لا يَستَنشِقُ الصَّمتَ بِتَـأَمُّلِ المُسَـافِرِ دُونَ عَودَةٍ ...إِلاَّ المَقهُور ، وَفِي دَاخِلِي ، أَعرِفُ شَخصَـا بَقَى يَتَرَقَّبُ قُربَ نَـافِذَةِ الشَّوقِ عَودَةَ الوَجدِ الأَوَّل سَـاعَاتٍ وَسَـاعَـات، ...وَكَدَأبِ المَحرومِين، جَثَت مُقلَتَـاهُ تَرمُقَـانِ القَمَرَ الَّذِي لا يَبِين، كَالصَّـامِتِين.
البَعضُ فِي غِيَـابِ بَعضِهِ، يُحِبُّ إِثَـارَةَ الجَلَبَةِ وَالضَّجَّة، وَآخَرُون يَنزَلِقُونَ فِي قَوَارِيرِ فَرَادَةِ الإِنتِظَـار، فَهُم... لَديهِم فَلسَفَتُهم لِلهَجرِ، وَقَنَـاعَتُهُم بِأَنَّ الوَصلَ فِي نِهَـايَةِ القِصَّةِ تَامٌّ تَـام، وَإِلاَّ لَن يَكُونَ لِهَذِه اللَّهفَةِ ظِلاَل، كَالرَّغبَةِ فِي مُشَـارَكَةِ الذِّكريَـات لَحَظَـاتِها، وإِيقَـاظَها مِن سُبَـاتِ الزَّمَـن.
وَلَكِنَّ الأَغرَب مِن كُلِّ ذَاك، أَن يَتَجَـاوَرَ فَردَان، أَو بِشَكلٍ أَدقٍّ شَخصَينِ يَحمِلانِ القَضِيَّـةَ نَفسَهَـا، وَالهَمَّ ذَاتَـه، فِي مَسَـارٍ وَاحِـد، فَتَرَاهُمَـا يَتَفَيَّئَانِ الصَّمتَ المُطِبق وَسَطَ سَفِينٍ مُشتَرَك، مُتَجَـاهِلِينَ – جَهرا – كُلَّ مُفرَدَاتِ الغَلَبَةِ وَالقَهر.
مِن حَيثُ الهَجرِ، فَلِهَؤُلاءِ قِصَّةٌ مُشتَرَكة ، يُقتَـلُ فِيها أَبطَالُهَـا مِئَـاتِ المَرَّاتِ فِي كُلِّ لَحظَـةِ تَأَمُّل ، كَثِيرا مَـا بَحَثُوا عَنِ البَدِيل أَوِ المَوطِنِ المُشتَهَى بِأريجِه... إِلاَّ أَنَّ البَعضَ ظَلَّ حَظُّهُ العَاثِرُ مُتَخَلِّفَـا عَن سُفُنِ الوِصَـال ...لِمَـا بَعدَ حِين !
وَفِي نَظَرِي، هَذَا البَعضُ وُلِدَ وَحِيدا... لِيَمُوتُ وَحِيدا ، فَـذَاكَ قَدَرُه !
باقر درويش
العدد 2255 - الجمعة 07 نوفمبر 2008م الموافق 08 ذي القعدة 1429هـ