العدد 2267 - الأربعاء 19 نوفمبر 2008م الموافق 20 ذي القعدة 1429هـ

معالجات صندوق النقد للاختلال العالمي لم تواكب بقرارات سياسية

تستضيف الدوحة خلال الفترة من 29 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري إلى 2 ديسمبر/ كانون الأول المقبل مؤتمر قمة لمناقشة آلية ضمان تمويل كافٍ لمشاريع التنمية في العالم في ظل الأزمة المالية العالمية.

ويسبق القمة عقد محفل المجتمع المدني الشامل بالدوحة في الفترة من 26 - 27 نوفمبر، ومنتدى الأعمال التجاري الدولي الثاني. وقد استعرضنا في الحلقات الثلاث الماضية محاور ومعلومات أساسية عن القمة المقبلة، والصلة بين المساعدات والتنمية، والتجارة باعتبارها محركا للتنمية، إلى جانب مبادرة الدوحة العام 2001 للتوسع في التجارة الدولية ومشكلات تمويل الأمن الغذائي ونواصل اليوم الحلقة الختامية.

ترجع أزمة العام 2008 إلى ما حدث من اختلالات على الصعيد العالمي طوال سنوات عديدة، إذ وفرت المدخرات الآسيوية أكثر المبالغ اللازمة للإنفاق غير المقيد في البلدان الغربية. ومما يدل على مدى هذا الاختلال، تراكم ما يزيد عن 4 تريليون دولار من الأرصدة الاحتياطية الدولية لدى بلدان غرب آسيا المصدرة للنفط وكذلك لدى بلدان شرق آسيا (الحالة والتوقعات الاقتصادية في العالم للعام 2008، التي أصدرتها الأمم المتحدة). وهناك من الناحية الأخرى 3 تريليون دولار من الأوراق المالية لدى خزانة الولايات المتحدة والوكالات الحكومية الأميركية، التي كانت في العام 2007 ملكا لجهات أجنبية (وزارة الخزانة بالولايات المتحدة).

وقد عانت الولايات المتحدة من عجز تجاري وصلا إلى نحو 800 بليون دولار في العام 2007، أما الاتحاد الأوروبي فقد كان لديه عجز يقرب من 200 بليون دولار، في حين أن اليابان جمعت فائضا تجاريا يبلغ 200 بليون دولار، كما كان لدى الصين أكثر من 200 بليون دولار علاوة على فائض تجاري يناهز 300 بليون دولار لدى بقية البلدان النامية والبلدان التي تمر بمرحلة انتقالية (الحالة والتوقعات الاقتصادية في العالم للعام 2008).

ومن التدابير التصحيحية التي ترتبت على حالات الاختلال هذه، حفز التوسع الاقتصادي في البلدان ذات الفائض مع تخفيض مستويات العجز والاستدانة في الولايات المتحدة، ومن المستحسن أن يتم هذه دون إحداث رجة هبوطية حادة للنمو الاقتصادي بهذا البلد، الذي يعتمد عليه اقتصاد بلدان أخرى كثيرة. وكان الخبراء الاقتصاديون في الأمم المتحدة من بين الداعين للأخذ بمثل هذه التدابير.

وفي منتصف العام 2006، شرع صندوق النقد الدولي في مشاورات متعددة الأطراف من أجل معالجة حالات الاختلال العالمية من خلال القيام بإجراءات سياسية متناسقة. وقد شملت هذه المشاورات الولايات المتحدة واليابان وبلدان منطقة العملة الأوروبية والصين والمملكة العربية السعودية. وفي الوقت الذي ظهر فيه اتفاق واضح على تناول حالات الاختلال العالمية من دون تعريض النمو للخطر، لم تتخذ إجراءات سياسية ملائمة لمتابعة هذا الموضوع.

وفي أكتوبر 2008، كان هناك ما يشبه الاستجابة المنشقة (تخفيض سعر الفائدة وتوفير السيولة والقروض وضمانات المصارف)، وقامت بلدان شتى باتخاذ إجراءات متفردة في تتابع سريع. لكن تدابير السياسة العامة كانت تنفيذ آنئذ من منطلق معالجة الأزمة، لا من منطلق الوقاية منها.

وبالإضافة إلى تهيئة آليات يمكن من خلالها تنسيق السياسات الاقتصادية الوطنية بهدف تبادل المنافع، يلاحظ أن ثمة مقترحات أخرى للإصلاحات السياسية تتضمن:

- أحدات تغييرات في المعايير العالمية المتصلة بالتنظيم والأعمال المصرفية، بما يتضمن إمكانية تشكيل هيئة إشرافية لمراقبة المصارف الثلاثين التي تعد أكبر المصارف في العالم.

- إنشاء نظام للإنذار المبكر على صعيد الاقتصاد العالمي، وذلك لدى صندوق النقد الدولي.

- إقامة نظام محايد لفائدة البلدان لتسوية القروض بالاستناد إلى قواعد معينة.

- تهيئة مجموعة دائمة من الموارد بهدف توفير السيولة، مع جعل صندوق النقد الدولي بمثابة ملاذ أخير للإقراض على الصعيد العالمي.

تمويل الأمن الغذائي والزراعة المستدامة

تشهد الأسعار العالمية القياسية للأغذية انخفاضا، تحت تأثير التباطؤ الاقتصادي، ولكن البيئة الاقتصادية والمالية الجديدة تفرض مجموعة صعبة من التحديات.

والارتفاع الأولي السريع في أسعار الأغذية في أوائل العام 2008، وفي السنوات التي سبقتها مباشرة، كان مرتبطا بضغط تصاعدي على أسعار السلع الأساسية بعد أعوام من النمو الاقتصادي القوي في الفترة 2003 - 2007. وتضافرت عوامل الارتفاع المتزايد في مستويات المعيشة وتحسن الغذاء وارتفاع تكاليف النفط (والنفط أحد المدخلات الرئيسية في إنتاج الغذاء)، مع ضعف المحاصيل في البلدان الرئيسية، لتجعل الأسعار ترتفع بشكل حاد. وكان وقع ذلك أشد على البلدان الفقيرة، حيث أدى إلى حدوث اضطرابات سياسية ووقوع 75 مليون نسمة إضافية في براثن المجاعة، وفقا لما أعلنته منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو).

ثم جاء الانكماش الاقتصادي متضافرا مع تحقيق محاصيل قياسية من الحبوب في العام 2008 ليكبح جماح الأسعار العالمية. وبحلول سبتمبر 2008، عاد مؤشر الفاو لأسعار الأغذية للهبوط إلى المستويات التي كانت سائدة في بداية العام. ولكن أسعار الأغذية لا تزال مرتفعة، أو تواصل ارتفاعها في الكثير من البلدان ذات الدخل المنخفض، حيث الأسواق مغرقة في المحلية.

وفي الوقت نفسه، تبقى احتمالات حدوث انتعاش في حالة القطاع الزراعي وسبل عيش صغار المزارعين مهددة.

ففي 15 أكتوبر، صرح المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة جاك ضيوف أمام لجنة الأمن الغذائي التابعة لهذه المنظمة بأن «حالة عدم اليقين التي تكتنف الأسواق الدولية اليوم، بالإضافة إلى خطر حدوث كساد اقتصادي عالمي، قد تدفع بالبلدان باتجاه تبني سياسة حمائية، وإعادة تقييم التزاماتها المتصلة بتقديم المعونة الإنمائية الدولية».

وقد حذرت منظمة الأغذية والزراعة من أن تذبذب الأسعار المتناقصة، التي تكاد تماثل من حيث الوقع كعامل اضطراب، الزيادات الحادة في الأسعار التي وقعت في وقت مبكر من هذا العام، قد يعني تقلص الزراعات، وما يتبع ذلك من ضآلة المحاصيل في بلدان التصدير الرئيسية. وفي ضوء نفاد مخزون الحبوب، قد يفضي هذا السيناريو إلى جولة أخرى من جولات ارتفاع الأسعار الغذائية بشكل قياسي في العام القادم.

آثار اجتماع عوامل تقلبات الأسعار والأسواق

ومن الآثار المحتملة لاجتماع عوامل تقلبات الأسعار واضطرابات أسواق المال وتباطؤ النمو الاقتصادي بوتيرة سريعة ما يلي :

- تواجه البلدان المنخفضة الدخل التي تعاني من عجز غذائي وغيرها من البلدان ذات الأسواق الناشئة، التي تأثرت بالأزمة الغذائية، صعوبات متزايدة في تمويل وراداتها من الأغذية من جراء تدهور موازين المدفوعات لديها وهبوط قيمة عملاتها.

- تعرض الدول المصدرة لخسارة العائدات بسبب انخفاض الطلب العالمي على صادراتها من السلع، مما من شأنه أن يزيد من صعوبة احتفاظها بشبكات الضمان الاجتماعي، من قبيل توفير التغذية المدرسية وتقديم المعونات الغذائية.

- تتجمد الخطط المتعلقة بالنفقات المتوسطة الأجل الخاصة بتعزيز الإنتاجية الزراعية وتدعيم الإمدادات الغذائية على الصعيد الأطوال أجلا في البلدان النامية، وذلك بفعل القيود المالية وتخفيضات التمويل.

- تبرز آثار سلبية على صعيد الاقتصاد الكلي في مجالي الزراعة والأمن الغذائي، وذلك من حيث هبوط «الاقتراض والإقراض المصرفي والمعونة الإنمائية الرسمية والاستثمار الأجنبي المباشر وتحويلات العاملين»، وذلك وفقا لتصريحات السيد ضيوف المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة.

- تؤدي الضغط الائتمانية إلى منع أسواق الأغذية العالمية من العمل على نحو سليم، حيث سيجد المصدرون مزيدا من الصعوبات في الحصول على تسهيلات ائتمانية أجنبية.

ماذا بعد قمة مجموعة العشرين في واشنطن؟

واشنطن - مارتن ووكر

ثلاثة اختبارات كانت أمام قمة الدول العشرين التي عقدت نهاية الأسبوع بواشنطن عن الأزمة الاقتصادية. الاختبار الأول: أتى الأسبوع الجاري في ردة فعل الأسواق العالمية على ما وصف بأنه حدث عظيم، فمن الواضح أنه تم خفض التوقعات حيال القمة عمدا لاستباق أي شعور بخيبة الأمل من اللقاء أو أي صدامات بين الزعماء، وعادت البورصات العالمية لتنخفض مجددا بعد انعقادها، ولكن إذا كانت الأسواق تأمل على الأقل بعرض رمزي للعزيمة والقيادة الجماعية، فقد خاب أملها في جميع الأحوال.

وقال الرئيس الأميركي جورج بوش في القمة: «وافقنا على ضرورة أن نجعل الأسواق المالية أكثر شفافية وتخضع للمراقبة بشكل أكبر» غير أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو كيف يتحقق ذلك ومن سينفذه؟ ولكن الزعماء العشرين وافقوا بشكل واضح على ضرورة تشكيل غرفة مقاصة مركزية تبدأ عملها في غضون 3 أشهر لمواجهة تهديد 40 تريليون دولار من مقايضات الديون المعدومة.

وعلق بوش في محاولة لتحذير حتى اللاعبين الأكثر تفاؤلا في السوق «إذا لم تتخذوا إجراءات حاسمة، فمن الواضح أن بلادنا ستدخل في كساد أكبر من الكساد العظيم».

غير أن زعماء العالم لم يشاطروه جميعا الرأي ذاته، وبدا الاستياء من الولايات المتحدة كونها المسئولة عن جر العالم إلى هذه الفوضى واضحا في كلام رئيس الوزراء الهندي مانموعان سينغ الذي قال: «لم تكن الأسواق الناشئة هي السبب وراء الأزمة بل كانت من بين أكثر الضحايا تضررا». ولكن وراء الكواليس، أشارت الهند إلى أنها كانت مستعدة لتحقيق تقدم على صعيد جولة الدوحة من محادثات التجارة العالمية العالقة منذ وقت طويل، أملا في التوصل إلى توافق على مسودة اتفاق قبل نهاية العام الجاري. وهنا لا بد من القول أن الرئيس المنتخب باراك أوباما، الذي بدا هادئا حيال قضية التجارة الحرة، سيواجه صعوبة أكبر في الوقوف بوجه هذا الاتفاق بعد أن تتفق كبرى اقتصادات العالم عليه.

وكان من المفترض أن تُظهر القمة عزما جماعيا لقادة الدول التي تملك 85 في المئة من ثروات العالم وقدرته الإنتاجية لمواجهة الأزمة المالية والتوصل إلى حلول متوافق عليها. وفي هذا لم يفشل هؤلاء القادة ولم ينجحوا، إذ تعهدوا بإجراء المزيد من المحادثات والدراسات.

وقال البروفسور في جامعة هارفرد كينيث روغوف: «كل دولة سيكون لديها وجهة نظر مختلفة حيال ما يجب فعله، قد يكون القادة اتفقوا على المجالات التي يجب إجراء الدراسات فيها ولكن هذا لا يشكل اتفاقا على ما يجب فعله».

ولكن على الأقل لم يتسبب هؤلاء القادة بأي أذى. ويبقى أن ننظر إلى ردة فعل الأسواق التي كانت على ثقة بأن القادة السياسيين يعرفون ما يجب فعله أو حتى الاتفاق على ما يجب فعله. ولكن هؤلاء لم يستجمعوا إرادتهم للتحرك بعيدا عن التأكيدات المبدئية على إيمانهم بمبادئ السوق الحرة والحاجة إلى المزيد من الضوابط. ويرغب الأوروبيون بأجهزة لضبط السوق بصلاحيات دولية، في حين أن الأميركيين لا يريدون ذلك. أما الاقتصادات الصاعدة فتريد دورا أكبر في المؤسسات المالية العالمية الرئيسية مثل صندوق النقد الدولي. بينما كان الرد الضمني من القمة المراوغة والتشديد على أن الحصول على مقعد على الطاولة يكلف مالا والأفضل أن يكون نقدا يقدم إلى صندوق النقد الدولي.

يكمن جزء من المشكلة في أن الولايات المتحدة تشهد مرحلة انتقالية، ويرغب الأوروبيون بما فيهم البريطانيون، في التنسيق لإطلاق رزم استثمارية جديدة وتخفيض الضرائب، غير أن إدارة بوش لا تريد ذلك مخافة أن يمس ذلك بالسيادة الأميركية. وقد تشعر إدارة أوباما بقلق مشابه غير أنها ستكون مستعدة لإجراء تسويات. لذلك فإن العالم ينتظر.

الاختبار الثاني: سيكون في القمة المقبلة المقرر عقدها في لندن في أبريل/ نيسان المقبل بعد مئة ويوم من تسلم أوباما منصبه. لذلك من المفترض بمراكز أبحاث إعداد لائحة بالإجراءات الإصلاحية الدقيقة المطلوبة التي لم يتم الاتفاق عليها في قمة نهاية الأسبوع الماضي. وتتضمن هذه الإجراءات خطة أوروبية لإنشاء مجلس مراقبين عالمي لمراقبة العمليات والسيولة في المصارف العالمية الكبرى. وتقول مصادر أوروبية إنها تتوقع من أوباما أن يكون أكثر ترحيبا بخططهم التي تتعلق بمراقبة الحدود والضوابط على المصارف، وهي إجراءات للتحكم بعمليات التهرب الضريبي وصناديق التحوط وخططهم لمنح المزيد من الموارد والمسئوليات لصندوق النقد الدولي. ومن المرجح أن تثير هذه الإجراءات الجدل في واشنطن وفي وول ستريت. في وقت لم يختر أوباما بعد فريقه المالي ومجلس المستشارين الاقتصاديين الذين سيحتاجهم لدراسة هذه الإجراءات بدقة تامة. ونظرا للوقت القصير المتبقي قبل قمة لندن، فإن إمكانية التوصل إلى اتفاق ما زالت غير واضحة.

الاختبار الثالث: هو الأمل الجديد بإمكانية ولادة إدارة مالية عالمية جديدة، من خلال قمة مجموعة الثمانية في العام المقبل التي ستعقد في إيطاليا في 8 و10 يوليو/ تموز المقبل ويستضيفها رئيس الوزراء الإيطالي الزئبقي والمثير للجدل والزعيم الإعلامي سيلفيو برليسكوني.

علينا أن نرى إلى أي مدى تغيرت الهيكلية العالمية لإدارة الأسواق المالية وكم من الدول الصاعدة مثل الصين والهند والبرازيل وكوريا الجنوبية والسعودية منحت مقاعد دائمة على الطاولة. في الماضي دعيت بعض الدول إلى اليوم الثاني من القمة كما لو أنها دول قيد الاختبار. ولكن نظرا إلى أن دول مجموعة الثماني بما فيها إيطاليا الدولة المضيفة، لا ترغب في التقليل من أهميتها داخل المجموعة فمن غير المؤكد أبدا أن نشهد تغييرا في هيكلية مجموعة الثماني ولا حتى مجموعة العشرين حتى لو تطلب الوضع الاقتصادي العالمي ذلك.

العدد 2267 - الأربعاء 19 نوفمبر 2008م الموافق 20 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً