العدد 1646 - الجمعة 09 مارس 2007م الموافق 19 صفر 1428هـ

الطالب الجامعي أمام مقصلة «الثقافة»

حين نبحث في إحداثيات المستوى الثقافي للطلبة الجامعيين في البحرين، نجد أن الكثير من الاختصاصيين والطلبة قد أجمعوا على أن كفا ممتدة - تتربع في راحتها وزارة التربية والتعليم محورا أساسيا - تتحمّل مسئولية تردي المستوى الثقافي العام للطلبة البحرينيين. سواء أكان من خلال غياب الاستراتيجية الواضحة لتثقيف الطلبة أم عجزها عن صناعة الرغبة عند النشء في القراءة وحب البحث والسعي إلى المعرفة.

وتمتد من هذه الكف الأصابع لتوجه الاتهامات إلى العناصر الثانوية التي ساهمت - فيما يشبه الجريمة الاستراتيجية في الإنسان البحريني - في صناعة جيل بحريني ركيك ثقافيا، محب للفارغ من قشة الحضارة على حساب الحضارة في مكوناتها وأدواتها التطويرية.

أستاذ التاريخ بجامعة البحرين فؤاد شهاب يجد أن الطلبة «اعتمدوا في تثقيف أنفسهم على أجهزة الإعلام المرئي أو المسموع وابتعدوا عن القراءة، وهو ما أثر سلبا ببث هذه القنوات رسائلَ محددة للمشاهدين، ومعلومات منتقاة، وهو ما يشكل عند البعض ثقافاتٍ مشوبة».

بينما يؤكد أستاذ أستاذ اللغة العربية بجامعة البحرين سابقا عبدالحميد المحادين أن «إحدى علل الثقافة المجتمعية عموما هي نشوء ثقافة بعيدة عن صدقية المعرفة، وكرامة العلم، وهذه غالبا ما تكون ثقافة مستمدة من المجتمع، بما فيه من موروثات تاريخية أو علمية أو شيء من الإبداعات الهامشية».

غياب الوعي ظاهرة مجتمعية...

«غياب الوعي الثقافي لا ينحصر فقط في طلبة الجامعة، وإنما في المجتمع عموما»، ذلك بوصف شهاب، الذي يجد أن هذا التدني ناتج عن غياب الاهتمام بالقضايا القومية والإنسانية في الوقت الحالي، وذلك ما يصفه بأنه «خلاف الحال في الخمسينات والستينات، التي كان المجتمع خلالها بكل طبقاته وفئاته منشغلا بالقضايا القومية مثل: الصراع العربي - الصهيوني».

واستطرد شهاب قائلا: «جمهور الشباب في الوقت الحالي لا علاقة لهم بهذا الصراع ولا يهمهم، وكأنما هو محصور بين الفلسطينيين والدولة الصهيونية». مضيفا « ففي فترة الخمسينات كانت قضايا التحرر في الجزائر وفلسطين والعالم ككل، مع وجود شخصيات كاريزمية مثل: جمال عبدالناصر، نهرو وجيفارا، ساهموا بشكل مباشر وغير مباشر في تنمية الوعي الثقافي لدى المجتمعات».

ويعلل شهاب هذه الظاهرة بالقول: «غياب الوعي الثقافي مرتبط بالمدرّسين في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية؛ إذ إن المدرّسين في السابق كان لديهم اهتمام بالشأن العام والقضايا القومية والوطنية، وهم من خلال تأديتهم الدور التعليمي ينقلون تجاربهم إلى الطلبة، إلا أن هذه الظاهرة قد اختفت، ويمكن سحب هذا الموقف على الأساتذة الجامعيين الذين يربطون الدراسة بالكتاب الدراسي فقط، من دون التطرق إلى قضايا المجتمع في المنهج».

ويجد شهاب أن الجامعة مسئولة عن التنمية الثقافية بشكل تام، ولكنه يجدها «تخلت عن هذا الدور المهم، فمعظم الجامعات لها استراتيجيات محددة في تحديد نوعية الطالب التي تريد تخريجه، ومستواه الثقافي والفكري، إلا أن الجامعة الآن لا همَّ لها سوى تخريج أفواج كثيرة من الطلبة. إلى جانب كل ذلك، إننا نعيش في مجتمعات تسلطية، يحاسب فيها الفكر، وتفتقر إلى الوعي الثقافي، فنجد أن الناس عوضا عن الاهتمام بقضايا العدالة والتحرر والمساواة والتنمية التي يهتم العالم بها ككل، تنشغل بقضايا أقل أهمية ونفعا».

وأكد شهاب أن هناك لوما يمكن لنا إسقاطه على الناس في اختيارهم المصادر التي يثقفون أنفسهم من خلالها، إذ يقول: «الناس يعتمدون في تثقيف أنفسهم على أجهزة الإعلام المرئي أو المسموع ويبتعدون عن القراءة، والكل يعرف ما لهذه العملية من إيجابيات وما لها من سلبيات، فهناك جهات تسيطر على هذه القنوات، وتبث رسائلَ محددة إلى المشاهدين، ومعلوماتٍ منتقاة؛ ما يشكل عند البعض ثقافاتٍ مشوبة».

الفرق بين الثقافة والمعرفة

«يجب أن نميز بين مدلول الثقافة ومدلول المعرفة، فالجامعة في الأساس تزود الطلاب بالمعرفة، وهذه المعرفة تتداخل مع ما يتزود به الطالب في الحياة اليومية من خارج الجامعة، فتتكون لديه المفاهيم الثقافية، ثُمَّ بعد ذلك تتأثر ممارساته وسلوكاته بهذه الدلالات التي تكوّنت من التفاعل بين المعرفة والواقع»،

بذلك عرّف المحادين الفرقَ بين المعرفة والثقافة من خلال المكوّن الأساسي لكل منهما، مضيفا أن «العلاقة وثيقة بين الثقافة والعلم، ويحتاج الطالب إلى العلم أولا، والثقافة تتشكل تلقائيا من العلم والحياة اليومية، وأنا أتكلم عن طلبة جامعة البحرين لأني خبرتها أكثر من غيرها. إن ثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات والإنترنت والتلفزة أصبحت مصادرَ كبيرة وعميقة للمعرفة والثقافة، والمعرفة تتشكل في نهاية الأمر لتصيّر ثقافة الطالب».

وعن نظرته إلى المستوى الثقافي للطلبة، ينطلق المحادين في ميادين الحديث بقوله: «أستطيع أن أقول إن طلاب جامعة البحرين، وقد ينسحب هذا الحكم على جميع طلاب الجامعات، يتمتعون بمستوى من الثقافة طيب ومطمئن، وألاحظ أن طلابنا يتثقفون بشكل واضح من منابع اجتماعية، وتاريخية، ويومية، فوق ما يتمتعون به من فرص التثقف الجامعي التي يسهلها لهم انخراطهم في الأنشطة والاهتمامات اللاصفية واللامنهجية، وهذه هي الثقافة اليومية التي تبدو من خلال ممارستهم الحياة اليومية». من الواضح لنا أن المحادين يبدو متفائلا جدا عكس ما لمسناه من الآخرين.

ويجد المحادين أن الثقافة يعترضها إشكال مهم، إذ يجد أنه «قد تنشأ ثقافة بعيدة عن صدقية المعرفة، وكرامة العلم، وهذه غالبا ما تكون ثقافة مستمدة من المجتمع، بما فيه من موروثات تاريخية أو علمية أو شيء من الإبداعات الهامشية، إنما كلما تعمّقت المعرفة لدى الأفراد تأصلت لديهم الثقافة الدالة على المستوى الذي بلغوه من خلال آفاق المعرفة ومصادر التأثر الاجتماعي اليومي».

المعالجة التدريجية للظاهرة

«يميل الطلبة الجامعيون - في المحيط الذي أعرفه - إلى القراءة في الكتب التي ترتبط بتخصصاتهم الدراسية، من دون التوسع للاطلاع على الأمور الحياتية الأخرى» تلك كانت انطباعات طالبة كلية الحقوق بجامعة البحرين هديل كمال الدين، التي تجد أن سبب تركيز الطلبة على قراءة الكتب التي ترتبط بتخصصاتهم الدراسية واستخدامها في مجال كتابة التقارير والبحوث، وليس برغبة داخلية في تثقيف الذات، وتصفهم بأنهم «مجبرون وغير محبين للقراءة والاطلاع».

وتعلل كمال الدين ابتعاد الطلبة عن القراءة والتثقف إلى «وجود أمور أخرى متعددة يقضي فيها الطالب وقت فراغه، إضافة إلى تفضيل الطلبة المصادر السريعة للمعلومات التي يحتاجون إليها مثل: الإنترنت، عوضا عن البحث في الكتب والمراجع لساعات طويلة، إلى جانب أن الأسلوب المتبع في كتابة الكتب والمراجع يتصف بأنه علمي وجاف، وبذلك يمل منها الشباب أو الطلبة عموما».

أما عن الأسلوب الذي تقترحه كمال الدين لحل مسألة عزوف الطلبة عن القراءة والتثقف، فتجد أن «عملية المعالجة يجب أن تتم بصورة تدريجية، وعلى الجهات المهتمة القيام بجلسات يتم فيها تدارس الكتب فيما بين الحضور، والتدرج باستخدام كتب ذات معلومات بسيطة ووفق أسلوب مبسط، ثم التطور معهم لحين الوصول إلى الكتب التي يعتقدون بأنها مناسبة لتكمل عند الطالب المعلومات اللازمة لحياته».

وتجد كمال الدين أن الخلل يبدأ منذ مراحل التعليم الابتدائية والإعدادية والثانوية؛ إذ لا توجد حصة للمكتبة والقراءة، وإنما الوقت المتاح للطلبة كي يقرأوا هو فترات الاستراحة ما بين الحصص، وبالتالي تفضل هديل «تخصيص حصة يومية أو أسبوعية للطلبة كي يقوموا بزيارة المكتبة، وتحديد الكتب التي يقرأونها، وعلى أولياء الأمور أن يشرفوا على هذه العمليات إن لم تقم المدارس بتقديمها بالصورة المطلوبة، ومساعدة الابن من خلال تنظيم وقته وتحديد أوقات خاصة للقراءة في جدول واجباته اليومية».

التثقف في التاريخ الوطني

«المستوى الثقافي للطلبة الجامعيين لا بأس فيه». بذلك يقدر طالب إدارة الأعمال بجامعة البحرين أحمد عبدالأمير المستوى الثقافي لزملائه الطلبة من خلال تعامله وتعايشه معهم داخل الحرم الجامعي، إذ يجد أن وسائل الإعلام لعبت دورا كبيرا في تعزيز الثقافة لدى الطلبة والطالبات في البحرين، إلا أنها «لم تصل بالطالب إلى مرحلة الثقافة المكتملة» من وجهة نظره.

ويدعو أحمد الطلبة إلى الاستعانة بالمزيد من وسائل الثقافة والاستعانة بمصادر أخرى لتثقيف أنفسهم مثل: القراءة ومشاهدة الأفلام الوثائقية إلى جانب حضور الندوات والورش التثقيفية التي تقيمها الكثير من مؤسسات المجتمع المدني بصورة مستمرة.

ويضيف عبدالأمير «على الطلبة - تحديدا - التوجه بالبحث والاطلاع إلى المصادر التي تعزز لديهم الثقافة الوطنية، إذ إن الشباب يواجهون فجوة في المعلومات المتعلقة بتاريخهم الوطني، وبذلك فهم بحاجة أكبر إلى معرفة تاريخهم ومحاولة فهم آلية سير العملية السياسية في البلد».

وبهدف تعزيز الفكر والثقافة المتراكمين يضيف عبدالأمير»على الطلبة من خلال القراءات وعمليات التثقيف الذاتي التي يجب أن يقوموا بها، أن يساهموا ببعض الأفكار والمقترحات، التي يمكن من خلال دراستها ومناقشتها تعزيز الثقافة وتوسيع المدارك، إلى جانب أنها تفيد الوطن وتساهم في تطوير المجتمع».

ويجد عبدالأمير أن من واجب الدولة إنشاء مؤسسات خاصة تُعنى بتثقيف الشباب والطلبة ضمن استراتيجية وطنية للثقافة، تهتم بالمجالات الثقافية والفنية كافة من الموسيقى والمسرح والرسم والكتابة بكل أنواعها، وعلى رجال الأعمال المساهمة في دعم وتثقيف الشباب؛ لأن ذلك ينبع من واجباتهم تجاه تنمية الوطن.

بعدان أساسيان لتقويم ثقافة الفرد

يمكن تقدير المستوى الثقافي من خلال بعدين أساسيين، إذ تجد طالبة الحقوق بجامعة العلوم التطبيقية تماضر عبدالحميد مراد أن التقدير الأول يتم من خلال «معرفة مدى إقبال الطالب على القراءة والمطالعة، وقيامه بالبحث عن المعلومات من جميع مصادرها»، وأما الثاني فـ «هو بمعرفة مدى قدرة هذا الطالب على توظيف المعلومة بشكل صحيح».

وتجد مراد أن الطلبة يهتمون ويتابعون ويقرأون الصحف اليومية ويستفسرون من بعض الاختصاصيين أو ذوي الخبرة والأكبر منهم للحصول على المعلومات من طريق التحاور، ويغطي البعض المستوى الثقافي المطلوب بالقراءة المستمرة، ليكون لدى الشخص أكبر قَدَرٍ من المعلومات في جانب معين، إذ إن الاستماع وقراءة الأخبار في الصحف لا يعطي المعلومة بالصورة المطلوبة، والقراءة توفرها بصورة أفضل.

وتضيف مراد أن «على من يرغب في توضيح وجهة نظره أن يدعمها بدليل من كتاب قرأه وفهمه، فلا يصح أن يناقش من دون خلفية»، مؤكدة أن «التثقف يكوّن شخصية الفرد، فيصبح مثقفا وعنده إلمام بغالبية الجوانب المهمة، يستطيع مناقشتها من دون تردد بثقة وجرأة لأنه يملك الدليل. وعلى العكس من ذلك، إن الشخص الذي ينقل المعلومة من الاستماع لا يكون واثقا بها بالدرجة المطلوبة».

وتدعو تماضر إلى تطوير المكتبات العامة ومصادر الكتب والموضوعات، وتوظيف التكنولوجيا التي تساعد الطالب على زيادة المستوى الثقافي لدى الطالب، إلى جانب تشجيعه، بإقامة المسابقات الثقافية بصورة مستمرة. الكثير من المراقبين يرى أن الطالب الجامعي في البحرين عاجزٌ ثقافيا عن الدخول في أي أحاديث ثقافية رفيعة. كما أن تلقيه مجمل الإنتاج الثقافي العالمي هو تلقٍ سلبي بالضرورة. آخرون يتساءلون: «كيف لا تُدَرِّسُ جامعة البحرين في أيٍّ من برامجها مادة أصيلة كالفلسفة؟». وآخرون يعتقدون بأن النظام التعليمي برمته هو نظام معوق، وأنه يحتاج إلى مساءلة حقيقية على مستوى شتى مؤسسات المجتمع السياسية والاجتماعية والثقافية.

العدد 1646 - الجمعة 09 مارس 2007م الموافق 19 صفر 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً