العدد 2199 - الجمعة 12 سبتمبر 2008م الموافق 11 رمضان 1429هـ

التدريب أثناء الخدمة... مكافأة أو عقاب؟

في الوقت الذي يطالب الموظف المجتهد بفرصة تدريبية لتنمية قدراته، تؤهله لوظيفة أعلى، يراها البعض أنها فرصة للترويح عن النفس من ضغوط العمل، كما يراها آخرون بأنها ممارسة سلطة الرئيس في عقابهم...

كثيرون هم الموظفون الذين يبحثون عن فرصة تؤهلهم لوظيفة أعلى، تتحسن معها رواتبهم، وتعزز بها مكانتهم الاجتماعية، وهي حق مشروع للجميع للتنافس الشريف، وهذه الفئة من السهل التعرف عليها من إخلاصها في عملها، وحرصها على إتقانه دائما، كما تجدهم في الصف الأول في المشروعات التطويرية والبرامج، وخصوصا تلك التي تلامس ميولهم و احتياجاتهم، ولا يترددون أبدا في المبادرة بمقترحاتهم ...إن ملاحظة أعمال هذه الفئة كفيل بأن يرسم صورة واضحة عن مدى استحقاقهم فرصة التدريب، وحسبهم عملهم شفيعا لترشيحهم.

إن سمات الشخصية المخلصة يسيل لها لعاب المسئولين في أي مؤسسة، كيف لا ومعها تحقق أهدافها بكل تميز؟ فعلى قول أحد كبار الناجحين في الارتقاء بشركته: «أكثر الناس ذكاء في العالم هم الذين يوظفون أكثر الناس ذكاء في العالم»...

لكن المحزن في الأمر أن غالبية أفراد هذه المجموعة يتنفسون اليأس، و يتذوقون الإحباط وتقفل أبواب الترقي أمام طموحهم، فتضيع قدراتهم ومهاراتهم، ويضيع معهم مستقبلا أفضل للمؤسسة بوجودهم في مواقع أكثر تقدما...

من يميل إلى هذا الرأي يرى أن المسئول المباشر عن تأخر نموه المهني مرجعه رئيسه، إذ يعد هذا الأخير أقل طموحا من الموظف نفسه من جانب، و لا يمتلك القدرة على الابتكار و تحفيز موظفيه؛ للارتقاء بأدائهم من جانب آخر. ربما لأنه يعجز عن تشخيص الاحتياجات التدريبية للموظفين، أو أنه غير قادر على قراءة خريطة القوى البشرية التي تعمل معه... بالإضافة إلى الكثير من الأنظمة البيروقراطية التي تحول دون وصول الشخص المناسب إلى الدورة التدريبية المناسبة...

حلقة ضعف أخرى نضيفها، إن عمليات قياس أثر التدريب غير مفعلة في معظم المناسبات، إما لقلة المدربين المشرفين على المتابعة و التقويم وانشغالهم بمواصلة تقديم الدورات، وما أكثرها؟ أو لكثرة عدد المتدربين في العام الواحد، أو لفقدان الثقة بين جهة التدريب ومركز التطبيق الذي من الممكن أن يقوم بعملية المتابعة والتقويم... أو للتداخل الواضح بين (برامج التنمية المهنية) و(برامج التدريب في أثناء الخدمة) حتى أظن أن القائمين عليهما لا يفرقون بينهما ؟

ومن هنا تأتي الحاجة إلى ابتكار وسائل عملية في متابعة أثر التدريب، ولا يقف الأمر عند هذا وحسب، بل على المسئولين عن عملية التدريب أن يفكروا في تقديم باقة من الحوافز المشجعة على توظيف (المكتسبات التدريبية) في إطار العمل.

و إذا تركنا هذه المجموعة من الموظفين، وانتقلنا إلى مجموعة ثانية، لا حظنا أنها ترى في البرامج التدريبية فرصة للترويح عن النفس، والهروب من ضغوطات العمل اليومية، ربما يكون رأي هؤلاء ليس خطأ وخصوصا عندما يكتشفون أن البرنامج التدريبي أضعف من مستواهم، و أقل من طموحاتهم، ما يبعث الشعور بعدم جدوى البرنامج التدريبي على حياتهم العملية، وعدم اقتناعهم بأهميته في الوقت الحالي ...لأسباب قد تتعلق بالزمان أو المكان ، أو المحتوى العلمي... فكثيرا ما لاحظنا تكرارا في طرح المادة العلمية في عدد من البرامج التدريبية.

ومرجع هذا الشعور أيضا قد يكون عدم استيعاب المدرب لعمليات التدريب، فيمارس أدوارا لا تمت إلى التدريب بصلة، فضلا عن عدم احترام عقلية المتدرب، فيمارس معهم أدوارا سلطوية فوقية، لا ينبغي أن تكون في الحقل التعليمي والتدريبي خصوصا، و التربوي عموما.

هذه المجموعة ترى فيها صنفين من المتدربين، الصنف الأول متدربون قد لا يبدون تذمرهم، واستياءهم، و إذا ما ظهر منهم شيء من هذا القبيل تراهم لا يصرون عليه ؛ لأن أكبر همهم أن يقضوا أوقاتا خارج إطار العمل اليومي، فهذه الفرصة تعد (مكافأة ) بالنسبة لهم، وخصوصا عندما تلتصق وسائل تدريبية متنوعة بالبرنامج التدريبي...

أما الصنف الثاني: يرى في الحضور إلى البرنامج التدريبي مضيعة لوقته، ويتحسر على كل دقيقة يقضيها بعيدا عن خدمة مؤسسته، وتراه في صراع بين قناعاته الشخصية مع ما يقدم له في البرنامج التدريبي، فيكثر من المداخلات والتصحيحات، و الاعتراضات...

المجموعة الثالثة من الموظفين هي (المغضوب عليهم ) كما يعلق أحد أفرادها... فالبرنامج التدريبي بالنسبة لها لا يعد فرصة للتطوير، بل تهديد يمارسه المسئول كأداة من أدوات العقاب وعلى أثره يقيم المتدرب، و يحصل معه على رضا المسئول، وقد يحدد مصير الموظف في الترقي أو نيل الحوافز و المكافآت...

ومنشأ هذا التوجه مرة يكون الموظف نفسه، لإظهاره قدرا أقل من المهارات المطلوبة في أداء العمل، أو ممارسة سلوكيات مهنية غير صحية، كالالتزام بأوقات الدوام الرسمي، أو أداء الأعمال الكتابية بدقة كافية ، فيمنح فرصة للتدريب للارتقاء بمستواه... لهذا يرى المسئول أنها فرصة لا ينبغي له أن يتركها الموظف تضيع من بين يديه، إلا أن الموظف يرى عكس ذلك فالبرنامج التدريبي بالنسبة له نوع من أنواع العقاب.

ومرة يكون المسئول هو صاحب هذا التوجه، لأنه يرى في إبعاده عن العمل لفترة قد تكون لصالح الجميع ورسالة صريحة «بأن عملك في المؤسسة غير مقنع ، فإما أن تستفد من هذه الفرصة أو... «كما يكون نتيجة البرنامج ورقة رابحة للمسئول في اتخاذ قرار صعب تجاه هذا الموظف...

وفي ظل وجهات النظر الثلاثة السابقة، يظل التدريب من الأمور الأكثر تشابكا في عمليات الارتقاء بمستوى أداء الفرد، و تبقى الحاجة إليه ماسة لا غنى عنها، لتنمية القدرات والاستفادة منها في الرقي بالعمل، عندها فقط سيواجه المسئولون تحديات الفرص الضائعة عند التخطيط وتنفيذ البرامج التدريبية، فلا تكون بعدها فرص للترويح عن النفس أو إهدار لوقت العمل، وطاقات الموظفين.

زكريا إبراهيم عيسى

العدد 2199 - الجمعة 12 سبتمبر 2008م الموافق 11 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً