العدد 1607 - الإثنين 29 يناير 2007م الموافق 10 محرم 1428هـ

حسينية الحاجية التي وصلت شرق القرية وغربها

مأتم الحاج سلمان في الدير...

تتميز قرية الدير بوجود حيين أحدهما يعرف بالحي الشرقي، والآخر بالغربي، ولكل منهما مميزاته الخاصة وعوائله. قبل قرنين من الزمان كان يفصل بينهما بر شاسع، وكان الانتقال يتمثل في الهجرة. زينب بنت الحاج عيسى بن عبدالله إحدى بنات بيت بن مطر، كبرى عوائل الحي الشرقي، تزوّجت في نهاية القرن التاسع عشر من حسن بن عباس بن سلمان بن آل عباس كبرى عوائل الحي الغربي، قرّرت زينب بعد زواجها بفترة أن تصل بين الحيين عن طريق إقامة مأتم تحيي فيه المجلس الصباحي في الحي الشرقي لدى أهلها، وفي المساء تحيي مجلسا آخر في بيت أهل زوجها بالحي الغربي، رغبة في خلق التواصل بين الطرفين، وكان لها ما أرادت.

ومنذ العام 1906 حتى يومنا هذا، تعبر منتسبات مأتمها في عشرة محرم طرقات الدير في اليوم أربع مرات شرقا وغربا لإقامة مجلسين في الشرق ومجلسين في الغرب تنفيذا لوصيتها، في حركة فريدة من نوعها لم يسجل مثلها في تاريخ قرية الدير.

التأسيس النسائي

أسسته المرحومة الحاجة زينب بنت عيسى بن عبد الله بن مطر في مطلع القرن العشرين، وعرف بمأتم الحاجية لأنها ثاني امرأة تؤدي مناسك الحج من القرية، إذ كان يتعذّر على النساء التوجه لأداء الفريضة بسبب استغراق الرحلة ما يقرب من التسعة أشهر. وقد توفيت والدتها ودفنت في المدينة المنورة قبل أن تكمل حجتها، إذ فارقت الحياة أثناء نحيبها في دار الأحزان للسيدة فاطمة الزهراء (ع) بالمدينة.

يعتبر المأتم الذي أسسته الحاجية زينب المأتم النسائي الأول، وقيل الثاني بعد مأتم السادة الذي يعرف بمأتم حلوم، ويقرأ فيه على ضوء الشموع حيث لا توجد كهرباء.

والحاجة زينب لم تكن تملك مأتما عند بداية زواجها، إذ كان يسكن زوجها مع أولاد عمومته آل عباس في الحي الغربي، بجوار المسجد الغربي، حيث توجد قطعة أرض وقف لمأتم الحاجية. وبعد انتقال الحاج حسن للحي الشرقي، بنى لزوجته المأتم الذي لايزال قائما إلى يومنا وقد أعيد بناؤه للمرة الثالثة. وساندت الحاجية في إقامة المأتم أختها التي تسكن بجوارها، المرحومة آمنة بنت عيسى زوجة المرحوم الحاج حسين بن مبارك. كما شاركتها إحياء مأتم أبي عبدالله الحسين (ع) جماعة من النساء المتعلمات من أهل القرية.

نظام المأتم وأنشطته ورواياته

ويذكر أن الحاجية من الموالين المحبين لأهل البيت (ع)، وقد زارت مراقدهم الشريفة في العراق والشام وإيران ما يقرب من اثنتي عشرة مرة، واستمرت في إدارة المأتم حتى وفاتها منتصف القرن الماضي. ولم يثنها فقدانها البصر في أواخر أيامها من القراءة الحسينية اعتمادا على ما حفظته في السنوات السابقة.

كان المأتم ولايزال يفتح طيلة أيام السنة، ففي الصباح كانت الحاجية تقيم فيه حلقات لتدريس الأولاد والبنات القرآن الكريم، أما القراءة الحسينية فتقام عادة عند الضحى والعصر من كل يوم، إذ يقرأ الحديث في كتاب تاريخي لـ «الفخري» ويشار إليه عند المجتمع النسائي بـ «النسخة»، ويوجد في المأتم الكتاب الذي تقرأ فيه الحاجية وهو كتاب مخطوط يختلف عن الكتاب الحالي بخلوه من القصائد الشعرية التي يعتقد أنها أضيفت إليه فيما بعد، وقد استعانت الحاجية بكتاب يحتوي على قصائد لقراءة ما يعرف بـ «القصيد»، وكان رجل من سماهيج قد خطه لها. وأما بقية الأنشطة المناطة بالمأتم والتي تقيمها الحاجية باستمرار فهي إحياء ذكرى مولد ووفاة النبي (ص)، والسيدة الزهراء (ع)، والأئمة المعصومين (ع)، و إحياء ذكرى استشهاد أنصار الإمام الحسين (ع) وأهل بيته، و إحياء ذكرى وفاة الأنبياء كالنبي يحيى والسيدة مريم بنت عمران، و إحياء الشعائر الإسلامية كصلاة العيدين، عيد الغدير، ليالي البيض من شهري رجب وشعبان، قراءة أدعية شهر رمضان في ظهيرة كل يوم. (ومن الغريب كما نقل عنها أنها لا تقيم إحياء لليالي القدر في المأتم)، و قراءة الروايات التاريخية التي تدور في غالببتها حول مصيبة الإمام الحسين، وثواب إحياء المآتم.

ومن الملاحظ أن لدى المأتم الكثير من الروايات التاريخية ولها أوقات معينة. ومن أبرز الروايات رواية الصك، رواية الشهادة، رواية «العلوية» التي حدثت أيام المتوكل العباسي، رواية «الناقة» التى عاشت مع الإمام زين العابدين (ع) ولم يزجرها ولم يرفع عليها سوطا، ولما سمعت باستشهاده (ع) هرولت إلى قبره فعلا نهيقها حزنا حتى ماتت. وهناك الكثير من الروايات الموجودة على رفوف المأتم والتي خصصت لها أيام من كل عام لقراءتها.

مرور موكب عزاء الرجال في المأتم

كان موكب عزاء الرجال بالقرية قديما ينتهي عند مأتم الحاجية، حيث تنصب رايات حمراء وخضراء لأنصار الإمام الحسين (ع) وأهل بيته، وفي كل ليلة يمر فيها الموكب يقوم الرجال بدفن راية من هذه الرايات في فناء المأتم وتسمى باسم صاحبها. وقد عرف المأتم فيما بعد باسم ابنها الحاج سلمان بن حسن المعروف «أبولحية»، لكونه أول رجل أطلق لحيته في القرية نظرا إلى تدينه. وقد تعلم على يد والدته، ثم بدأ بقراءة المراجع الدينية. ثم أصبح مرجعا لقراءة وتفسير الرسائل العلمية للفقهاء الشيخ حسين العصفور، والشيخ عبدالله الستري، والشيخ يوسف الأعصم، كما أنه أخذ الإجازة من علماء البحرين بإمامة الصلاة والوكالة في عقود الزواج. ولايزال المأتم يفتح أبوابه للجميع تديره في عقد المجلس الحسيني ابنة أخ الحاجية عميدة عائلة بن مطر الحاجة تقية بنت عبدالله بن عيسى بن مطر، وتساندها في إدارة المأتم حفيدة الحاجية الحاجة أم حسن بنت الحاج عيسى بن آل عباس.

العدد 1607 - الإثنين 29 يناير 2007م الموافق 10 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً