المنامة - حيدر محمد
قلما تجد شخصا تثق فيه الحكومة وتعينه في مناصب شتى، توّجته بشغل منصب أول سفيرٍ للبحرين في مصر والجامعة العربية، وفي الوقت ذاته كان قريبا من النبض الشعبي بدءا من نشاطه المحموم مع هيئة الاتحاد الوطني ونشر أبجديات الحقوق لرواد الأندية الوطنية...
وفي الوجه الآخر من الصورة تكتشف تقي البحارنة الأديب والشاعر والتاجر... يرفض تصنيف نفسه بالموالاة أو المعارضة، وكتب تجربة سياسية فريدة كانت بداياتها الأولى من هيئة الاتحاد مرورا بتأسيس الأندية ورئاسة نادي العروبة الذي كان يمثل حينها ملتقى للشباب المتحمسين للعمل الوطني والقومي، يعتبر نفسه إسلاميا غير متحزب وقوميا لا بعثيا.
ظروف الأدب والسياسة والتجارة انصهرت مع بعضها لتخرج بوتقة تعكس عجينا مشكلا، ويكشف تقي البحارنة - في الحلقة الثانية - من حديث الذكريات مع «الوسط» لأول مرةٍ قصة تأسيس أول شركة تأمين وأول مؤسسة للنقل العام وأول اتحاد عمالي وأول سفير في القاهرة وأول مجلس شورى معين وأول لجنة وضعت ميثاق العمل الوطني للبحرين الدستورية... فماذا يقول البحارنة؟
ربما بدأت نشاطك السياسي مع هيئة الاتحاد الو طني؟ وكان لهذه التجربة خصوصيتها في تاريخ البحرين المعاصر، فما الذي تحتفظ به ذاكرتك عن ذلك المقطع الزمني المهم؟
- سعيت مع الهيئة منذ أن قامت، وكنت واحدا من ثمانية مستشارين اختارتهم الهيئة، وشاركت في الخطابة في المآتم والمساجد وإلقاء الشعر، وتنوير الجماهير بحقوق الشعب سواء من منظور إسلامي أو سياسي أو ديمقراطي أو حقوق الإنسان، وقد خصصت لدراسة حقوق الإنسان اجتماعا جماهيريا حاشدا في العام 1955، وكان من أكبر الاجتماعات حينها، وعقد في المصلى العام قرب المستشفى الأميركي بالمنامة، وكانت عبارة عن (حوطة) كبيرة تابعة لجامع العوضي، فشرحت الإعلان الدولي لحقوق الإنسان وحقوق العمال، وكنت مستشارا وراجعت بعض بيانات الهيئة وكنت على اتصال شبه يومي بالأمين العام للهيئة التنفيذية عبدالرحمن الباكر.
صندوق التعويضات التعاوني
ربما كنت ميالا للعمل في الذراع الاجتماعي للهيئة، أليس كذلك؟
- في هذا المجال اشتركت مع الباكر وقاسم احمد فخرو في مشروع إنشاء صندوق التعويضات التعاوني، على اثر الإضراب العام لسواق السيارات (الأجرة) الذي سبب شلل الاقتصاد في العام 1954 بعد أن أيد قطاع التجار مطالب السواق بإغلاق محلاتهم، والسبب أن المستشار بلغريف اصدر أمرا يلزم الجميع بتأمين إجباري من الطرف الثالث، وطلب تطبيقه على أصحاب السيارات وسواق الاجرة (التاكسي) خصوصا، فعندما ذهب سواق التاكسي لشركات التامين طلبوا عليهم مبلغا كبيرا في ذلك الوقت ما يزيد عن 650 روبية، فرفضوا ذلك وصار التأييد، وكان الباكر على رأس من سعى لحل هذه المشكلة، فكان اجتماعنا الثلاثي في نادي العروبة لوضع قانون لتأسيس شركة تأمين وطنية باسم «صندوق التعويضات التعاوني»، وكان قانونها ينص على أن تكون شركة تعاونية، لا تستهدف الربح وإنما خدمة أصحاب السيارات، وقدّم القانون إلى المستشار بلجريف فوافق عليه بشرط إيداع تامين في البنك باسم الصندوق بقدر 50 ألف روبية.
لقد تعقدت المسألة بشكل غير مسبوق، ولم يكن بمقدور السواق تقديم هذا المبلغ، فتطوع الوجيه الحاج خليل المؤيد - بدافع وطنيته وحبه للبحرين- بوضع هذا المبلغ في البنك، فتمت بذلك الموافقة على تأسيس الصندوق، ولم يقتصر عمله على السواق فقط، بل تعداه إلى جميع أصحاب السيارات.
السواق بدورهم زكوا عبدالرحمن الباكر أمينا عاما للصندوق، وخلال خمس سنوات تم تسديد المبلغ إلى الحاج خليل، وتوافرت أرباح سنوية لهذا الصندوق، واستمر بإدارة الباكر ثم عبدالعزيز الشملان إلى أن تم إنهاء وجود هيئة الاتحاد الوطني في العام 1957، وكان الصندوق قد توفر على مبالغ جيدة من الأرباح، وفي الوقت ذاته ارتاحت الحكومة لهذا الحل، لأنه جنبها مشكلة كبيرة مع السواق.
وبعد انتهاء الهيئة كلّف حاكم البحرين سمو الشيخ سلمان بن حمد الوجيه عبدالله فخرو برئاسة الصندوق، وتعيين أعضاء مجلس إدارته من قبل كبار المالكين لقطاع سيارات الأجرة، وكان هناك ملاك باصات مثل يوسف انجنير الذي يملك أكثر من 27 حافلة، ووصل الصندوق إلى منتصف الستينات بأعضاء مجالس متعددين معينين، وتجمعت ارباح كان المفروض توزيعها على الاعضاء، ولكن لم يتم من ذلك، ففي منتصف الستينات طُلب مني أن أكون أمينا عاما للشركة (سكرتير تنفيذي) برئاسة فخرو، ومنذ ذلك التاريخ اشتغلت معه، وقدمت مشروعا لإعادة هيكلة صندوق التعويضات بما يتناسب مع صفته التعاونية، وهذا المشروع ملخصه هو الاستعانة بمشاركة محاسبة لتحديد من هم الذين يعتبرون أعضاء في الصندوق، وأصبحت شركة مجهولة المالك، أساسها تعاوني ولكن يشترط القانون أن يكون للعضو اشتراك شهري وتصدر له بطاقة، فالمشروع يتطلب من الشركة أن تحدد من هم الأعضاء وتصدر لهم بطاقات عضوية، وعلى هذا الأساس تتحدد ملكية كل منهم في صندوق التعويضات، فإذا تحددت مقدار ملكيتهم تصدر لهم شهادات مساهمة بقدر حصتهم من الأرباح.
والشق الثاني من المشروع هو إنشاء صندوق ضمان اجتماعي للسائق وعائلته يتكفل بتوفير التعليم والسكن والعلاج الصحي والدراسة، ويتكون الصندوق من نسبة تتراوح ما بين 15 و25 في المئة من أرباحه سنويا، والجزء الثالث من المشروع يقترح توفير 10 في المئة من الأرباح يصرفها الصندوق على المشروعات الخيرية في البلاد، وقد استطاع المجلس تنفيذ الشق الأول عن طريق شركة سابا ومقرها الرئيسي في الأردن، واستعمل لأول مرة الحاسب الأولي الضخم وأُخذت تكاليف لم تكن بسيطة قياسا لذلك الزمن لانجاز المهمة. واستمرت الشركة في العمل إلى مطلع السبعينات، إذ استطاعت أن تحدد من هم المستحقون باعتبارهم أعضاء في الصندوق، على أساس أن العضو هو من استمر في التعامل مع الصندوق لمدة ثلاث سنوات متواصلة، ثم أصدرت الشركة شهادات أسهم للمستحقين، أما بقية المشروع فلم يوافق مجلس الإدارة على تطبيقه وهو صندوق الضمان والمساعدات الخيرية وإصدار بطاقات اشتراكٍ للأعضاء، وبسببها استقلت عن الصندوق بعد خمس سنوات من العضوية 1969.
واستمر هذا الصندوق بهذا الشكل ودون تعديل قانونه الأساسي الذي ينص على الصفة التعاونية للصندوق إلى أن قررت الحكومة تسليم الصندوق إلى وزارة العمل أواخر السبعينات، وكلّفت المستشار بتحويله إلى شركة أطلق عليها «شركة تأمين المركبات» ثم عرضت للبيع لاحقا.
«اتحاد العمل البحراني»
... يقال إن «الهيئة» بادرت لوضع نواة العمل العمالي في البحرين؟
- قررت «الهيئة» إنشاء نقابة عمال في العام 1954، تحت اسم «اتحاد العمل البحراني» ووقع عليّ الاختيار لتولي الأمانة العامة للنقابة، ويكون لها مجلس إدارة من عدد من الوجهاء المعروفين من بينهم حسن الجشي ومحمد قاسم الشيراوي وعيسى الحادي وحسن المدني وعدد من الشباب الناشطين (...) استمررنا في الاتحاد إلى العام 1958، ولم تتعرض الحكومة لهذا المشروع، وكانت مرتاحة منه، لانه وفر لها وسيلة لحل المنازعات عن طريق وسيط لإقناع الطرفين.
وبعد القبض على أعضاء الهيئة أوقف الاتحاد أعماله ذاتيا مراعاة لحساسية الوضع، ثم قرر مجلس الإدارة حل الاتحاد ذاتيا في العام 1958 والتبرع بما بقي من رصيده إلى الحركة النقابية في البحرين تحت إشراف وزارة العمل.
ومن هم رفاق دربك في العمل الوطني والأدبي؟
أذكر منهم: رسول الجشي، ماجد الجشي، حسن الجشي، إبراهيم العريض، علي التاجر، وأدباء من السعودية منهم احمد راشد المبارك ومحمد سعيد المسلم، وأنا لم أسئ إلى احد والمفروض ألا يوجد لدي أعداء، ومواقفي وطنية حرة نتيجة إقناع.
الأندية الوطنية الخمسة
وكيف انخرطت في نادي العروبة لتصبح رئيسا للنادي؟
- في العام 1958 تسلّمت رئاسة نادي العروبة، وفي السنة نفسها أيضا أنشأنا اتحادا عاما للأندية بالتعاون مع إبراهيم حسن كمال الذي كان رئيسا لنادي البحرين في المحرق، فنشأ اتحاد من خمسة أندية وهي: العروبة، البحرين، الأهلي، الإصلاح الخليفي والنهضة في الحد، وسُمّيت الأندية الوطنية الخمسة، وكان لها دور كبير منذ العام 1958 حتى منتصف العام 1974 إلى حين تأسيس المؤسسة العامة للرياضة والشباب التي استولت على الأندية وتم حل الاتحاد ذاتيا، لأنها أصبحت تحت المؤسسة، وكان من بين هذه الأنشطة تبني إرسال حوالي 58 طالبا وطالبة إلى البعثات الدراسية في العراق وسورية ومصر، وثانيا تنظيم احتفالات مشتركة في جميع المناسبات الدينية مثل المعراج والمولد النبوي.
يمكن القول إن الاتحاد كان له نشاط مؤثر، وكل نادٍ يقيم نشاطه على حدة، وعندما تحولت إلى الاحتفالات المركزية كثر الجمهور، وأقام الاتحاد مهرجانا كبيرا بمناسبة تولي سمو الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان الحكم، كما أقام برامج ثقافية متنوعة، وكان من بين أعضائه وزير المعارف آنذاك أحمد العمران وأساتذة من كل الأندية، وأهم الجهود التي قام بها الاتحاد الجهود المشتركة لإقامة مهرجانات لمناصرة ثورة الجزائر والجيش المصري.
تجربة المستقل المجتهد
أنت ولدت من رحم بيتٍ ذي توجهات دينية واضحة، وانتقلت إلى العمل في أندية وطنية ذات اتجاهات يسارية غالبا، فأين يجد تقي البحارنة نفسه ما بين كفتي المعادلة؟
والدي الحاج محمد البحارنة كان وكيلا للمراجع العليا للشيعة، ومنهم أبوالحسن الأصفهاني والسيد محسن الحكيم والإمام أبوالقاسم الخوئي، ولكن على رغم هذه الخلفية الدينية فأنني اتخذت موقفا حازما منذ شبابي بعدم عدم الدخول في الحزب العقائدي، فاتجاهي إسلامي غير حزبي، واتجاهي قومي غير بعثي ، وتجربتي تجربة المستقل المجتهد.
وفي الستينات كان لك دور في غرفة التجارة التي احتضنت رواد الأعمال آنذاك، كيف تصف هذه الفترة؟
- خلال الستينات كانت المحاكم تستعين بي لحل القضايا في التحكيم، وتطلب مني رئاسة لجان للتحكيم بين المتقاضين التي فيها مجال للمصالحة، ويرافق ذلك نشاط خاص بالنسبة لغرفة تجارة وصناعة البحرين، إذ كنت مسئولا عن لجنة المالية والإدارة والموازنة والعلاقات الخارجية والمؤتمرات منذ العام 1958 إلى 1970، وفي العام 1969 تم إنشاء اتحادٍ عام لغرف التجارة في إمارات الخليج العربي وعُينت أمينا عاما لهذا الاتحاد منذ أواخر 68 إلى العام 1972، إذ استقلت من مهمتي لمباشرة أعمالي كأول سفير للبحرين في مصر ومندوبا دائما للبحرين في الجامعة العربية.
الحكومة تلافت إضراب سواق النقل العام
وهل لك أن تروي لنا قصّةمشروع إنشاء النقل العام؟
- في أوائل الستينات كلّفت من قبل الحكومة بإنشاء النقل العام في البحرين. وكانت المشكلة تكمن في وجود مالكين وسواق للنقل العام يعارضون تدخل الحكومة في شئونهم، وعلى إثر ذلك أسست لجنة كان رئيسها المرحوم يوسف الشيراوي، وقد تقدمت بمشروع لحل هذا الإشكال لاقى تأييدا من الرئيس وذلك بأن تشتري مؤسسة النقل العام جميع الباصات الموجودة للنقل من ملاكها وتشغيل الباصات من جديد بسائقيها أنفسهم تحت مظلة المؤسسة، وبهذه الطريقة أرضيت صاحب السيارة وعدّلت راتب السائق (...) مرت العملية بسهولة تامة واستعملت الباصات إلى أن تم استبدالها بأسطولٍ جديد من باصات النقل الحديث في السبعينات تحت ماركة «تاتا» من الهند، فالشركة لم تخسر وأصحاب السيارات لم يخسروا والسواق ربحوا أيضا، من الجانب الآخر الحكومة لم تخسر، فقد انتهت مشكلة كبيرة كانت ستصل إلى حد الإضراب العام.
وهل شغلت مناصب حكومية أخرى؟
- نعم، في أواخر الستينات عينت عضوا في مجلس إدارة أموال القاصرين برئاسة الشيخ خالد بن محمد آل خليفة، وقدمت مقترحات تطويرية وتطورت الدائرة إداريا بشكل أفضل من ذي قبل، وبعدها عينت في لجنة أموال الزكاة برئاسة الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة.
البحارنة دبلوماسيا
ولو انتقلنا إلى فترة مهمة في حياتك وهي عملك أول سفير للبحرين في مصر والجامعة العربية، فأي أثر تركه هذا المنصب المهم على شخصية تقي البحارنة؟
- زاولت عملي سفيرا في مصر منذ العام 1971 حتى العام 1974، وركزت في عملي على تقوية العلاقات بين مصر والبحرين في زمان الرئيس المصري أنور السادات، فتطور التعاون الثقافي وشمل تنظيم بعثات المدرسين للبحرين وتنظيم شئون طلبة البحرين في القاهرة وإنشاء دار لسكن الطالبات وإنشاء أندية للطلاب والطالبات في القاهرة والإسكندرية، والإشراف على توفير وسائل السفر لأهل البحرين أثناء حرب 73 من طلبةٍ وسياح، واستأجرنا طائرات مخصصة لهذا الغرض، ومن ثم الإشراف على النواحي الصحية وتوفير الأطباء في البحرين والتنسيق مع السلطات المصرية التي دربت البحرين على كيفية إصدار البطاقات الشخصية.
وفي فترة شغلي للمنصب حرصت على تمثيل البحرين عبر المشاركة التامة في جميع أنشطة الجامعة، وكنت أحضر اللجنة السياسية مثل الدفاع العربي المشترك ويحضر معي وزير الدفاع البحريني، وفي اللجنة الثقافية بمعية ممثل وزارة الترببية، عضو مجلس الشورى (حاليا) حمد السليطي، وكان يحضر معي في لجنة الصحة الوزير السابق علي فخرو. وأستطيع أن أقول لك انها كان فترة مهمة جدا، ومليئة بالاجتماعات واللجان، وفي مطلع العام 1973 زار القاهرة جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة (الذي كان وليا للعهد آنذاك)، وجلس 15 يوما في القاهرة وكنت مرافقا لجلالته في كل زياراته هناك، وبعد العام 1975 اشتغلت في الأمور التجارية وكنت اكتب أيضا، ولم يكن هناك نشاط سياسي، إلى أن عينت في مجلس الشورى (منذ 1993 إلى 2001).
انتخابات المجلس الوطني
وكيف عاصرت انتخابات العام 1973 وحل أول مجلس وطني في غضون سنتين؟
- لو كنت موجودا لرشحت نفسي في الانتخابات، ولكن تكونت لدي علاقات مع النواب... كل المسئولين المعروفين بمن فيهم النواب كانوا يزرون القاهرة في تلك الفترة. وعندما رجعت كان المجلس الوطني منحلا، وكنت مؤيدا لإعادة الحياة الدستورية ولم أكن مرتاحا لما يجري، وكنت اعترض في مجال الاعتراض.
وماذا بعد انقطاعك عن العمل السياسي؟
- انشغلت بالمجال التجاري والاقتصادي إلى أواخر الثمانينات، ثم عينت في مجلس الشورى لثلاث دورات كاملة في المجلس برئاسة محمد حسن حميدان، وأسندت لي مهمتي الشئون والعلاقات الخارجية ولجنة حقوق الإنسان، وأشير هنا الى أنني دخلت المجلس بدافع التطوير، ولو كنت حزبيا وكان الحزب معارضا لما قبلت، لقد دخلت لأنه يمكن الإفادة من هذا الموقع، ولولا تجربة الشورى لترددت الحكومة في الإقدام نحو خطوة إنشاء مجلس نيابي.
مجلس الشورى لم يكن بصاما
كثيرون يرون أن مجلس الشورى كان بصّاما وواجهة مناسبة لتغطية التجاوزات الأمنية للحكومة آنذاك، فهل تشاطرهم الرأي؟
- من طبيعة العاقل أن يخاف من الجديد ويشكّ فيه، فلولا تجربة مجلس الشورى لتأخرت التجربة الديمقراطية، وأؤكد لك ان المجلس لم يكن بصاما، وللتاريخ أقول انه كان هناك معارضون لتوجهات الحكومة في المجلس وخصوصا في قضايا الحريات، ولكن التصويت كان يتغلب على معارضتهم، ولم يكن الأعضاء راضين عن الاعتقالات التي جرت آنذاك.
لست مواليا ولا معارضا
وكيف تصنف نفسك... مع الموالاة أم المعارضة؟
- لا أؤمن بتصنيف الموالاة والمعارضة، فأنا أؤمن بحرية التفكير للتمييز بين ما يجب أن أؤيده وما يجب أن ارفضه بحرية وتعقل، فلا المعارضة بقصد المعارضة ولا التأييد بقصد الاستفادة من موضوع الامتيازات، وإذا وجدت أن الحكومة عملت أمرا ايجابيا فسأستحسنه وهذا دفعني لتأييد بعض المبادرات، ومن قبيل ذلك المبادرة التي قدمها جلالة الملك حمد في تحقيق الديمقراطية عبر مشروع الميثاق، وكان مجالها في بعض القصائد، وكنت أشجع الطرفين على عمل ما هو مفيد للشعب.
جلالة الملك عينك عضوا في اللجنة العليا التي وضعت الميثاق...فكيف تعاملت مع الإشكالات التي صاحبت إعداد المسوّدة؟
- كنت عضوا في لجنة إعداد الميثاق، ولكنني لم أرتح لطريقة إصدار دستور 2002 بطريقة منفردة بعد عام من اقرار الميثاق الذي وضعته 40 شخصية وطنية مختلفة، ولقد عُرضت علينا مسودة أولية ورفضناها، لأننا قررنا أن نعمل من دون مسودة، فمرسوم التعيين كان ينص على تشكيل لجنة لوضع الميثاق وليس لدراسة مسودة الميثاق، وأيدني في هذا الطرح الكثيرون، ولكن رئاسة اللجنة عرضت علينا مدى الاستعجال المطلوب في انجاز المهمة ورغبة جلالة الملك في ذلك تحديدا، وتجنب الإجراءات الشكلية، وأدى موقفي الى تدخل رئيس اللجنة العليا الشيخ عبدالله خالد آل خليفة الذي قال لنا: «اعتبروا أنه لا توجد مسودة، فالمسودة التي عرضت عليكم هي للاستئناس»، وعلى هذا الأساس أجريت التعديلات لاحقا.
كسبنا معركة الحريات في الميثاق
وهل كنتم تتوقعون التفاعل الشعبي الكبير مع الميثاق؟
- كانت تلك الفترة من أحلى فترات البحرين، فقد وضعنا ميثاق عمل وطني تعاقدي عبر تفاهم مشترك، واستبشر الناس بهذه الخطوة كثيرا، وهناك عناصر وطنية حاولت جهدها أن تركز على القضايا الشعبية كالنقابات وحرية الرأي والصحافة وعلى رغم معارضة «الموالين»، فيبدو أننا كسبنا قضايا مهمة كحرية الرأي والصحافة، الذي كان يهم الحكومة هو إنشاء مجلسين الشورى والنواب، وربما كانت تلك هي قضيتهم الأساسية، فأنجزت المهمة وسلم الميثاق الى جلالة الملك.
لسنا مسئولين عن التعديلات الدستورية
وهل كان للجنة الميثاق دور في التعديلات الدستورية التي صدرت بعد عام واحد فقط من إقرار المسودة النهائية للميثاق؟
- انتهت مهمتنا بإعلان الميثاق الذي عرض على الاستفتاء الشعبي، ولكن موضوع الدستور مسئولة عنه اللجنة التي تكونت وهي لجنة كانت تضم شخصيات مخلصة ومحامين صدرت التعديلات باسمهم، وعندما خرجت الأسماء كانت الناس تثق في لجنة وضع الدستور، ويبدو أن الدستور وضع بشكل مستعجل من دون مناقشته.
لكن هذه التعديلات أسندتها الحكومة إلى قاعدة الميثاق الذي صدر باسمكم جميعا، فهل كنتم غافلون عن نقاط جوهرية كصلاحيات الغرفة المعينة من المجلس الوطني؟
- عندما كنا في لجنة الميثاق أثير أن مجلس الشورى يجب أن يكون على غرار التجربة الأردنية، بحيث يكون عدد أعضاء المجلس المعين لا يتجاوز نصف عدد المجلس المنتخب، وكذلك الصلاحيات الدستورية ولكن اللجنة لم تقبل ولم ترفض هذه المقترحات، والصياغة سكتت عن العدد (...) اختلفنا على التفسيرات، وكانت هناك ثغرات فعلا. إن المشكلة الأساسية هي تصديق الشعب أو المجلس المنتخب على الدستور لإقراره، وقد يكون الدستور ايجابيا عدا النقاط موضع الاختلاف، ولكن التجربة البرلمانية الجديدة جيدة، فالتعاون والموقف الايجابي أفضل من الموقف السلبي، وكنت مشجعا لدخول أقطاب المعارضة حتى تتاح لهم الفرصة لعرض وجهات نظرهم بواقعية، ولكي يطالبوا من خلال المؤسسات بإيجاد مخرج للمسألة الدستورية... أنا متفائل من التجربة لأن الزمن في صالح الديمقراطية، وان جاءت ديمقراطية غير كاملة فالزمن كفيل بإيجاد ديمقراطية كاملة.
البحرين بعيدة عن اللهب الطائفي
الطائفية في البحرين... إلى أي حدّ أنت متخوّف منها؟
- إن الطائفية في البحرين موضوع مصطنع، وليست هناك مشاعر طائفية لدرجة البغض والكره للآخر، فأهل البحرين من طبيعتهم متجانسون وطيبون، فالبيت واحد والمصالح واحدة، والطائفية مصطنعة لمصالح سياسية، وأنا أرى أن الشعب البحريني في طيبة وفي بُعد عن اللهيب الطائفي، والبحريني سيظهر معدنا أصيلا يستعلي على الطائفية، ولا أخاف من وقوعها، لأن هناك وعيا عند السنة والشيعة، فلا السني يقبل بغير تحقيق العدالة ولا الشيعي يستجيب للتصعيد، وأما الجاهل أو ذي المصالح الخاصة فموضوعه آخر، وسينبذه البحرينيون بفطرتهم.
قبل شهرين عيَن نزار البحارنة وزيرا للدولة للشئون الخارجية... البعض فسَر هذه الخطوة بأنها إرضاء للعائلة؟
- لا اعتقد أن رضا العائلة وراد، فالرجل وصل لهذا المنصب بكفاءته، وكان قد شغل منصب النائب الثاني لرئيس الغرفة ودخل الجمعيات السياسية، وهم اختاروا شخصا جديرا بالمركز لذاته لا لعائلته، فلو كان رجلا أميا لكان من الممكن أن يكون تعيينه لإرضاء أي شيء آخر غير الكفاءة.
العدد 1626 - السبت 17 فبراير 2007م الموافق 29 محرم 1428هـ