إلى متحف. وقد استطاع المحافظة على الحوض الذي ملئ جزئيا بالماء وعلى فسيفسائه ذات الديكور المائي، وعلى الحوافي الخشبية المحيطة به كمعارض عمودية وضعت فيها نحوت المتحف. كما وضع مسطح زجاجي على كامل صفحة الحوض يستعمل كحيز لعرض الأزياء تذكيرا بدور مدينة روبي في صناعة النسيج.
واحتفظ أيضا بحوافي طابقي الحوض إذ غرف المستحمين المزينة بالخزف بعد إعادة تأهيلها وحولت إلى خزائن وواجهات لعرض مجموعات المتحف الفريدة من: خزفيات (من محترف سيفر أو بيكاسو) وصلصال ملمع وقطع وعينات من النسيج، وثياب وحلي. أما «مكتبة النسيج» فقد احتوت على أكثر من 50 ألف قطعة نسيجية تمتد من مصر القديمة وحتى أيامنا، مع 8000 كراس للعينات، أقيمت في الطابق الثالث على شاكلة بنك المعطيات.
ووضع قسم الفنون الجميلة (رسوم، نحوت، أثاث من القرنين التاسع عشر والعشرين) في أجنحة المغاطس القديمة التي احتفظ بنموذجين منها، واحد للنساء، بشكل دائري من الرخام وواحد للرجال محفور في الأرض. يتصدر المجموعات تمثال «ساكنة القصر الصغيرة» النصفي لكمي كلوديل من الرخام الذي تم الحصول عليه باكتتاب شعبي بمساعدة الدولة، فضلا عن بعض اللوحات لرسامين من المنطقة مثل لوحة «صراع ديكة في فلاندر» أو لوحة «اغتيال مارا» في مغطسه. وتكريما لعمال مصانع النسيج القديمة، يرتدي موظفو المتحف «ثياب العمل الزرقاء» المصنوعة من القماش العثماني المنسوجة في روبي.
يكرس المتحف اهتماما كبيرا للأطفال، فهناك «صناديق الألعاب» والمحترفات والزيارات المدروسة التي يركز فيها على الحواس بما فيها الذوق والشم، من الحوض الكبير وحتى قاعة المصافي في الطابق الأرضي التي حوّلت إلى حوانيت ومطعم. يأمل أمين المتحف برونو غوديشو أن تتواصل «نزعة الخليط الاجتماعي» التي اتسم بها المسبح وأحبه سكان روبي بهذا الشكل. من جهة أخرى، سيشارك المتحف جارته، مدينة ليل، «عاصمة الثقافة الأوروبية العام 2004» بمختلف برامجها وتظاهراتها.
في سانت أتيان، عاصمة الثورة الصناعية خلال القرن التاسع عشر وأهم مركز صناعي في فرنسا بين المنجم وصناعة التعدين والوشاح، افتتح متحف كرس بكامله للعمال في قصر الفنون الذي شيد العام 1889 ورممه المعماري جان ميشال فيلموت. فالوشاح والأسلحة والدراجات هي أهم المنتجات الصناعية التي اشتهرت بها مدينة سانت أتيان في وسط فرنسا. أرادته مؤسسة ماريوس فاشون أداة تطور اقتصادي واجتماعي حقيقية، و«حيزا للمنافسة وللإعداد» لفناني سانت أتيان، رسامي أوشحة أو نقاشي أسلحة من خريجي مدرسة الفنون الصناعية. فقد قال: إن «المتحف يؤدي دور المربي الفني للسكان»، وسمح بإعارة الأدوات المعروضة إلى العمال لدراستها بعد يوم العمل. بعد قرن من الزمن، يعتز المتحف باقتنائه أهم مجموعة أوشحة في العالم (1,5 مليون قطعة ونول جاكار) وأهم مجموعة أسلحة نارية (منقوشة في سانت أتيان) بعد المتحف العسكري. كما يحوي أيضا في القاعات تحت القبب في الطابق الأرضي أهم مجموعة فرنسية للدراجات الهوائية مع آلات تروي تاريخ الدراجات الهوائية من قبل عاشق لها هو فيلوسيو
العدد 56 - الخميس 31 أكتوبر 2002م الموافق 24 شعبان 1423هـ