يرى الأديب والمفكر عباس محمود العقاد في كتابه «أبو الشهداء الحسين بن علي» أن النزاع بين الطالبيين والأمويين من أوضح النماذج للصدام والنزاع بين الأريحية والمنفعة الذي يظهر جليا في عصر الإمام الحسين بن علي (ع) ويزيد بن معاوية، ويشير إلى ذلك بقوله: «ما من أحد يزعم قط أن الصراع هنا كان صراعا بين رجلين أو عقلين إنما صراعا بين الإمامة والملك الدنيوي أو بين الأريحية والمنفعة في جولتهما الأولى».
ويوضح العقاد «الأريحية: هي التي يتجاوز بها الإنسان منفعته وهي للأمة كلها أو النوع الإنساني كله، بينما المنفعة وجدت لفرد من الأفراد» مؤكدا أن «الأريحية أخلد من المنفعة بسنة من سنن الخلق التي لا تتبدل مع تبدل الأوقات والبيئات، وهي من أكثر أسباب نجاح الحركات التاريخية».
ويعطف مؤلفنا في كتابه إلى المقارنة بين طرفي واقعة كربلاء في مختلف المواضع فهي «حرب بين جلادين وشهداء» ويقصد بهما معسكر يزيد ومعسكر الإمام الحسين (ع)، ويضيف «كان ليزيد أعوان إذا بلغ أحدهم حده في معونته فهو جلاد مبذول السيف والسوط في سبيل المال، وكان للحسين أعوان إذا بلغ أحدهم حده في معونته فهو شهيد يبذل الدنيا كلها في سبيل الروح»، بهذه الكلمات القصار يعبِّر العقاد عن البون الشاسع بين أنصار طرفي الواقعة.
وما يثير الانتباه فعلا هو أن هذا التصنيف يتكرر في كل زمن ومكان فهناك من هم على شاكلة يزيد وأتباعه في زمننا اليوم، ومن هم على نهج الإمام (ع) وأصحابه، وها هو أبو الشهداء يفسر ذلك بقوله: «الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درَّت به معائشهم، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون».
ويصف العقاد أخلاق معسكر ابن زياد «نضحت طبائع اللؤم في معسكر ابن زياد بشَرِ ما تنضح به طبيعة لئيمة في البنية الآدمية، فاقترفوا من خسة الأذى ما تنزه عنه الوحوش الضاريات»، ووصف أخلاق أصحاب الإمام الحسين (ع) قائلا: «وحسبك من تقويم الأخلاق في تلك النفوس أنه ما من أحد قتل في كربلاء إلا كان في وسعه أن يتجنب القتل بكلمة أو بخطوة ولكنهم جميعا آثروا الموت عطاشى جياعا مناضلين على أن يقولوا تلك الكلمة أو يخطو تلك الخطوة؛ لأنهم آثروا جمال الأخلاق على متاع الحياة».
ويعرج إلى عاقبة الظلم «لم تنقضِ سنوات أربع على يوم كربلاء حتى كان يزيد قد قضى نحبه، ونجمت بالكوفة جريرة العدل التي حاقت بكل من مد يدا إلى الحسين وذويه، فسلط الله على قاتلي الحسين كفؤا لهم في النقمة والنكال يفل حديدهم بحديده ويكيل لهم بالكيل الذي يعرفونه»، ويضيف «فلم ينجُ قتلة الحسين وأصحابه ولا أحد ممن أحصيت عليهم ضربة أو كلمة أو مدوا أيديهم بالسلب والمهانة للموتى أو الأحياء، وتلاحقت الجرائر حتى قوضت من وطأتها ملك بني أمية».
وعن كربلاء «موطن مشهد الإمام الحسين (ع)» يقول: «هي اليوم حرم يزوره المسلمون للعبرة والذكرى وغير المسلمين للنظر والمشاهدة، ولكنها لو أعطيت حقها من التنويه والتخليد لحق لها أن تصبح مزارا لكل آدمي يعرف لبني نوعه نصيبا من القداسة وحظا من الفضيلة؛ لأننا لا نذكر بقعة من بقاع هذه الأرض يقترن اسمها بجملة من الفضائل والمناقب أسمى وألزم لنوع الإنسان من تلك التي اقترنت باسم كربلاء بعد مصرع الحسين فيها».
ويختم العقاد كتابه بشهادة أخرى للتاريخ «فليس في العالم أسرة أنجبت من الشهداء من أنجبتهم أسرة الحسين عدة وقدرة وذكرة... وحسبه أنه وحده في تاريخ هذه الدنيا الشهيد ابن الشهيد أبو الشهداء في مئات السنين».
العدد 1607 - الإثنين 29 يناير 2007م الموافق 10 محرم 1428هـ