العدد 1712 - الإثنين 14 مايو 2007م الموافق 26 ربيع الثاني 1428هـ

القاضي الحميدي: الحكم بعدم الدستورية يكشف عيبا بالنص لا بالحكم

في ندوة نظمتها «المحامين» عن مقارنات بين قانوني مصر والبحرين

أقامت جمعية المحامين البحرينية مساء أمس (الاثنين) في مقرّها الكائن بالعدلية ندوة بعنوان «النطاق الزمني لآثار أحكام المحكمة الدستورية»، حاضر فيها قاضي المحكمة الكبرى الإدارية سعيد عبد الله الحميدي الذي أكد في بداية الندوة أنه يؤيد الاتجاه الذي ذهبت إليه محكمة التمييز بعد أن وجد أنه يجسّد ويؤكد إجماع الفقه الدستوري والقضاء الدستوري على أن الحكم بعدم الدستورية ذو طبيعة كاشفة وليست منشأة أو مقررة، فهو يكشف عيبا موجودا بالنصّ منذ نشأته لا منذ صدور الحكم.

وتأتي مشاركة الحميدي في هذه الندوة وسط النقاش والجدال القانوني الدائر إثر صدور حكم المحكمة الدستورية ببطلان قرار وزير شئون البلديات والزراعة نزع ملكية إحدى الأراضي للمنفعة العامة لعدم دستورية المرسوم بقانون رقم 8 لسنة 1970 بشأن استملاك الأراضي للمنفعة العامة، وما تلا ذلك من حكم صدر من محكمة التمييز بالقضاء ببطلان قرارات استملاك أراضي إسكان الشاخورة.

وقد تطرق القاضي الحميدي إلى وضع المشكلة في القانون البحريني، مشيرا إلى أن المادة (31) تقضي بـ «إنشاء المحكمة الدستورية (...) ويكون للحكم الصادر بعدم دستورية نص في القانون أو لائحة في جميع الأحوال أثر مباشر، ويمتنع تطبيق النص المقضي بعد دستوريته من اليوم التالي لنشر الحكم، ما لم تحدد المحكمة تاريخا لاحقا لذلك». وعلق بالقول: «فإذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقا بنص جنائي فتعتبر الأحكام التي صدرت بالإدانة استنادا إلى ذلك النص كأن لم يكن، ويقوم الأمين العام بتبليغ المدعي العام بالحكم فور النطق به لتنفيذ ما يقتضيه. وكذلك المادة (106) من دستور مملكة البحرين التي تقضي بأنه «يكون للحكم الصادر بعدم دستورية نص في القانون أو لائحة أثر مباشر ما لم تحدد المحكمة لذلك تاريخا لاحقا، فإذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقا بنصّ جنائي فتعتبر الأحكام التي صدرت بالإدانة استنادا إلى ذلك النص كأن لم تكن».

وأردف «على رغم أن النصين البحريني والمصري متماثلان وأن المذكرة التفسيرية البحرينية ابنة شرعية للمذكرة التفسيرية المصرية فإن جري نصها على «ولكن لا يثور خلاف حول أثر الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية بعد دستورية قانون أو لائحة من حيث السريان الزمني لهذا الحكم»، فقد نصت هذه المادة على أن يكون للحكم الصادر بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة أثر مباشر، ما لم تحدد المحكمة لذلك تاريخا لاحقا، فإذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقا بنص جنائي تعتبر الأحكام التي صدرت بالإدانة استنادا إلى ذلك النص كأن لم يكن».

وأضاف «ومقتضى هذا النص أن ما صدر من تصرفات أو قرارات تنفيذا للقانون الذي حكم بعدم دستوريته يظل قائما حتى تاريخ نشر هذا الحكم في الجريدة الرسمية أو التاريخ اللاحق الذي حددته المحكمة لسريانه، ولا يؤثر ذلك على حق من دفع بعدم الدستورية في الاستفادة من الحكم الصادر بعدم دستورية القانون في دعواه الموضوعية»، واعتبر الحميدي أن «الأصل العام أن المذكرة التفسيرية لا تعد نصا دستوريا وان كانت تعين القاضي على تفسير نصوص القانون، وأنه يجوز للقاضي أن يأخذ بالمذكرة التفسيرية أو يلتفت عنها، ويفسر بما يملك من سلطة بتفسير مغاير للمذكرة التفسيرية»، لينتهى بالقول: «إذا، ما ورد في المذكرة التفسيرية لا يعبر إلا عن رأي صاحبه الشخصي، وفي هذا المعنى يقرر رمزي الشاعر في كتاب النظرية العامة للقانون الدستوري ص 297 (أن القاعدة المقررة بالنسبة للأحكام أنها كاشفة وليست منشئة، وعلى ذلك فالمحكمة حين تقضي ببطلان تشريع معين لا تنشئ هذا البطلان بحكمها وإنما هي تقرر شيئا قائما فعلا بحكم الدستور.

وقال الحميدي: «إن الحكمة من عدم جواز تطبيق النص بعد القضاء بعدم دستورية ترجع إلى الطبيعة الكاشفة للحكم بعدم الدستورية، فهذا الحكم يكشف عيبا أصاب النص منذ ولادته بما ينفي صلاحيته لترتيب أي أثر من تاريخ نفاذه، وأن مؤدى ذلك أنه لا يجوز تطبيق المقضي بعدم دستوريته على أي نزاع معروض أمام القضاء مادام أن الحكم بعدم الدستورية أدرك النزاع قبل الفصل فيه مادامت أن المحكمة الدستورية لم تحدد تاريخا لاحقا يبدأ منه تنفيذ الحكم. ويكاد ينعقد إجماع الفقه الدستوري والقضاء الدستوري على الطبيعة الكاشفة للحكم بعدم الدستورية لاتفاق هذا النظر مع العلة من وجود القضاء الدستوري ذاته فلو لم تأخذ به لأفرغنا الرقابة الدستورية من مضمونها ولأضحت لغوا لا فائدة منه، وما يؤكد وجه النظر هذا ما جاء في كتاب المحكمة الدستورية في مملكة البحرين للقاضي سالم الكواري ص 317 على أن (الأخذ بالتفسير الضيق للمذكرة التفسيرية يؤدي إلى نتائج غير منطقية، من أهمها عدم المساواة بين من يطبق عليهم النص موضوع الحكم الدستوري، بالإضافة إلى الأخذ بالأثر الرجعي، وعدم الأخذ به في آن واحد، إذ إن الامتناع عن تطبيق النص بعد صدور الحكم على موضوع الدعوى، وإعماله على حالات لم تصل إلى المحاكم يخلق هذا التناقض، فمن لم يتصل أمر تطبيق النص عليه بموجب دعوى لا يستطيع التخلص من آثاره)».

وأشار الحميدي إلى أن «النظام الدستوري في البحرين يقوم على فكرة الرقابة الدستورية الكاملة فلا تقتصر هذه الرقابة على الفترة اللاحقة لصدور النص بل تمتد لتشمل الفترة السابقة على صدوره. فقد أجازت المادة 17 من قانون المحكمة الدستورية لجلالة الملك أن يحيل إلى المحكمة ما يراه من مشروعات القوانين قبل إصدارها، لتقرير مدى مطابقتها للدستور».

وفي رده على سؤال مطروح كيف يطلب من قاضي الدعوى إزاء نص المادة 31 سالفة البيان أن يطبق نصا قانونيا لم يعد له وجود قانوني؟ أجاب الحميدي: «إن الحكمة من تحديد ميعاد لا حق يبدأ منه سريان الحكم بعدم الدستورية ترك فرصة للمحاكم لحل للمنازعات المطروحة عليها خلالها، وتمكين الدولة من إصدار تشريع جديد حتى لا يحدث فراغ تشريعي في البلاد»، وأكد أن «الاحتجاج بما ورد بالمذكرة التفسيرية للمادة 106 من الدستور والقول إنها ملزمة للقاضي لا يستند إلى الصحة، فمع تقديرنا لما ورد بهذه المذكرة فهي خاصة بالمادة 106 من الدستور وليس بالمادة31 من قانون المحكمة التي جاء نصها واضح الدلالة واللفظ وهي تخاطب القاضي بصيغة الأمر بألا يطبق نصا قانونيا قضي بعدم دستوريته.

وقال قاضي المحكمة الكبرى مسترسلا: «لا يمكن أن نتجاهل تفسير محكمتنا العليا للمادة 31 من قانون المحكمة عندما ذهبت إلى أنه لا يجوز إعمال النص المقضي بعدم دستوريته على أي نزاع لم يفصل فيه بحكم بات». وفي إجابته على سؤال أحد الحاضرين عن التصور المتوقع بعد القضاء بعدم دستورية قانون الاستملاك بالقول إن التصور لا يخرج عن احد الفروض الآتية:

أولا: استبعاد طرح أي نزاع ناشئ عن هذا القانون وقد تم حسمه رضاء أو قضاء بصريح نص المادة 31 التي هي أقرب بالأثر المباشر للحكم بعدم الدستورية، نافيا أن يكون هناك تعارض في النص بين أعمال الحكم بأثر مباشر وبين ما قلناه بالطبيعة الكاشفة له إذ تتحدد الطبيعة بما هو معروض من منازعات لم تحسم بعد، أما غير ذلك فقد استقرت الحقوق والمراكز وهي تخضع في ذلك لصدر الفقرة الثانية من المادة 31 التي قررت بالأثر المباشر للحكم.

ثانيا: أما ما لم يتم حسمه من منازعات فلا مناص من إعمال حكم 31 من قانون المحكمة من انه يمتنع تطبيق النص المقضي بعدم دستوريته من اليوم التالي لنشر الحكم. واستشهد بما تقوله المحكمة الدستورية العليا بمصر في إحدى القضايا (وإذ إن مقتضى حكم المادة 49 هو عدم تطبيق النص المقضي بعدم دستوريته على الوقائع السابقة على هذا النشر إلا ما استقر من حقوق ومراكز صدرت بشأنها أحكام حازت قوة الأمر المقضي، أو إذا حدد الحكم الصادر بعدم الدستورية تاريخا آخر لسريانه لما كان ذلك، وكان إعمال الأثر الرجعي للحكم بعدم دستورية الفقرة الثالثة مؤداه إحداث خلخلة اجتماعية واقتصادية مفاجئة، تصيب فئات عريضة من القاطنين بوحدات سكنية وهي خلخلة تنال من الأسرة في أهم مقومات وجودها المادي، وهو المأوى الذي يجعلها وتستظل به بما تترتب عليه آثار اجتماعية تهز مبدأ التضامن الاجتماعي الذي يقوم عليه المجتمع.

العدد 1712 - الإثنين 14 مايو 2007م الموافق 26 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً