من الملاحظ في مجتمعنا العربي والإسلامي غياب الرؤية الاستراتيجية لتجسيد التاريخ الماضي عبر الشاشة السينمائية، وذلك خلاف للقصص التاريخية والحكايات الشعبية، في الوقت الذي تقدمت فيها وسائل التكنولوجيا كمرحلة متقدمة لصناعة الصوت والصورة فنيا وتقنيا، الأمر الذي يجعلنا كعرب ومسلمين نتساءل عن سبب إخفاقنا في إبراز الصورة الحضارية لديننا الإسلامي، واستعراض أهم مراحل التاريخ وشخصياته العظيمة لهذا الجيل والجيل القادم.
نناقش في هذا التحقيق فكرة تقديم تجربة النهضة الحسينية بأبعادها المأسوية والإنسانية عبر شاشة السينما العالمية، ومحاولة التعرف على إمكان تقديم نص إسلامي برؤية مناسبة، واستعراض أهم المعوّقات أمام هذه التجربة من خلال اللقاء مع أصحاب الشأن.
السينما العربية عاجزة
المخرج والمصوّر عبدالله يوسف يطرح رؤيته بالقول: «لم تتمكن التجربة السينمائية العربية بكل ما قدّمته في تاريخها من تحقيق وتكريس الجدارة الصناعية المأمولة والجودة التقنية الباهرة في فن السينما، بحيث تكون مؤهلة لإنتاج فيلم مرموق عن قضية الإمام الحسين (ع)، بينما السينما العالمية المتقدمة، تستحوذ على كل جدارة إنجاز ذلك بحرفية منقطعة النظير ومستويات بالغة الإتقان والتفوق. ولعل معوقات تحقيق ذلك - في نظري - لا تكمن في وجود المقدرة من عدمها، بل في مدى درجة الاقتناع السينمائي العربي أو العالمي، بوجاهة تلك القضية وأهميتها التاريخية، وبأهدافها الثورية وأبعادها الاستشهادية ونتائجها، وما أفرزته في التاريخ اللاحق المستمر حتى اليوم من تداعيات أدت إلى نشوء فريقين - أرادت لهما القوى المتفننة في ابتكار المكائد وتأليف المؤامرات وصياغة الضغائن - أن يكونا متضادين ضمن نسيج قطيفة إسلامية واحدة، باتت هدفا للاختراق والتمزيق كل يوم!
أين الأمة الحضارية؟
ويضيف يوسف «إذا كان الهدف من إنجاز الفيلم إعادة الحادثة الكربلائية من دون محاولة إسقاط الماضي ودحر الحاضر وابتكار المستقبل، فإن نتيجة ذلك ستكون في تقديري بمثابة إضرام نار في الهشيم، وتلك هي معضلة كل المعوقات التي تجعل عدم بزوغ بادرة تفكير في إنتاج ذلك الفيلم تذهب أدراج رياحها. لأن الفيلم السينمائي الحقيقي، غالبا ما ينطوي على رسالة إلى الأمة التي أُنتج من أجلها، لكن في مثل حالنا أين هي الأمة الحضارية الواعية القادرة أو المؤهلة فكريا لقراءة الرسالة، وهي متجردة كل التجرد من أدران الأورام الطائفية»؟
أهمية وجود العقلاء
وبخصوص توافر نصوص أدبية تاريخية لتقديم الفيلم يجيب يوسف قائلا: «حتى إن توافرت نصوص متفق عليها أدبيا وتاريخيا تتناول مأساة كربلاء بصورة ترضي جميع الطوائف الإسلامية، واعتمدت لإنجاز مثل ذلك الفيلم، كيف يمكن ضمان توافر عدد وافر جدا جدا من العقلاء المتفكرين في الفريقين المتضادين يقبلون التعاطي والتوافق والتعاضد والاختلاف الحضاري المبدع مع كل مخرجات فيلم سينمائي جريء يرصد في مشاهده المتعددة ما سبق قضية كربلاء، ثم الواقعة ذاتها، وبعدها النتائج التي انتهت إليها وصولا إلى الأوضاع والأحوال التاريخية المستجدة التي بدأت منها، في يوم غابر من تاريخ العرب والمسلمين، ولم تنتهِ بعدها إلى يومنا هذا».
ويختم يوسف قوله بأن «حادثة كربلاء باتت منذ بدأت، قضية تاريخية مفصلية في تاريخ هذه الأمة، ووفق ما انتهت إليه من نتائج، شكلت النسيج العربي والإسلامي في مدى أربعة عشر قرنا، والطموح في استثمارها مادة لأخطر وأهم الفنون الحضارية الإنسانية المتمثلة في الفن السينمائي، لهو طموح بالغ الإثارة، ولتحقيقه وفق بلاغة موضوعية رصينة لا بد -في رأيي- من تطهير العقول والنفوس من الأفيون الطائفي المقيت. وحتى يتيسر لنا تحقيق ذلك، يصبح بمقدورنا مخاطبة الفن السينمائي العربي أو العالمي لإنجاز الفيلم/ القضية»!
ضرورة اتفاق الطوائف والمؤرخين
يطرح الناقد والكاتب المسرحي حبيب حيدر رأيه بقوله: «لم أتتبع بشكل دقيق حضور قضية الإمام الحسين (ع) في الساحة السينمائية، ولكن هناك بعض الأعمال التي جسدت القضية بشكل مباشر أو غير مباشر مثلا كفيلم تسجيلي أو توثيقي أو كفيلم يستلهم الظاهرة بشكل إبداعي، وتحضرني هنا بعض التجارب كالأفلام الإيرانية التي شاعت في الفترة الأخيرة. وأهم المعوقات برأيي تتمثل في تخوف البعض من المساس بالحال المقدسة لبعض الشخصيات كالنبي (ص) والأئمة (ع)، وأيضا العائق المالي، والخوف من الدخول في التفاصيل التاريخية لفترة من الفترات الحاسمة التي بطبيعتها تفجر الكثير من القضايا».
اختلاف قراءة التاريخ
وبخصوص إمكان وجود نصوص إسلامية متفق عليها أدبيا وتاريخيا لتقديم مأساة كربلاء بصورة ترضي جميع الطوائف الإسلامية يجيب حيدر: «هذا السؤال يفترض حالا مثالية نأمل الوصول إليها، بينما دونها الكثير من التفاصيل التاريخية التي يعتمدها أهل الطوائف والمؤرخون على اختلاف مشاربهم. وإن كنت لا أبحث أبدا عن نص واحد للحادثة، فلكل حدث تاريخي الزاوية التي يمكن للمؤرخ أن يرصدها برؤية خاصة. كما أنه لكل مخرج عدسته يسلطها على الحدث الذي يريد تقديمه وصوغ رؤيته من خلاله، فاختلاف الرؤى في الحوادث التاريخية كفيل بتوليد أفلام ونصوص متعددة للحدث الواحد».
ويختم حيدر قوله بخصوص التعاون مع الدول أو الشركات الأجنبية لصناعة فيلم إسلامي قائلا: «ليس هذا صعبا إذا توافرت إرادة قوية بهذا الاتجاه، فستتيح السينما العالمية لنا نقل صورة من صور كربلاء، بحيث يستلهم الناس من خلالها أداة عالمية حديثة قادرة على التواصل فيما بينهم وإيصال رؤية واضحة بخصوص واقعة كربلاء». ويضيف «توجد مشروعات صغيرة ينبغي نقدها وتشجيعها حتى تستطيع أن تثبّت أقدامها، وتمتلك أدوات الفعل الفني والإبداعي لترتقي في مجال تقديم الصورة الفنية والإبداعية لشخصية الإمام الحسين (ع)».
كربلاء في السينما
الباحث الإعلامي جعفر حمزة يقول بشأن بروز قضية كربلاء في السينما: «قضية الإمام الحسين (ع) من أهم المواضيع التي يمكن طرحها في السينما العربية والإسلامية. وهناك بعض التجارب لدى بعض المخرجين المصريين، فضلا عن استعداد المخرج العراقي قاسم حوَل الذي لم تسعفه المادة والدعم لعمل ذلك الفيلم، إذ كان من المقرر إخراجه في العراق وخصوصا في كربلاء. وأما التجربة الإيرانية فقضية الحسين (ع) توقفت عند تجربة فيلم (الواقعة) بصورة مباشرة، وفيلم عبدالله الأنصاري بصورة غير مباشرة. وعموما فإن الإمكانات الإيرانية لإخراج فيلم عن الإمام الحسين ممكنة وقوية».
ويعتقد حمزة بأن أبرز المعوقات التي تمنع ظهور الفيلم الحسيني تتمثل في عدم تركيز الجهود على الرؤية التاريخية والإخراجية الكفيلة بإخراج الفيلم بطريقة توصل الرسالة بصورة إبداعية ومؤثرة، فإذا كانت قصة كربلاء تثير الشجن عند قراءتها فما عساك تتخيل عند مشاهدتها. إضافة إلى نقص الدعم المالي، ففكرة دعم الأفلام الرسالية لم تترسخ بعد، وهذا يستدعي توجها مدروسا من أصحاب الخطاب الديني الملتزم، وتقديم دراسات اجتماعية واقتصادية متخصصة.
ويرى حمزة أن تجربة فيلم «الرسالة» للمخرج الراحل مصطفى العقاد، أثبتت قدرة الوصول إلى مساحة مشتركة يمكن من خلالها الانطلاق لإنتاج فيلم تاريخي يتفق على مصادره ورؤيته التوثيقية علماء الفريقين، ولن يكون ذلك مانعا عن الدخول في مشروعٍ مشترك.
موقف التجار والحوزات الدينية!
أما بخصوص الموقف المطلوب من التجار أو الحوزات الدينية فيشير حمزة إلى أن المطلوب توضيح الجدوى الاقتصادية للتجار في حال تبني المشروع، وتبيان الأهمية الدينية كمصداق لدعم القضية الحسينية وإحياء الشعائر. أما بالنسبة الى الحوزات الدينية، فالمطلوب البحث من النواحي الشرعية عن الأمور المتعلقة بشئون السينما والفن، وإقامة ندوات مفتوحة لمناقشتها وإقامة ندوات متخصصة تجمع بين التجار وعلماء الدين والمختصين.
بين إيران... وهوليوود
ويؤكد حمزة أن إيران قطعت في المجال السينمائي، والأفلام الدينية خصوصا، مسافة مميزة على المستويين الإقليمي والعالمي، ويعتقد أن التفكير في القيام بفيلم أو مسلسل عن الإمام الحسين ينبغي الاستعانة أيضا بالسوريين، لوجود الخبرة الكافية في مثل هذه الأعمال التاريخية، فضلا عن لغتهم العربية المميزة التي ستعطي رصيدا للفيلم عوضا عن دبلجته للعربية.
عدم تفاعل الطائفة الشيعية
أما المخرج الشاب جابر حسن فيتحدث عن أهم معوقات فكرة صناعة فيلم عن كربلاء، تتمثل في «عدم وجود تفاعل أو تحمس لطرح القضية الحسينية عبر السينما من قبل أهل الطائفة الشيعية، لعدم وجود القناعة بأهمية السينما في طرح القضية الحسينية. بالإضافة إلى عدم تفاعل السينما العالمية والمهتمين بها بالقضايا الدينية، مع تزايد الشعور بالنقص والتحجيم عند المسلمين في الجانب الفني والسينما بالذات، ووجود كثير من المحظورات المبالغ فيها والتي تمنع من طرح القضية على السينما».
ويضيف «يمكن إيجاد نصوص متفق عليها بعد جمع المصادر الموثقة والمتفق على صدقيتها، ومحاولة البعد عن التعرض للمسائل التي تثير الحساسيات الطائفية ومحاولة سد الثغرات التي يمكن أن يستغلها العدو في الخدش أو التعرض للقضية الحسينية».
وعن كيفية خلق كوادر فنية مؤهلة للعب أدوار في الفيلم الإسلامي يقول حسن: «يمكن خلق تلك الكوادر بالتدريب وزرع الثقة وخلق روح التنافس وتأهيل طاقم العمل السينمائي المشارك في القضايا الدينية والقضية الحسينية خصوصا».
وبشأن مسألة التعاون مع دول أو شركات أجنبية يقول حسن: «يمكن التعاون في تأهيل الكوادر والاستفادة من الإمكانات الفنية الراقية، وهي غير متوافرة في الدول العربية أو الإسلامية، فقضية الحسين يجب إبرازها بقوة حتى لو لجأنا الى الأجنبي، ولكن بحيث لا يترك الأجنبي بصمته على العمل ويكون النتاج من صنع اليد المسلمة الملتزمة».
العدد 1607 - الإثنين 29 يناير 2007م الموافق 10 محرم 1428هـ