أصبحت مشكلة المخلفات البلدية الصلبة مشكلة عالمية، تستدعي سرعة المواجهة والإدارة بشكل صحيح، إذ إنها تشكل خطرا على صحة الإنسان وبيئته. ففي العقدين الماضيين لوحظ تزايد التأثيرات البيئية بسبب إنتاج المخلفات، وأصبح التغيير في العادات ومواقف الناس مطلبا، بالإضافة إلى المعالجة السليمة من قبل الصناعات والبلديات. فلقد قدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) بأن نحو خمسة ملايين شخص يموتون سنويا بسبب الأمراض ذات العلاقة بالمخلفات، كما أن جدول أعمال القرن (Agenda 21) ركز على قضية الإدارة المتكاملة للنفايات في غالبية فصوله، إما باعتبارها سببا للمشكلات البيئية أو نتيجة للنشاطات البشرية.
وتؤكد الدراسات وجود علاقة بين النمو السكاني والناتج المحلي الإجمالي (GDP) مع إنتاج المخلفات. كما بينت الدراسات أن النمو السكاني والتمدن، والنمو التجاري، ونمط الاستهلاك أسباب لزيادة معدل إنتاج المخلفات في البلدان المتطورة والنامية، إذ قدر أن المعدل العالمي لإنتاج المخلفات البلدية سيرتفع بمعدل 31.1 في المئة خلال الأعوام 2004-2008. وأن المشكلة تكمن في التحدي للتحرك نحو الإدارة المتكاملة والمستديمة للنفايات البلدية الصلبة مع الأخذ في الاعتبار الحاجات البيئية والاقتصادية والاجتماعية. علما أن مبادئ الاستدامة تأخذ في الاعتبار تأثيرات كل خيار لكل مكونات النفاية، بالإضافة إلى تجنب التأثيرات خلال دورة الحياة لتقليل المخلفات، وإعادة الاستخدام والتدوير.
أما واقع المخلفات المنزلية والبلدية بمملكة البحرين فيشير إلى أن هناك ارتفاعا حادا ومستمرا في كمياتها، إذ بلغت كمياتها أكثر من 3000 طن يوميا في العام 2006. كما أن كمية انتاج المخلفات البلدية ارتفعت خلال الفترة من 2000 إلى 2006 بنسبة 173 في المئة. ونسبة المخلفات البلدية التي يستقبلها المدفن 94 في المئة تتكون من مخلفات منزلية، مخلفات بناء، تجارية، حدائق، صناعية، وحيوانات نافقة. وأن مكونات المخلفات البلدية تحتوي تقريبا على 59 في المئة مواد عضوية، والباقي مواد قابلة للتدوير مثل الورق، والبلاستيك، المعادن والزجاج والأنسجة.علما أن شئون البلديات خصخصت قطاع جمع ونقل المخلفات إلى مدفن عسكر، وأن التسهيلات محدودة جدا لإعادة تدوير المخلفات، كالبلاستيك والورق وبعض المعادن.
ونظرا إلى محدودية الرقعة الجغرافية للبحرين وقلة المواقع المناسبة للتخلص من النفايات، وغياب التقنيات الحديثة والملائمة للمعالجة السليمة بيئيا من جهة أخرى، فالبحرين مازالت تمارس أسلوب دفن المخلفات البلدية، الذي لا يمكن أن يستمر أبدا، بسبب محدودية المساحة والزيادة المستمرة في كميات المخلفات، لذلك فإن أسلوب الدفن يعتبر غير مستديم على المدى البعيد، ما قد يؤول إلى تلوث عناصر البيئة من أرض وماء وهواء واستنزاف المصادر الطبيعية.
وترتبط مشكلة المخلفات البلدية بحياة الإنسان، وتتكدس في الأحياء السكنية، فإذا لم تجمع وتنقل إلى أماكن التخلص وتعالج بطريقة سليمة فستشكل خطرا على الصحة العامة والبيئة. وأكثر الأضرار الظاهرة التي تسببها النفايات هي: الروائح الكريهة، توالد الذباب ونواقل الأمراض والقوارض، تصاعد الغبار، تلوث المياه الجوفية والسطحية، نشوب الحرائق وما ينتج عنها من تصاعد دخان وغازات ضارة، تشويه الوجه الحضاري للبلد.
لذلك أصبح التعامل مع هذه المشكلة البيئية المهمة بطريقة سليمة اجتماعيا وبيئيا واقتصاديا من الأولويات التي يجب أن تسعى إلى تحقيقها البحرين من خلال وضع الآليات وتنفيذ الحلول الشاملة والمتكاملة على المدى البعيد. ولعل من الأسباب الموجبة لحل مشكلة المخلفات البلدية:
- الزيادة المطردة في كميات المخلفات.
- الآثار البيئية وتشويه المظهر الحضاري للمملكة (التلوث البصري أو المرئي).
- الأضرار الصحية الناتجة عن المخلفات وتأثيرها المباشر على البيئة البشرية.
- إمكان الاستفادة من المخلفات الصلبة بأنواعها المختلفة في إقامة صناعات بيئية تعتمد على المخلفات كمواد خام أو ثانوية.
تعتبر خدمات إدارة مشروعات المخلفات الصلبة واحدة من أكثر الخدمات الحضرية كلفة. وعليه فإن كفاءة أنظمة التشغيل وارتفاع إنتاجية الأيدي العاملة يعتبران من المسائل بالغة الأهمية في هذه الخدمة. أما مستوى التشغيل الآلي الذي يتبع في أنظمة إدارة المخلفات الصلبة فإنه يرتبط مباشرة بكلفة الأيدي العاملة مقارنة بكلف الطاقة وكلف المشروع. ومن هنا يتبين أنه لا يوجد نظام عالمي لإدارة المخلفات الصلبة، ولكن ينبغي لكل بلد أن يتبع وسائل محلية تعتمد على كمية المخلفات ومكوناتها ومستوى الإمكانات البشرية والمادية المتاحة.
وفي الآونة الأخيرة أصبحت المخلفات البلدية تمثل الهم الأكبر سواء للجهات القائمة على النظافة أو على مستوى المواطن العادي، إذ تلاحظ انتشارها في الشوارع الرئيسة والفرعية وتكدسها بجانب الحاويات. ونتيجة لتعثر عمل شركات الخصخصة في جمع تلك المخلفات من المحافظات جعل المشكلة تبرز على المستوى المرئي، وأصبحت الصحف المحلية منبرا لتبادل الاتهامات والتخلي عن المسئولية بين الأطراف المعنية بهذه المشكلة التي تتفاقم يوما بعد يوم، عوضا عن لملمة أطراف المشكلة والعمل الجاد على حلها.
لا تعتبر خصخصة قطاع النظافة الحل الأنجع في حل مشكلة المخلفات البلدية أو غيرها، وإنما جزء من إدارة المخلفات، والجزء المهم الذي يستنفذ الجزء الأكبر من الموازنة. وبعد خصخصة قطاع النظافة حتى ظهور المشكلة لم نر تحركا جديا لحل المشكلات المتراكمة جراء الخصخصة، إذ إن خصخصة هذا القطاع لم يضف شيئا جديدا إلى ما تقوم به وزارة البلديات سابقا (جمع ونقل والتخلص في موقع عسكر). ولهذا، لم يصاحب النمو السكاني والحضري والاقتصادي تطور مماثل في أساليب جمع ونقل ومعالجة المخلفات البلدية والتخلص منها، بل بقت الإدارة التقليدية مقابل الزيادة المطردة للمخلفات.
من المهم تطوير إدارة المخلفات مقابل النمو السكاني والحضري والاقتصادي، وهذا يتطلب زيادة مستوى التشغيل على مستوى العنصر البشري والتجهيزات الآلية، كما ينعكس ذلك على الإمكانات المتاحة لاستيعاب الزيادة في المخلفات وذلك للحد من المشكلات المحتملة جراء تلك الزيادة.
الجانب الآخر المهم هو عملية التقييم، فمنذ تدشين خصخصة قطاع النظافة لم نسمع أو نقرأ أن هناك تقييما لمستوى أداء الشركات، وإنما مدى التزام تلك الشركات بالعقد المبرم مع وزارة البلديات فحسب، إذ من المهم إدخال الجمهور في عملية التقييم باستقصاء آرائهم بشأن الخدمات البلدية ولو بأخذ عينات عشوائية على مستوى المحافظات، فبعد التقسيم الإداري الجديد للبحرين أصبح من مهام كل بلدية محافظة العمل على تطوير خدماتها، وكان من المؤمل أن تتطور الخدمات البلدية بتدشين مشروع المجالس البلدية، وأن تكون تلك المجالس همزة الوصل بين الجمهور والجهاز التنفيذي، إلا أنه من الملاحظ تراكم المشكلات والهوة بينهما آلت إلى تراجع الخدمات البلدية بشكل جلي.
كما نشير إلى شبه انعدام برامج التوعية بشأن إدارة المخلفات البلدية، إذ إن التوعية عامل مهم في إنجاح توجيه أفراد المجتمع بأهمية الإدارة السليمة للمخلفات البلدية والأساليب التي يمكن أن تساهم في حل المشكلة، منها: خفض إنتاج المخلفات، فرز المخلفات من المصدر، والتشجيع على مساندة وتشجيع قطاع تدوير المخلفات، وذلك يعتمد على حزمة من برامج التوعية بعيدة المدى تهدف إلأى توعية جميع شرائح المجتمع بالوسائل المرئية والسمعية والمقروءة، تفعيلا لدورهم للمساهمة الفعالة في المحافظة على صحة وسلامة البيئة الحضرية.
فعلى سبيل المثال، قطاع جمع المخلفات الورقية أخذ حيزا كبيرا من القبول وبدا التفاعل واضحا في المجمعات والمدن والقرى، فترى الحاويات الشبكية منتشرة على أطراف الشوارع وبجانب أماكن التسوق، ما يعطي مؤشرا على نجاح هذا القطاع، وهذا لا يكفي، إذ يحتاج إلى تشجيع ومزيد من التوعية لرفع مستوى الإدراك بأهمية المشاركة والمساهمة في الحفاظ على البيئة. وعلى غرار ذلك يتطلب تشجيع قطاع الاستثمار في جمع وتدوير المخلفات البلاستيكية والزجاج والمخلفات الأخرى القابلة للتدوير.
ويكمن التحدي أمام البلديات ليس بتوفير أساطيل لجمع ونقل المخلفات إلى مدفن التخلص، وإنما خفض نسبة تولد المخلفات خلال خطة زمنية، مثلا 5 في المئة خلال خمس سنوات، لأنه إذا لم يتم الحد من تولد المخلفات من المصدر أو فرزها للتدوير لن تحل المشكلة، وسيكون على البلديات رفع موازنتها سنويا لهذه العملية، فلو تم استثمار جزء من الموازنة أو فرض شروط على شركات النظافة بعمل برامج توعية لخفض المخلفات وتشجيع قطاع التدوير، سيكون الأمر مختلفا بعد سنوات من تلك البرامج، وهناك دول بدأت هكذا، مثل سنغافورة ونيوزيلندا. ويمكن تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني الناشطة في هذا المجال للمساعدة في ترويج برامج التوعية، لأن تلك المؤسسات غالبا ما تكون أقرب للجمهور.
والسؤال، ما المطلوب في المرحلة الراهنة؟ وما خطة العمل المستقبلية لضمان تحقق الإدارة السليمة للمخلفات البلدية؟
من الواضح أن مشكلة المخلفات الصلبة الآن تستلزم التنسيق والتعاون التام السريع والمستمر بين جميع الجهات المعنية لمعالجة الوضع الحالي للمخلفات، وتطويره والحد من مساوئ وسلبيات الأساليب المتبعة حاليا، وذلك للوصول إلى خطة شاملة تخرج بمعطيات تنعكس بآثارها الإيجابية على البيئة وصحة المواطن.
وبما أن قضية المخلفات ذات طابع بيئي بالدرجة الأولى، لا يخفى على أحد مدى اهتمام مملكة البحرين بقضايا البيئة منذ مطلع الثمانينيات بتأسيس لجنة حماية البيئة، وإدراكا منها بأن المحافظة على البيئة ليست قضية اليوم أو غدا بل أنها أكثر ارتباطا بالمستقبل وتمس مقدرات الأجيال المقبلة. وعليه، لابد من إبراز البعد البيئي في هذه المشكلة.
لذلك يتطلب الوضع الراهن الإسراع بتبني خطة عمل وطنية للمخلفات البلدية من خلال مشاركة جميع الجهات ذات العلاقة في وضعها، والوصول إلى إجماع بشأن أولويات إدارة المخلفات والأدوات الاقتصادية والبيئية لمعالجتها، ومنها إلى وضع استراتيجية بعيدة المدى وهذا يقع ضمن اختصاص البلدية بالتنسيق مع الأجهزة التنفيذية. كما أن من المهم تخطيط إدارة المخلفات على مستوى المحافظات وتعريف خدمات إدارة المخلفات بوضوح وتمييزها عن الخدمات البلدية الأخرى، وتحديد مهام القطاع الخاص بوضوح في قطاع إدارة المخلفات، بالإضافة إلى تكثيف برامج التوعية.
عبدالكريم حسن راشد
أخصائي بيئة أول
العدد 2003 - الجمعة 29 فبراير 2008م الموافق 21 صفر 1429هـ