في زمن كثرت فيه الحكايات عن انحطاط مستوى الخدمات الصحية المقدمة من قبل وزارة الصحة، وفي زمن أصبح فيه بعض الأطباء لا يكترث بالقَسم الذي أداه ونكثه، ولا يعبأ بالمرضى الذين هم من أولويات عمله الإنساني، فتراه يصف للمريض ما يطلبه تارة ليتخلص من دوار الرأس في نظره أو ليتخلص من الروتين الذي ابتلى به مثل مرضى «السكلر» إن صح لي التعبير!
قمت بزيارة ميدانية لإخوتي المرضى من يشاطروني «الدماء المنجلية» فكان المنظر يحز في النفس لهذه الخدمة المقدمة إلينا في مجتمع يدعي التطور والتقدم، وما هو في نظري إلا في المؤخرة، إذ سنبقى من دول العالم الثالث رضينا أم أبينا لهذا الواقع المرير الذي نتعايش معه!
أحد المرضى لا يستطيع الحراك من شدة نوبة ألم «السكلر» الذي أطاح به على ذلك الفراش الأبيض الذي أكل الدهر وشرب على أغطيته وشراشفه وإذا به يتوأه، فرط قلبي لمنظره الذي طالما اتشح بهذا المظهر، فسألته بالله ما بك يا أخي؟ فرد علي أريد من ملائكة الرحمة أن يعينوني للذهاب إلى دورة الميا أعزكم الله، أو أن يحضروا لي ما أستطيع به قضاء حاجتي، فهذا جرس المناداة طرقته ولكن ما من مجيب وما من معين... وفي الغرفة نفسها وفي الجناح نفسه وجدت أحد المرضى فسألته لماذا كل هذه الفترة أوليس قضى على وجودك أكثر من أسبوعين؟ فرد علي أن وجودي متقطع، فأدخل بالليل ويأتي الطبيب ويقوم بترخيصي من مركز استقبال الممرضات من دون فحصي أو الرجوع إلي، وإذا تكرم بالمرور علي يمنع المغذي عني... فإن كان هذا علاجه كيف بي أن أكون موجودا خارج أسوار هذا «المقصب»؟! أوليست لدي أسرة أرعاها؟ فمن يعوض عني ويعيل أسرتي في غيابي، هل يعتقدون أني أقضي وقتي هنا وكأنني في منتجع؟!
كل تلك المشاهد اعتدت عليها، ولكن ما أثار انتباهي وغضبي ما رأيته من أثر بالغ يبدو كالتقرح في كتف أحد المرضى...
فسألته ما سبب هذا التقرح؟ (لما للتقرحات والالتهابات من خطورة على مرضى «السكلر») فرد علي بأنه كان في قسم الحوادث والطوارئ إثر نوبة «سكلر» ألمت به، فقام الطبيب المناوب على الغرفة التي كان مدرجا بها بكتابة المغذي والأدوية المسكنة للألم، ولكن تم منع الأدوية المسكنة عنه من قبل الطبيب المسئول المناوب، وذلك لأن المريض كان موجودا في اليوم الذي سبقه في الطوارئ للعلاج، وكان الطبيب المناوب على الغرفة يرى الألم يعتصر المريض فقال له «ما باليد حيلة» وبعد مناورات ومشاورات تفضل الطبيب المسئول المناوب بحضوره السمح وأول كلمة قالها للمريض: «ليه إنت عاوز مورفين!» وكأن المريض من طلبها أو وصفها! فرد عليه المريض «أنا لم أطلب شيئا!، فالطبيب هو المختص وهو من يحدد العلاج المناسب» فرد عليه الطبيب: «ليه ما تأخذ Tramadol؟» فرد عليه المريض بـ «انني أعاني من حساسية ولدي ما يثبت ذلك» وأظهر له الورقة التي تثبت صحة كلامه وهي مرخصة من قبل قسم أمراض الدم، فرد عليه الطبيب المسئول: «انت ما عندك حساسية!» فرد عليه المريض: «اجري لي فحصا إن شئت!»
فرد الطبيب: «نحن لا نعمل فحص حساسية وراح نعطيك إبرة IM» ومن شدة الآلام اخذها المريض ليثبت للطبيب بأنه لا يدعي... فلماذا يدعي المرض والألم؟
فأعطيت له جرعة الـ Tramadol التي هو يعاني من حساسية منها في الأساس، ولديه ما يثبت حساسيته من ورقة تشير إلى ذلك، وبعد دقائق معدودة ظهرت قرحة موضع تلقي الحقنة! وهنا اتساءل: من المسئول عن الضرر الذي حصل للمريض هذا؟
ولأتوسع بكم وأضعكم في الصورة هل الطبيب المناوب المسئول هو الجاني أم الطبيب الذي قام بإعطاء ورقة للمريض تشير إلى أنه يعاني من حساسية من هذا العقار، التي كتب فيها «Patient claimed he has allergy» أي أن المريض يدعي بأنه يعاني حساسية من هذا العقار (باللغة العربية الفصحى)!
هل هو هروب من الواقع أو ليتخلص الطبيب من المسئولية فيقوم بكتابة مثل هذه الورقة، وكيف يسمح للطبيب بأن يعطي ورقة تقول إن هذا المريض يعاني من حساسية من دون فحص، فلو تم الفحص للتأكد من وجود الحساسية لما كتب في أوراق بعض المرضى: «Patient he said» أو «Patient he claimed»...
إننا لا نضع اللوم كله على الأطباء، فالعتب يقع على بعض المرضى الذي يدعون وجود حساسية عندهم من بعض الأدوية للحصول على أدوية أخرى في المقابل، ولكن للأسف من يشاركونهم الجريمة هم بعض الأطباء الذين طغت على نفوسهم المادة فيكتبون لمرضاهم ما يشاءون إن تمت معالجتهم في العيادات الخاصة، وكل ذلك على حساب المواطنين الذين أجبرتهم الدنيا على العلاج بين أروقة مجمع السلمانية الطبي.
حميد المرهون
أمين سر جمعية البحرين لرعاية مرضى السكلر
العدد 2199 - الجمعة 12 سبتمبر 2008م الموافق 11 رمضان 1429هـ