العدد 2255 - الجمعة 07 نوفمبر 2008م الموافق 08 ذي القعدة 1429هـ

وقفة وفاء... للخطيب الملا علي الشجرة!

في بعض الأحايين تشعر بإحساس غريب لا إرادي من بعض المكالمات الهاتفية، وخصوصا إذا ما جاءت في أوقات الظهيرة أو بعد منتصف الليل، في هذه الأوقات يكون الواحد منا يلجأ إلى الفراش ليعطي نفسه مجالا ولو محدودا للراحة، في يوم سبت، وتحديدا في الساعة الثانية بعد الظهر، أستقبلت مكالمة هاتفية من أحد الأبناء الأعزاء، أخبرني من خلالها برحيل الملا علي الشجرة من هذه الدنيا إلى جوار ربه .

أخذت أسترجع مرات كثيرة وأردد الآية الكريمة (إنا لله وإنا إليه راجعون)، ما أصابني من حزن بعد سماع الخبر، ليس جزعا ولا إعتراضا على أمر الله وقدره، وإنما هو حال يمر به الإنسان حينما يخبر بوفاة عزيز عنده ، حتى ولو كان ذلك العزيز وصل إلى عمر تجاوز 72 عاما، كعمر فقيدنا الغالي، لأن المعزة الإنسانية ليس لها حدودا معينة من العمر، فالإنسان العزيز يبقى عزيزا في حياته وحتى بعد وفاته ، وذكراه لن تنسى على مر السنين والأيام، ومواقفه الطيبة ستبقى في ذاكرة من عرفوه ولن تمحى من ذاكرتهم مهما تقادم بهم الزمن، لأن فقيدنا تميز بصفات قد تكون فريدة من نوعها، إذ فقد فقيدنا بصره في سن التاسعة من عمره، وفي سن العاشرة وتحديدا في النصف الثاني من الأربعينات ألتحق بمعلم القرآن الملا عبد الله الإحسائي، وكان ينقل إليه يوميا من منطقة النعيم إلى مدينة المنامة، وكانت خالته معلمة القرآن الكريم الملايه الحاجة أم عبد الله شعبان تعاونه في القراءة، حتى ختم وحفظ أكثر من عشرين جزءا من القرآن الكريم، وعرف فقيدنا بنباهته وحافظته السريعة، هذا ما سمعناه من أخيه صالح الشجرة وأبن خالته الحاج عبد الله شعبان إذ كانا يلازمانه في أيام صباه وفي مختلف مراحل حياته حتى رحيله من هذه الدنيا الفانية، كان صلب الإيمان وإرادته قوية لا تلين وعزيمته لا تزلزلها الظروف القاسية والشديدة، كان دائما يحمد ربه ويشكره في السراء والضراء، كان على يقين ثابت، أن كل أمر سيئ يصيب الإنسان فهو من الإنسان نفسه، وكل شيء خير يحصل عليه فهو من الله سبحانه وتعالى، لم نره عابسا قط، ولم نجده متشائما في يوم من الأيام طوال الفترة التي قدر لنا أن نعيش معه فيها، كان أبيا عزيزا لا يقبل الإهانة لا لنفسه ولا لغيره من الناس، كان يتابع شئون أولاده وأحفاده المعنوية والمادية، يؤذيه إذا ما سمع عنهم أخبارا غير سارة، كان محبوبا في مختلف الأوساط الاجتماعية، يتحدى الصعاب ويتغلب عليها، لم يقل قط لا أملك شيئا، أو أنه لا يقدر على فعل شيء ، فكل الأمور عنده ممكنة وغير مستحيلة، لهذا كان يتعامل مع الحياة وكأنه بصيرا، فراح ينظم حملات للعمرة والزيارة من دون وجل أو خوف أو حرج ، حتى قال عنه أحد رجال الجمارك في إحدى الدول، لم نر هذا الشيء إلا عند البحرينيين، استطاع التغلب على العقبات التي صادفته في حياته، وتحمل الكثير من المأسي والويلات التي مرت عليه، أخذ يجوب في مختلف الأماكن لعله يجد مصدر رزق طاهر له ولأولاده وبناته، فكانت الكويت المكان الذي وجد فيه ما يصبوا إليه من الرزق، بقي فيها سنوات كثيرة حتى جاء ذلك اليوم الذي فجع فيه بوفاة أبنه الصغير الذي دهسته سيارة مسرعة وهو خارج ليشترى له من إحدى البقالات، يعجز اللسان عن الحديث عن هذا الرجل المكافح الذي أثبت للناس الذين عرفوه المعاني الحقيقية للإرادة القوية والعزيمة الصلبة، وأن فقدان عضو من الأعضاء لا يعني الركون في زاوية ضيقة في هذه الدنيا، كان يرى الدنيا ببصيرته الثاقبة، ولذلك كان يتحرك في جميع الإتجاهات ويدخل في كل الأماكن التي يدخلها البصير الواثق بنفسه و بخطوات ثابتة، والحضور المكثف من مختلف فئات المجتمع، من علماء دين ووجهاء وغيرهم من الناس مجالس العزاء التي أقيمت لتقديم التعازي إلى ذويه دليل واضح على مكانة هذا الرجل الكبير في قلوب الناس، وما إقامة المجالس لتلقي العزاء في مختلف المدن والقرى إلا دليلا آخر على مكانة فقيدنا العزيز في أوساط المجتمع البحريني، لا نقول إلا رحمك الله يا ملا علي الشجرة، وتغمدك برحمته الواسعة.

سلمان سالم

العدد 2255 - الجمعة 07 نوفمبر 2008م الموافق 08 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً