تمر الأيام والسنون وتتجدد ذكرى الحسين (ع) لتنحت في زمن الخوف والتردي أجمل صورة على مدى العصور. تمر الذكرى وما شاخت وما بليت كما هو الحال مع كل ما هو قديم، بل ازدانت واكتست جمالا وروعة.
تمر الذكرى حاملة معها لون الدم، الدم الذي أريق ليروي أرضا عطشى منع عنها ماء الحرية والتضحية وبقيت تترقب ذلك اليوم الذي تروى فيه. تمر الذكرى حاملة معها عبق الشهادة، ذلك الأريج الذي فاح لتتنفسه رئةٌ لطالما اختنقت بروائح الجيف المتعفنة في زمنٍ أصبح الظلام سيدا للضوء، والحب أسيرا للكراهية العمياء.
تمر ذكرى سيد الشهداء (ع) فنتذكر أسمى معاني الوفاء والتضحية من الحسين وأخيه وأبنائه وأصحابه (ع). نتذكر كيف وقف الحسين باكيا في ظهيرة يوم العاشر، فسئل: مم بكاؤك يا أبا عبدالله؟ فأجاب: «أبكي على هؤلاء القوم لأنهم سيدخلون النار بسببي». انظروا إليه كم ارتقى لأسمى معاني الحب؟ فمن يبكي على قاتله؟! عجيبٌ أمر هذه الشخصية الفذّة، ولكن... مم العجب؟ فهو سليل بيت النبوة ولا ضير في ذلك.
نتذكر العباس (ع) وكيف رمى الماء من كفيه عندما سنحت له الفرصة ليشرب وقد كاد عطشه يفت قلبه الجريح. رمى الماء ليواسي أخاه الحسين وعائلته، وأكثر من هذا رماه ليرقى بروحه إلى عالمٍ مليء بالإخلاص والوفاء، والحب والعطاء. رمى الماء ليعذّب النفس من أجل رضا الله وما أحلاه من معنى.
نتذكر الأكبر والقاسم كيف قدّما روحيهما من أجل بقاء دين جدهما محمد (ص) ومن أجل إعلاء راية الإسلام المحمدية النشأة والعلوية البقاء. نتذكر أصحاب الحسين (ع) من مسلم وحبيب وبرير وزهير وغيرهم ممن خضبوا لحاهم بدماء الشهادة الزكية.
نتذكر زينب (ع)، وكيف وقفت تلك الوقفة عندما سقط أخوها مضرّجا بدمائه، قائلة: «اللهم تقبل منا هذا القربان»، غير آبهة بسيوف آل أمية، رافعة هامتها للسماء تناجي الله وقلبها مطمئن بالإيمان.
تمر الذكرى، ذكرى ذلك اليوم الذي أمطرت السماء فيه دما ولم يرفع حجر في ذلك اليوم إلاّ رأوا تحته دما. في ذلك اليوم الذي أمطرت السماء فيه دما لم تك هناك من وسائل إعلام لتنقل ما حصل، ولكن يأبى الله إلاّ أن يتم نوره ولو كره الكافرون. فكتب التاريخ الإسلامي ذكرت أخبار هذه الحادثة المفجعة فيقرأها الناس وربما تمر عليهم مرور الكرام. هذا لأنهم يقرأونها من كتب كتبها مسلمون، إذ ربما أخذتهم العاطفة في حين ليبالغوا، والحماسة في حين آخر ليتجاوزوا حد المعقول.
لم يكن المسلمون وحدهم من كتبوا عن هذه الحادثة، بل ورد ذكر هذه الحادثة في أحد أمهات الكتب البريطانية ويدعى (ذي أنكلو ساكسون كرونكل) (The Anglo-Saxon Cronicle) وهو كتاب كتبه مؤلفه العام 1954 ويحوي الحوادث التاريخية التي مرت بها الأمة البريطانية منذ عهد المسيح (ع)، فيذكر لكل سنة حوادثها حتى يصل سنة 685 ميلادية، وهي السنة التي تعادل سنة 61 هجرية، سنة استشهاد الإمام الحسين (ع)، فيذكر أن السماء أمطرت دما، وأن ألبانهم وأزبادهم تحوّلت إلى دم. كل هذا ورد في كتاب مؤلفه ليس له أدنى صلة بدين من قتل في كربلاء مما لا يدع شكا أن الله يتم نوره ولو كره الكافرون. ولإتمام الفائدة أوردنا صورة من الصفحة التي ذكر فيها المؤلف أن السماء أمطرت دما.
ستظل يا أبا عبدالله منارا يهتدى بك على مر العصور، وستظل مثالا للتضحية في كل حدب وصوب، على رغم ما يقوم به الجهال من حملات لتشويه أهدافك السامية التي جسدتها يوم العاشر وبقيت شعاعا على مر العصور.
العدد 1607 - الإثنين 29 يناير 2007م الموافق 10 محرم 1428هـ